كوفيد19 وتوتر الحكام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كوفيد19 وتوتر الحكام

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 22 أبريل 2020 .

كوفيد19 وتوتر الحكام

...هيام فؤاد ضمرة...كوفيد

من الطبيعي أن انتشار الفيروس كورونا كالهشيم في كل أنحاء المعمورة، حمل ميزانية الحكومات تكلفة مالية ضخمة لا مناص من تحملها، فتوفير مواد الوقاية والحماية، والعلاجات والأجهزة اللازمة التي تحتاجها فترة انتشار الفيروس، واستنفار الأمن والعسكر لضبط الاجراءات وحماية الناس من نفسها ومن خوفها، وتعطل الحياة العامة وتوقف نبضها الاقتصادي لدرجة العدم، إلى الدرجة التي جعلت البنك الدولي يخفض من توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي، مع حالة الانكماش الحاد الذي سجل في الآونة الأخيرة انخفاضه على قوائم معدلات النمو، مع تجمد الأعمال كليا وبالتالي تجمد الإنتاج، وتوقف الحركة التجارية البينية بسب إغلاق المطارات والموانيء ونقاط الحدود بين الدول.

بالمقابل فإن جميع هذه الشواهد باتت تشكل تهديدا حقيقيا للميزانية العامة للحكومات وانعكاساتها على موازنات السنوات التالية، فتحدث فوضى عامة عارمة على موازناتها المستقبلية، مع حدوث فيض كبير من المصرفات يضخم الفاتورة العامة، وكل هذا كان يضغط بقوة على أعصاب القيادات المسؤولة، لأنه مطلوب منها سرعة التصرف وإيجاد مصادر إنفاق داعم وإلا أعلنت هذه الحكومات إفلاسها وازداد تضخم ديونها وفوائدها، خاصة تلك الدول المحسوبة على الفقر وقلة الموارد.

لكن بعض الحكام كانوا من الشجاعة بمكان لأن تمكنوا من إلقاء هذا الخوف خلف ظهورهم وصرفوا جل اهتمامهم بمواطنيهم بالشكل اللائق الذي يحفظ كرامتهم ويجعلهم مرتاحين للاجراءات المتخذة، وجعل من نكبة الابتلاء فرصة ليكسب إلى جانبه تأييد شعبة من خلال نظافة الاجراءات المتخذة لحماية الوطن ومواطنيه من الضرر، وسرعة اتخاذ القرارات الصائبة التي تحد بسرعة من انتشار الوباء واستفحاله، وتأجيل أمر التفكير بالفاتورة لوقت لاحق، في سبيل ضمان تقليص فاتورة الوضع الطارئ قدر المستطاع وإيقاف تقدم العدو الجديد قبل تطوره وتعظيم تكلفته.

هناك مثل شائع يتداوله العامة في الظروف المشابهة "واجه الريح بكسر شوكتها قبل أن يكسرك جنون عصفها"

إذ تمر العواصف بسلام على الأشجار التي يلين جذعها فتميل بمرونة وتعود ترفع هامتها، وتقتلع الريح الأشجار العنيدة إذ سرعان ما ينقصف عودها وتفقد هامتها، أوتقتلعها الريح فتفقد قامتها، الريح هي الريح إنما الشجر هو الذي يختلف بالتعامل مع قوة وهمجية الريح.

إن أسمى درجات القيادة البشرية هي الذكاء في إدراك غير المدرك، والتصرف بالأسلوب الذكي المبتكر لخلق حالة إبداعية تحقق السلام الداخلي والخارجي للشعب، وتمنحه السكينة رغم أنه مهدد بالعواصف لو لم يلتزم بأدوات ومتطلبات السلامة.

في الآونة الأخيرة كثرت الكوارث والنكبات على سطح الكرة الأرضية وبات هناك حاجة لقيادات تتقن إدارة الأزمات وقد تستثمرها بشكل ناجح، وهذا ما أثبتته التجربة من حالات نجاح باهر أثارت الإعجاب، وسار الكثيرون بالاقتداء بها وتبنيها لما نالته من نجاح، حتى لو كنت ممن تلقى العلوم بإدارة الأزمات، لن تنجح ما لم تمتلك بعدا عاليا بالتفكير وذكاءاً في استحضار الفكرة الناجحة وتطبيقها وفق توقعاتك لمصادر دعمها، دون ذلك لن تصل لأبعد من القدرات المجربة سابقا، والعلوم تكتسب مؤازرتها بالأفكار الإبداعية الفريدة وتطبيقها الناجح.

فالصين تفردت بإدارة أزمة كورونا بالسرعة الفائقة، واتخاذ الإجراءات والقرارات الصحيحة بحزم وبجدية وقوة مالية، فقد تم بناء مشفى ضخم بكل تجهيزاته خلال أقل من عشرة أيام، وفرض طوق حصار على بؤر الأصابة، وفرض حظر تجول صارم لا رحمة فيه ولا تهاون داخل مدن بؤر الفيروس، مما أحدث التزاما شديدا لدى الناس، ولم يتواني الرئيس الصيني عن أداء دوره في متابعة كافة الاجراءات دون هياب، وزيارة مقر بؤرة الفيروس بشجاعة رغم خطورة هذه المبادرة.

والأردن ضربت مثالاً حيا بالنجاح بإدارة الأزمة، وهو ما يبعث على الإعجاب لدولة فقيرة تعتصرها الديون وتضغط على ميزانيتها تراكم فوائدها، وتنال من حصتها من الماء الشحيح أفواه ضيفة من هجرات مواطني الدول المجاورة الذين يتهددهم الموت والممارسات السياسية وارتفاع سخونة الأوضاع في بلادهم، ففتح الأردن لهم صدرة وقام نحوهم بدوره، رغم قصور الهيئات الدولية من القيام بدورها بتقديم المساعدات بشكل كاف.

بسرعة وبدون أي تباطؤ اجتمع ملك الأردن برجال وزاراته ومؤسساته، ووضعهم في حجم المسؤولية المترتبة عليهم وعلى أنظمتهم الإدارية في ظل عبور الوباء عتية الحدود الأردنية، وأعطاهم توجيهاته بحكمة بتشكيل لجنة لإدارة الأزمة ومنحها حرية التصرف واتخاذ القرارات الصائبة، مشيرا للنقاط المهم الانتباه لها والعمل عليها بمصداقية ودون تهاون، وبطرق لائقة تحترم إنسانية الإنسان.

فإدارة الأزمات تهدف إلى مواجهة أحداث خطرة مفاجئة وقابلة للتفاقم، ووضع خطط لمواجهة أثارها والحد من تفاقم أضرارها من خلال جملة قرارات وإجراءات تستكمل بعضها البعض في عمليات المواجهة والتصدي، لوقف تصاعدها وتعاظمها، بحيث تحقق حالة السيطرة عليها ووقف ما قد يرفدها ويمنحها فرص اكتساب اندفاعها إلى جموع المجتمع..

وهذا ما قام به قائد المملكة الأردنية الهاشمية الملك عبدالله، وطبّقه على أرض الواقع دون النظر للظروف المادية وفداحة الخسائر وهو يعلق الأمل باتخاذ الخطوة التالية في ايجاد مصادر الدعم المادي التي سيقدرها حق قدرها الفئة المقتدرة من الأثرياء والأصدقاء، ولعل الحركة الأولى التي قام بها جلالته وإلى جانبه جلالة الملكة رانيا اتصالهما بصديق الأسرة الحاكمة الملياردير الصيني "جاك ما" مؤسس مجموعة علي بابا الصينية للتجارة الألكترونية العابرة للقارات، وحثه على التبرع لجهة المخزون الاستراتيجي في القطاع الصحي الرسمي لمواجهة تفشي كورونا، حتى أنه سرعان ما لبى الطلب بتبرع سخي يفوق حجم التصور، حيث تبرع بكمية كبيرة من المعدات والأجهزة الطبية ولباس وقاية خاص بالأطباء والممرضين وكمامات وأدوات أخرى بكميات كبيرة، الأمر الذي فتح شهية الأثرياء الأردنيين ليهيلوا تبرعاتهم على خزينة الدولة بسخاء، ولم يضع جلالته باعتباره مقولة الباحث الانجليزي توماس مالتوس قبل قرنين من الزمان: بإهمال حق كبار السن لأنهم ضيوف فائضون على وليمة الطبيعة، بل منحهم حقهم بالرعاية لأن الله يتولى عباده برحمته.

قصة نجاح هذا الصيني العصامي ملهمة حقا فقد تردد عليه الفشل عشرات المرات وظل النحس يلازمه في كل عمل يتقدم إليه، حتى تعرف على أول جهاز الكتروني بحياته مع نهايات القرن الماضي حين سافر إلى أمريكا باحثا عن عمل، فظل يتابع تعلمه الألكتروني ليعود إلى الصين ويطلق أول موقع الكتروني للبيانات، ومن ثم اقنع رفاقة بمشروع علي بابا وافتتح بشراكتهم موقع تاوباو وما هي إلا بعض سنوات كان موقعه الأول بالصين وأصبح وأصدقائه الشركاء من كبار الأثرياء في مدة وجيزة.

أعود لألقي الضوء على فشل مجموعة التحالف الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ومجابهتهم الفاشلة للفيروس حتى تفشى الفيروس بشكل متفلت عن السيطرة داخل بلادهم لسوء إدارتهم للأزمة بالشكل الصحيح الجاد والناجح، أخذتهم العزة بالإثم فتمادوا في غيهم فهم لا يعمهون، ولجوء دولة المركز لارتكاب أعمال قرصنة دولية غير أخلاقية لهو تصرف يجري في ظل فشل إداري يفقد المسؤولين سيطرتهم على القرارات الصائبة،

ثم قيام رئيس الولايات المتحدة في ظل وقوعه تحت المجهر أمام شعبه بالاضطراب الواضح على تصرفاته في المؤتمرات الصحفية وتطاوله بالألفاظ غير اللائقة على الصحفيين، ولجوئه للتهديد بالاستيلاء على أموال الموديعين الأجانب في البنوك الأمريكية، وغالبيتهم من العرب والخليجيين، كل ذلك يجري بالعادة حين الفشل في ايجاد وسيلة لتغطية القصور في ميزانية بلاده وفي مواجهة الفيروس،

ومما زاد الطين بلة مواجهة تفشي الفيروس بصورة سريعة في بلاده، مما يحمل الميزانية خسارة مضاعفة، ويبدو أن فشله في إدارة الأزمة بات يجعله يظهر بصورة المضطرب بالتصرفات ويفقده ذلك مظاهر التوازن والعقلانية في تصريحاته، فيظهر على الملأ مضطربا عصبيا غير متحكم بأعصابه في مواجهة أسئلة الصحفيين، فيتصرف بطريقة غير لائقة معهم ومسيئة لشخصية تقود أكبر دول العالم، وينطق بعبارات أقل ما يقال عنها أنها غريبة على منطق الدبلوماسية المعهودة بالحكام غير.

الأمر يتكرر بصور مختلفة مع قيادات أوروبا التي فقدت سيطرتها على انتشار الفيروس وتعاني بصور مختلفة من فوضى اتخاذ القرارات وإن كان بصورة أقل كثيرا مما يبديه سواهم.

هذه مقارنة بسيطة بين القيادة الناجحة والقيادة المضطربة في الظرف الواحد والزمن الواحد.. فلأي مستوى تتكشف هشاشة البعض ممن طنهم العالم بقدر القيادة العظمى                                                                                                              


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 22 أبريل 2020 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا