قبل الثورة كنا نعيش في بلدٍ يحكمها قانون الغابة، وكنا نشعر أن مدننا هي عبارة عن حدائق ومزارع للنصيريين يسرحون ويمرحون بها وما الشعب إلا عبيداً عندهم، وبعد أن قامت الثورة شعر المسلمون أن عليهم فاتورة ضخمة يجب أن يدفعوها حتى يتخلصوا من هذا الواقع، فقدموا أرواحهم وأموالهم وأولادهم من أجل الخلاص، ولمّا علموا ألا ملجأ لهم إلا الله بعد تخلّي المسلمون والعرب عنهم؛ جعلوا مطالبهم في ثورتهم قيام دولة إسلامية تحكم بشرع الله ولا شيء إلا شرع الله.
مع مرور الوقت وتحوّل الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة بدأت أموال الخليج تُضخ في الشارع السوري، ولكن ليس بعبثية؛ وإنما بمنهجية تركيع المسلمين وتحويل الحدائق والمزارع من ملكية بشار الأسد إلى ملكية الميليشيات المسلحة، حيث تحولت هذه الميليشيات من وسيلة لتخليص المسلمين في سوريا إلى أداةٍ لتركيعهم من خلال نهبهم وإذلالهم وتهجيرهم باتفاقيّات تُجرى من تحت الطاولة، ومن ثم يتم التقاسم.
وبما أن المسلمين في سوريا لخّصوا مطالبهم بشعاراتٍ إسلامية؛ جاءت كل هذه الميليشيات والفصائل بشكلٍ إسلامي وتغطّت برداءٍ إسلامي لتُلبس على المسلمين أمر دينهم، وسرعان ما تحوّلت ثورتهم إلى ثورة علمانية يُلخّص مطالبها الائتلاف الوطني وحكومته المؤقتة العلمانية العميلة التي منعت تطبيق شرع الله في عباده، والتي جاءت بعد قيام عشرات الهيئات “اللا شرعية” التي لم تفرض شيئاً واحداً من شرع الله ولم تحارب شيئاً واحداً حاربه الله ورسوله، بل كانت وسيلة لترسيخ حكم ميليشيات الجيش الحر والجبهة الإسلامية، وحتى تلك الفصائل التي تُقاتل تحت مظلة القاعدة أو السلفية الجهادية كجبهة النصرة وأحرار الشام، فإن هذه الفصائل لم تُطبّق شرع الله في أي مدينةٍ من مدن سوريا، ولم تُحارب الفصائل المسيئة التي أفسدت في الأرض تماماً كما يفعل النظام النصيري في البلاد والعباد.
نحن كمسلمين في سوريا لم نعش الواقع من خلال قناتي الجزيرة أو العربية أو غيرها من وسائل الإعلام، ولم نُتابع أخبارنا من خلال إعلام المعارضة حتى، وإنما عشناه بحواسنا الخمس، فشاهدنا إجرام بعض فصائل المعارضة بأعيننا، وشاهدنا تغاضي الفصائل الأخرى عن إجرام تلك بأعيننا، وشاهدنا وسمعنا ولمسنا كيف أن أحداً من هذه الفصائل لم يُطبّق شرع الله في سوريا، بل سارعت معظمها لتعمل تحت غطاء هيئة الأركان وبأموال الائتلاف، وبذلك سقطت شرعية هذه المعارضة بفصائلها، إذ أنها لم تُلبّ مطالب المسلمين في سوريا الذين ما تركوا شيئاً غالياً عليهم إلا وقدّموه.
لم أُقحم الدولة الإسلامية في حديثي حتى الآن لأنها في الطرف الآخر تماماً، ففي الوقت الذي صارت فيه فصائل المعارضة منقسمة بين فصائل تصوير و فصائل “تشويل” وفصائل عمالة؛ كانت الدولة الإسلامية تُرسّخ مبادئ الخلافة التي طالبنا بها منذ البداية، وعملت على تطبيق شرع الله رغماً عن أنف كل من وقف في وجهها، ونحن كمسلمين في سوريا وجدنا من حيث لا نشعر أن طرفاً لم يكن في حسباننا يُلبّي مطالبنا ويُنفّذ ما قمنا من أجله، فوجدنا أن الفصيل الذي تجرّأ على عرضنا أو مالنا قد حُورب من الدولة، ووجدنا الأحكام التي فرضها الله عز وجل من فوق سبع سماوات تُطبّق بيننا بين ليلةٍ وضحاها، ولم نرَ فرقاً قد تضعه الدولة بيننا كعوام وبين جنودها العسكريين، فوجدنا من حيث لا نحتسب ضالتنا بدولة الخلافة الإسلامية بقيادة أمير المؤمنين الشيخ إبراهيم البدري الحسيني القرشي، وفي ذلك سرّ من أسرار ثبات الدولة رغم كثرة مُحاربيها وتعدّد أشكال الحرب ضدها.