علي رُفاة رابعة نحكي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

علي رُفاة رابعة نحكي

إن كنت تنوي أن تقرأ فلُطفاً إخلع عنك نعل فكرك وتحرر من قالب صنفك إقرأ فقط بإنسانيتك وإلا فلا داعي أن تقرأ .. فضلاً

  نشر في 14 غشت 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

صافرات مُزعجة وأصوات تُنذر بحلول مُصيبة تغزو أجواء رابعة العدوية في باكر الرابع عشر من أغسطس

أذكر جيداً ما كنت عليه حينها من سهر كعادتي , وكأن القدر كتب عليّ أن أكون من الشاهدين العاجزين أمام الشاشات

حينها تذكرّت حينما كنت أحاور أبي عن إماكنية الفض من عدمها فقلت له ( لا يا بابا معتقدش إن الجيش يعمل كده ده بس بيخوفهم لكن مش هيفضوا , دول لو فضوا هتبقي مصيبة وألاف هتروح )

أصوات تُمزقني صدقاً وكأن العجز يغزوني شيئاً فشيئاً .

كان تطور الأمر سريع بشكل مُرعب , مُرعب للحد الذي يجعلك تتخيل أنك في كابوس فتحاول أن تصحو من نومك فتكتشف أن الأمر حقيقة , وأن ما يحدث هو ( فض إعتصام رابعة العدوية )

أسرعت إلي أبي الذي كان نائم حينها بصرخات ( بابا , بيفضوا الإعتصام يا بابا , قوم يا بابا شوف بيفضوا الإعتصام )

إنتفض أبي مزعوراً من نبرة صوتي ومن كلماتي وهكذا أمي , أسرعوا ليشاهدوا الفض من خلف الشاشات

 لا أذكر في تلك اللحظات سوي الأصوات المزعجة , أُقسم أنها لازالت في أُذُني ...

حـــالة من اللاوعي أو الهروب من الحقيقة , وكأني أخشي الإستيعاب .

صور قتلي وجرحي , دماء هنا وهناك .. صرخات لا تنقطع ما بين أطفال وأمهات

حتي الرجال كانوا يصرخون , وجعاً وفراقاً أو حتي وداعاً

أمضيت شهر أو ما يفوق الشهر تنتابني حالة من الإكتئاب , أذكر أنني كنت أنام وفي أُذني أصوات الصرخات والرصاص والدبابات والجرافات وصافرات الإنذار وإن صحوت كنت أصحو وعلي لساني ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) لا تفارقه أبداً

كنت طالبة في مقتبل عامي الأخير في الثانوية العامة , لا أذكر تفاصيل أمري ولكن كل ما أذكره أن شعوراً بداخي يقتلني حقاً , يُمزق أملي , روحي صارت وكأنها ميتم

لازلت إلي يومي هذا أُردد الحمدلله أنني لم أكن برابعة , الحمدلله أنني كنت شاهدة خلف الشاشات فقط , فإن كان الأمر ساقني لحالة نفسية كهذه فما بالي لو كنت شاهدة في قلب الحدث !!

أظن أنني حينها لو نجوت من الفض , لنجي جسدي فقط أما روحي ونفسي أظن أنني كنت لأدخل في حالة لا أعرف مسواها ..

مُختصراً .. لم يكن الأمر بالهيّن علي نفسي , أمر لو تعلمون عظيم ..

ليست القضية في ذلك فهو أمر يتعلق بشأني في الدرجة الأولي ولكن القضية كانت في ردود الفعل التي لازلنا نراها ..

سمعت قوم قالوا ( أحسن يستاهلوا , حد قالهم يقعدوا , ما كانوا غاروا بيوتهم )

 وقوم قالوا ( الإخوان هما السبب هما اللي وصلوا الجيش إنه يعمل معاهم كده )

وقوم قالوا ( الجيش معملش حاجة أصلاً هما اللي قتلوا بعض )

وقوم قالوا ( قرار الفض كان قرار صائب جداً وكان لازم يحصل من بدري كمان )

وقوم قالوا ( مبرووووك خلصنا من الخرفان أخيراً )

_ تعلّمت جيداً إحترام أراء الأخرن وأن الإختلاف في الرأي لا يُفسد في الود قضية

ولكن تعلّمت أيضاً القيم السوية لا تحتمل إختلاف الأراء لأن لا رأي يُعارض الإنسانية ولا شأن لرأي يُفسد القيم السوية

لست أدري هؤلاء الأقوام في أي قالب من قوالب التصنيف أضعهم , لهم قلوب هي أشد من الصخر أو قل إن الصخر يستحيي أن يقول قولهم ..

سُحقاً للشامتين بدماء والشامتين بتشتت والشامتين بتيتّم , سُحقاً لكم

_ لنتكلم بأكثر منطقية حتي لا يقول أحداً أننا نتحدث بالعواطف وننساق خلفها ونُهمّش عقولنا

1- لو كان الإعتصام في أصله باطل كما يدّعي البعض وأن المعتصمين هم من أودوا بالأمر للوصول إلي فض وأنهم يستحقون .

- أذكروا لي سبباً منطقياً واحداً يدعوك لقتل أحد لمجرد أنه معتصم بالشارع !

لنفترض أن مبررات إعتصامه كلها باطل وخاطئة , هل يُبيح ذلك دمه .. لو كان هذا يبيح دمه لمجرد رأيه وإعتصامه فالأمر يسري علي كل الإعتصامات والأراء المختلفة وأولهم أنت ’ أي بمعني أوضح يحق لي قتلك لأنك تختلف مع رأيي وأراك باطلاً .

2- الإخوان هم من قتلوا أنفسهم ..

- هذا النوع من الأراء لا يتم التعامل معه فتجاهله أجدي . لأن الإخوان لا يملكون الدبابات , لا يملكون الجرافات , لا يملكون ملابس الجيش والشرطة , لا يملكون القناصات

هذا النوع يُصنّف من الكائنات الضالة بجدارة

 3- قرار الفض قرار صائب ..

- لست أدري أين الصواب في كونك تقتل وتُشتت !! , أين الصواب في كونك تستبيح حُرمات أشخاص لمجرد كُرهك لهم أو إختلافك معهم !!

كــان من الممكن أن يتم تفريق المعتصمين بالماء كما كان يحدث أيام ثورة يناير .!

كان من الممكن إستخدام أساليب كثيرة لفض الإعتصام بطريقة أكثر عقلانية ورشداً وإنسانية .

أصلاً فض الإعتصام في حد ذاته ليس عدلاً ليس طريقته وحسب

كونك تحجر علي رأي فئة كبيرة من المجتمع فهذا في حد ذاته جور لا يُغتَفر

ليس هذا وحسب بل من نجوا من الموت المُحقق , نالت منهم المعتقلات والتعذيب والقضاء الغير سوي ..

4- الإخوان كانوا مُخطئين وقرار العند والإعتصام ممكن كان قرار خاطئ ولكن علي كلٍ لا يُمكن تبرير الفض بذلك فلا مُبرر لإستباحة دم أحد

الأمر لا يُمكن إدراجه تحت تصنيفات سياسية أو إنتماءات حزبية أو قوالب فكرية

لأن القضية في مضمونها قيمية ..

رابعة العدوية قضية لا يُمكن أن نضعها علي طاولة الرأي لأنها في الأصل قضية إنسانية .. لا بد أن تُجَرّد من كل ما يجرفها خارج تيار المبادئ والأُسس الأخلاقية السوية

لا تنسوا أن الأمر سواء تقبلتموه أو أعرضتهم عنه هو وصمة عــار بتاريخ البشرية لو نسيتموها سيذكرها التاريخ ..

لا تنسوا أن جيلاً بأكمله كان شاهد علي الجُرم ولن ينسي ..

إن عواقب الأمر وإن لم تكن ظاهرة إلي الان إلا أنها ستكون لو تعلمون عظيم فيما بعد

فالشتات الأكبر الذي صرنا فيه يُهدد قيام دولة سوية منسجمة المؤسسات والأطراف

وأن الأراء مهما اختلفت فستبقي رابعة مجزرة لا يختلف عليها إلا الضالين

وليست رابعة العدية وحسب فالجنود في سيناء كل يوم يُقتلون ولا أحد لهم ,

من قُتلوا في رمسيس والنهضة وعربة الترحيلات و الحرس الجمهوري وبالسجون وعلي الحدود وفي سيناء وفي أرجاء مصر لا تُدرجوهم تحت سياساتكم القذرة وأفكاركم العفنة

ولأن رابعة كانت أقسي حدث تفننوا في طغيانه .. فكل ما دون رابعة العدوية قليل

نحن جيل في مقتبل العمر يكبر كل يوم وفي أُذنه صوت الصافرات والصرخات وعينيه لا تنسي صور القتلي والجرحي والمُشرّدين

أتعتقدون أن من شَبّ علي حدث كهذا سيغفر !!

أما عني فلن أغفر لمن شارك وساهم ومن أيد المجزرة , لن أغفر إحساس العجز الذي إنتابني حينها ..

لن أغفر لمن حول بلادي من أرض للسلام لسيول دماء بدأت ولم تنقطع

أرانا الله فيمن إعتدي علي الإنسانية عجائب قدرته ,,

ثم أما بعد فسلاماً علي أهل رابعة العدوية وسلاماً علي شهداء رابعة العدوية وسلاماً علي من نجا من الفض وسلاماً علي أهل ميدان النهضة وشهداء ميدان النهضة وسلاماً ألف ألف سلام لمن قاسوا ويلات ضلال أقوام غيرهم

ثم أما قبل فسلاماً علي كل شهيد معلوم كان أو مجهول , شُرطيّ كان أو جيش أو إخوان

مــادام كان ضحية

وقبل أن أنسي لا تنتظروا من أي منظمة دولية أن تنصف القضية ما دام لم ينصفها أهلها

وأخيراً .. إحكوا لأولادكم عن رابعة و عربة الترحيلات والنهضة والحرس الجمهوري ورمسيس وسيناء والجنود علي الحدود 

علّموهم جيداً معني الإنسانية والقيم السوية والأخلاق العُليا

وإبعدوهم كل البعد عن ضجيج الإنتماءات وتشرزم الأخلاق وصراع الضالين

علّموهم أن الإنسانية بالمقام الأول وما دونها قليل

ودعونا .. علي رُفاة رابعة نحكي .. :((

#ذكري_فض_رابعة <3

#ثلاث_أعوام_علي_المجزرة :(


  • 4

   نشر في 14 غشت 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا