منذ ولادتك التى لم تختاريها تصنفى فى خانة اقل فقط لكونك أنثى ؛هذا ليس بالامر الجديد على العالم كله فمابالك وانتِ انثى عربية؟! ففى مجتمعنا لا كلمة تعلو فوق التقاليد حتى الدين نفسه ؛فعلى الرغم من ان الاسلام هو الدين الوحيد الذى اعطى للمرأة مكانة سامية تساوى فيها الرجل كما قدّرعدل الله فى خلقه للانسان بشقيه دون تفضيل فى المكانة او الخاتمة او الثواب والعقاب او حتى فى الشخصية والروح والعمل ؛رغم كل ذلك مايزال اغلب العرب يؤمنون ايماناً اقوى من الايمان بالله ذاته بأن المرأة ناقصة عقل ودين ؛اعلم ان الجملة منزوعه من سياقها لحديث شريف واعلم مقصدها البعيد كل البعد عن المعتقدات الشعبية الجاهلة التى تنتقص من الانثى وتقلل من كفائتها الفكرية والانسانية ولكن فى الاخير هذا وضع مجتمعنا الذى لابد من التعامل معه بحسم؛والاجابة على السؤال كيف تتغلب المرأة العربية على العنصرية ضدها؟!
الامر يبدأ من الفتاة العربية نفسها فهى بلاشك سبب جوهرى فى ماوصلت اليه من تخلف عن بنات جنسها بالعالم ؛فهى تشجع الاخرين على قمعها ؛وهى تعتقد عن نفسها النقص وتشجع العقد الاجتماعية بأن تنال منها ؛بل وتختار شريك حياتها بنفس الشكل التقليدى للرجل الشرقي المتحكم القاسى الممل ؛وتنتقص من الرجل المختلف والاكثر تحضراً ؛هى نفسها التى تخجل من كونها أنثى اصلاً بمحاولة كبت مشاعرها وتشويه جسدها والاسترجال الشكلى المبالغ فيه فى مجتمعات لاينتشر فيها الاّ القبح..
حتى من تثور منهن وتحاول التغيير فهى تبدأ بالتحلل من ملابسها ! وكأن تلك هى الحرية وتترك المشاكل الجوهرية والحقوق الرئيسية من حقوق عمل ودين وسياسة وتعليم وزواج ...الخ تلك المعارك وتختار المعركة الخاسرة والبعيدة اصلاً عن حرية الانسان ؛فالمرأة الغربية ناضلت عبر عقود لتصل لحقها فى العمل وتقلد المناصب والكفاءة وتحارب بالثقافة والسياسة والعلوم وتتساوى مع زوجها فى امور الحياة ؛ثم تأتى العربية لتنال منها فقط شكلها الخارجى وارتداء ماترتديه لتقول بأنى مثلها (متحررة)! فأى عته وتصّنع والهاء تفعليه فى نفسك ايتها القاصرة فكرياً والتعسة اجتماعياً فما الذى يضيرك وانتِ مرتدية ملابسك بأن تنالى كل حقوقك الانسانية دون تمييز ودون تصادم مع دينك واخلاقياتك؟!
ثم نأتى الى المستمدين افكارهم من أُسس دينية مشوهه لقمع المرأة وايجاد مبرر الهى يمنعها من العمل والحرية والحياة نفسها ان امكن ؛فعندما نعود لكل تلك الفتاوى التى اتخذوها نجد انها تحريف لحقائق القرآن الكريم الذى جعل المرأة لها استقلالها المالى والمساواة فى الحقوق والواجبات بشكل تكاملى لاتفضيلى بينها وبين الرجل بمنتهى العدالة الاسلامية التى سبقت الدنيا كلها فى تقرير حقوق المرأة ولكن كأى قيم اسلامية أخرى بعصرنا الحالى فقد تم تشويه ذلك بتعمد واعادة لمنتج جاهلى مغلف بوعظ دينى قاصر يظلم المرأة ويعاملها ككائن ادنى ؛وللرجل الوصاية عليه!
اما اكبر الكوارث التى حظرت على المرأة المطالبة بالعدالة والحرية لنيل حقوقها الطبيعية فكان العاملون بحقل (حقوق المرأة) انفسهم ؛فستجدوا تصدير للتغريب وخطاب سطحى متعالى عن قضايا لاتخص مجتمعاتنا التى تعانى فيها الفتاة من التسرب من التعليم والزواج المبكر مثلاً او مشكلات المرأة المعيلة او المطلقة او المضطهدة فى شوارع التحرش ؛ستجدهم يتركون كل تلك القضايا ويتحدثوا حول الحجاب ومنعه! ومنع تعدد الزوجات وحقوق المرأة التى حملت بدون زواج ولها ابن ترعاه فهى ام (عزباء) لها حقوق ؛الى اخر ذلك العبث الذى يُنّفر من قضايا المرأة ويجعل حقوقها مهدرة ؛وتناست تلك السيدات النائمات على اعتاب الحكومات العربية ان المرأة تعانى من الجهل وتدنى المستوى الثقافى الذى لابد ان يتغير للافضل لكي تنال حريتها وحقوقها وان المرأة عندنا لا تأخذ حقوقها السياسية ولا استقلالها المادى وكثيرات منهن يتعرضن للعنف والقمع ويرضخن تحت ويلات اب قاسى او زوج مستبد او مجتمع تقليدى يراهن كائنات تابعات لقرار ولي امر ..
فما بين الظلم السياسى والدينى (الفقهى) والتمييز فى الوظائف والاضطهاد لكيانها المستقل ورغباتها البشرية تعانى المرأة العربية لاسيما عندما تصبح وحيدة وغير متزوجة وبالرغم من ان هناك اتساع فى التعليم للطبقات المتوسطة الاّ انه تظل الطبقة الدُنيا التى تتكون منها اغلب مجتمعاتنا عرضة للتسرب من التعليم والامية ؛الى جانب الاضطهاد الممنهج ضد المرأة كجسد يواجه مجتمعات ذكورية مُستغلة؛وهى فى الكثير من الاحيان تعيل بيتها وتدفع ثمن الحرب والثورات اكثر من الرجال لكنها لا تنال حقوقها الفردية وتعيش فى دائرة مفرغة تبدأ من ظلم الرجل والمرأة معاً من سلطاتهم الحاكمة وتنتهى بظلمها هى فى دائرتها الخاصة من عائلتها وزوجها ومجتمعها ؛والاسوء من كل ذلك اضطهادها هى ذاتها لبنات جنسها اللاتى تردن نيل حقوقهن بصلابة وتحدى فتجد اغلبهن تهاجم من ينادى بحقوقها ولاترضى منهن الاّ الاستسلام مثلها!
-
أميرة أبو شهبةباحثة فى الفلسفة والتاريخ