التصوف هو العِلم المُوصِل إلى مقام الإحسان الذي عرَّفهُ النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، ويشمل التعريف أمران:
الأول: «أن تعبد الله كأنك تراه»:-
وهي مرتبة "المشاهدة" والتي تعني رؤية أسماء الله وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى في كل شىء، وعدم رؤية أحد سواه والشعور القلبي بوجوده سبحانه بداخلنا، وهذا هو جوهر كلمة التوحيد (لا إلهَ إلاَّ اللَّه) ومعنى الإخلاص (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)،وايضاً هي مضمون كلمة (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) لذا قال النبي في الحديث «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» وفي رواية أخرى (فَإِنَّهَا كنزٍ من تحت العرشِ).
الثاني: «فإن لم تكن تراه فإنه يراك»:-
وهي مرتبة "المراقبة" وتلك مرتبة أدنى لمن لم يستطع بعد تحقيق المشاهدة، وتعني مراقبة الله سبحانه وتعالي في جميع أقوالنا وأفعالنا، فلا نقول ولا نفعل إلا ما يرضى الله عز وجل، لأنه هو "الرقيب" - ورقابة الله ليست رقابة ترصد أو تضييق ولكنها رقابة عناية وحب ورحمة وحفظ - {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا} ،{أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ}.
والإحسان هو الشق الثالث في الدين بعد الإسلام والإيمان.
فالإسلام كما جاء في نفس الحديث هو (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) ، وهذا يخص طقوس وشعائر الدين، أو نقول مجازاً (جسد الدين).
أما الإيمان فهو (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) ، وهذا يتعلق بالعقل أو التصديق العقلي والمنطقي.
لذا فإن الإسلام والإيمان يشملان قواعد وأركان الدين ، والتي بدون الإحسان تصبح شكلا بلا روح أو معنى وجوهر ولن يكون لها أثر في حياة المسلم ولن يشعر بقيمتها ولا لذتها، فتكون مجرد حركات جسدية وقناعات عقلية جامده لا روح فيها، ومن هنا تأتي ضرورة الإحسان.
كيفية تحقيق مقام الإحسان؟
بالذكر والفكر
أولاً: المعرفة والعلم:-
والتي تبدأ بمعرفة الله سبحانه وتعالى، والمعرفه تكون من خلال:
1- الفكر والتأمل في مخلوقات الله وجميل وعظمه صنعه، والتفكر في نعم الله عليك.
2- القراءة والاستماع لمعاني أسماءه وصفاته الحسنى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) فإن من عرف الله أحبه واطمئن له وآمن به إيمانا قلبيا وشعورياً وأيقن بقدرته وقوته ووثق في حكمته وعلمه وتدبيره.
ثم العلم بأمراض القلوب وكيفية علاجها وإصلاحها.
ثانياً: ذكر الله كثيراً بحضور وتدبر:-
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وأفضل الذكر لآ إله إلا الله والاستغفار والصلاة على النبي والباقيات الصالحات وهن (سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، وذكر الله يُجلي القلب ويُشرح الصدر ويقوي الإيمان واليقين بالله ويُزيد الهمة ويصل بك إلى حب الله والإحساس بقربه، وهو أفضل الأعمال على الإطلاق، بشرط أن تكون حاضراً عند الذكر وعالماً بمعنى ومضمون ما تذكر به.