أمّة الملائكة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أمّة الملائكة

ماذا فعلت بنا الأنظمة الجمهورية

  نشر في 28 غشت 2017 .

يميل بعض الأخوة العرب ، إن كان في مصر أو العراق ، إلى التشنيع على الحركات الجمهورية التي أطاحت بالحكم الملكي ، و الذي وفّر حسب قولهم ، شيئاً كبيراً من الاستقرار الذي فتح الأسواق و أغرقها بمنتوجات من الصناعة الوطنية ، الأمر الذي رفع سعر العملة المحلية ، و يستشهدون بصور ملوكهم و هم يتقلدون الأوسمة و يتم استقبالهم في العالم الغربي المنهك حينها من نتائج الحرب العالمية الثانية المُدمّرة بكل المقاييس ، و يتابعون بأمل ، أن تلك الثورات لو أمهلت الملكيات تلك بعض الوقت لكانت مجتمعاتنا الآن أفضل ، متناسين و بشكل غير منطقي ، أن أجدادنا كانوا رقيق أرض عند إقطاع الأرض ، و أن تلك الفئة الحاكمة غريبة عن الأرض و الشعب ، و أنها أتت للحكم دون مشورة من الشعب و دون إرادة .

الشعب حينها كان ضيفاً في أرضه ، و أن لا سيادة لتلك الأنظمة و لا إرادة .

إذن ماذا فعلت بنا الأنظمة الجمهورية ؟

لا شيء ، لم تفعل تلك الحركات الثورية الجمهورية شيئاً إلا استبدال المستفيدين السابقين بمستفيدين لاحقين . أما حالنا الحضاري الرث ، فالأنظمة الجمهورية بريئة منه ، فحالنا هذا لم يكن وليد ثورة ما أو إنقلاب أو أي تحول سياسي ، فالمواطن المصري لم يكن يوماً يملك من أمره شيء على زمن الملكية ، و لم يكن كذلك على عصر محمد علي و لا حتى أيام السلطنة العثمانية ، نحن ، و أقصد بنحن الآن ، نتاج عصور من القهر المنظم الذي مارسه ضدنا ، كمجتمع ، كل من حكمنا و كل من ولي أمرنا و كل من ساعده من مشايخ ديننا و كل المتسلقين و المستفيدين و محترفي اللعب على التناقضات .

في اعتقادي أن نكبتنا بدأت عندما حورب المعتزلة كرواد عقل ، و أصدر المتوكل فرمانه بتحديد الشريعة المُعتَرف بها ، كتحدّ صارخ لأبسط قواعد الحرية و الدين ، و بدء الحرب على كل المخالفين بإسم الدين و بإسم الله ، و الله بريء من كل ذلك . هم لم يكونوا يدافعون عن الله و الله نفسه لم يطلب من أحد أن يدافع عنه ، هي ببساطة سليقة المستبد و التي ترشده دائما لطرق القهر و الاستعباد ، و لا استعباد أمضى من سيف القهر .

نحن مقهورون منذ عصور ، حين رسخ المُستبد فينا ثقافة الكراهية ، و بتنا أجيالا كارهة لبعضها ، لتاريخها و لأبطالها بل و حتى لمستقبلها التي لا تجرؤ حتى على التفكير به و تطالب بتوقف الزمن ، لأن المستقبل لا شك سيحمل مستبداً أمضى من الذي سبقه . هكذا و بكل بساطة سيطر علينا الكبت و بدأت البارانويا تعشعش في فكرنا و بتنا نخاف الخلاف و الاختلاف ، و حملنا السيف الوحيد الذي سمح لنا المستبد بحمله ، و بتنا نقتل كل جميل فينا بإسم الله ، و بدأنا بالموسيقى و انتهينا بحرية إعمال العقل ، و لن نتوقف عند حد حتى نرى أنفسنا خارج إطار الزمن ، كأمة أضاعت بوصلتها و باتت تعيش خارج التاريخ و الزمن .

نحن هنا لن نجافي الواقع و لا نريد خرق المنطق لعاطفة ما ، فنحن ندرك جداً أن لكل أمة كبوة و لكل حضارة مرحلة من الكمون، فهذا من طبيعة الأشياء، أما ما كان غير منطقي في حالتنا العربية ، فهو هذا الحنين الغريب للماضي و تقديسه ، بل و العمل على العودة له . لا يمكنك محاربة المنطق و لا القوانين الرياضية، لذلك علينا الاعتراف بأن الماضي ماض، ذهب و لن يعود، علينا اسقاط سيف الكراهية من أيادينا و النهوض لنتصالح مع بعضنا و مع ماضينا بكل حسناته و سيئاته و اغلاق هذا الكتاب و كفى.

لقد حَكَمَنا على مرّ التاريخ سفلة و فسقة و قتلة ، أولئك تمكنوا بالسيف و الحيلة و بغفلة من الزمن ، و كما كل مدّع ، تطلّب أن يخترع أولئك شرعية ما ، و سرعان ما هرع شيوخ السلطان لإيجادها ، فقدّسوا الحاكم ، و عندما أطيح بالحاكم بدأوا بتحصين انفسهم ، فقدّسوا رجال الدين ، و أخترعوا لذلك قصص ما أنزل الله بها من سلطان ، من هنا ، ابتلينا بداء التقديس ، و بتنا نقدّس التاريخ ، بل و حتى الجغرافيا ، فرجالات تاريخنا مقدسون و جغرافية أرضنا مقدسة ، انسابنا مقدسة و كتبنا مقدسة و تصرفاتنا مقدسة ، و فجأة ، أصبحنا خارج إطار البشرية ، و اقتنعنا أننا مجتمع من الملائكة لا يأتيه الباطل أبدا.

في ظل هذه الغيبوبة الزماكانية ، لن نجد لأنفسنا مكاناً على الخارطة الحضارية أبداً ، فهذه الخارطة هي لبني البشر ، علينا أن نعترف أولاً أننا من البشر و نخضع لقوانين الإنسانية ، حينها ، سندخل سباق السباق الحضاري ، و لن نبقى كما نحن الآن ، مجرد متفرجين مستهلكين .



   نشر في 28 غشت 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا