في "الذباب الأزرق" ضلت الفكرة وتفوق الديكور - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

في "الذباب الأزرق" ضلت الفكرة وتفوق الديكور

بقلم - أمل ممدوح

  نشر في 23 غشت 2015 .

تميز الشاعر والكاتب المصري الراحل نجيب سرور (1932- 1978 ) بروحه الثائرة وتمرده على مسلمات ما كان يجب في نظره أن تكون مسلمات ، واتسمت تعبيراته بالقوة وأحيانا القسوة من فرط التشبع بفكرة أجمل وربما من شدة حب ، مع كبرياء لا يرضى بالفتات ، أعماله وإن بدا بعضها عاطفي لكن مسارها يتجه نحو الوطن والقومية والتمرد من أجل واقع حلم ، كثيرا ما نجده رغم قدرته على عذوبة الكلمة يستخدم أسلوبا تعبيريا حادا وصورا كاملة الميل نحو وجهة يراها ، كان مشغولا بالهم الوطني فحتى حين كتب عن "ياسين وبهية " كانت مصر بهية ، ولم تغب إيزيس المصرية عن محوره الوطني كما كانت في بحثها عن الوطنيين في مسرحيته الشعرية " منين أجيب ناس " ، ولم يقتصر همه على الوطن المحلي بل شمل الوطن الأكبر العربي وجرحه الأكبر فلسطين وانشغل بالقضية الفلسطينية ، فكتب مسرحيته " الذباب الأرق " عام 1971 في قالب الكوميديا السوداء في أعقاب اعتداء القوات الأردنية وتصفيتهم للمقاومة الفلسطينية ، وقد أخرجها بنفسه لفرع منظمة التحرير الفلسطينية فى القاهرة فما كان إلا أنها - كحال كثير من أعمال نجيب سرور - تم وقف عرضها ، حيث اعترضت عليها المخابرات الأردنية لدى المخابرات المصرية التي كانت تتخذ أيضا موقفا معاديا لنجيب سرور بسبب أعماله وأفكاره وبالتالي لم تعرض إلا في مقر منظمة الفلسطينية .

وقد قدمت المسرحية فرقة مسرحية من المنيا تابعة لقصر ثقافة مغاغة على مسرح السامر ضمن فرق البيوت في المهرجان الختامي لفرق الأقاليم لهذا العام ، بعد أن قام مخرجها أحمد فتحي عبد الوارث بالعمل كدراماتورج لها عن مسرحية نجيب سرور، وسنتناول العرض من خلال فقط ما قدم لنا لا نص نجيب سرور ، وأظن من يعتمد فقط على ما قدم له أو أمامه في هذا العرض فلن يفهم إلا القليل ، فمع تقديري للتجربة والجهد المبذول وهو ما أستطيع الشعور به إلا أنه جهد مهدر في أغلبه حيث لم يوضع في غطاره الملائم والصحيح ، فباستثناء الديكور وابتكار فكرته التي سنتحدث عنها لاحقا فلم يحقق العرض لا متعة المشاهدة ولا متعة التفكير لعدم توافر ما يساعد على وصول الفكرة دون التباس ، فأول مشاكل العرض كان الصوت والإلقاء ، فالممثلين أغلبهم إما أصواتهم ضعيفة أو مخارج ألفاظهم غير واضحة أو غير محددة كما أن طريقة إلقاء الجمل لا تدل عليها أو تضيف لمعناها لفهم وتأثير أفضل استثناء الأصوات الغائبة كصوت الأرض والذي شابه أيضا عيوبا سنتعرض لها ، كما أن العرض قد قدم بشكل وأسلوب أقرب للمسرح التوعوي والأسلوب المدرسي مع فارق عدم الوضوح ، فلم يستطع المخرج تقديم مواقف متماسكة الدراما والشكل الأدائي فتحقق تأثيرا دراميا أراده ، ولم يستطع جعل كل شخصية تعبر عنها بالفعل فإن أفلتت من المشاهد كلمة عابرة تصف الشخصية فلا حركة ولا تجسيد يدعمها ليصل كنهها للمتفرج ، ولنتحدث بشكل أكثر تفصيلا ، فالعرض يبدأ من خلال لوحة بين أم وابنها تساعده صغيرا بحركات إيمائية بينهما حتى يشتد عوده ويبدأ الشاب يقدم حركات " مايم " غير واضحة تماما لكننا قد نستنتج أنها ممارسات للحياة حتى يأتي رجلان أحدهما جندي والآخر يرتدي جلبابا ، يفرقان بين الإبن وأمه ورغم المقاومة يحدث الانفصال ، وهو مشهد رمزي عن الأرض وأبنائها أو أصحابها وحرمانهم منها ، فهي الفكرة الرئيسية ، ثم يبدأ دخول شخصيات أربعة كل له دوره في الدخول وفقرة تقديمية أو هكذا المفترض ، وأغلب الشخصيات تدخل من بين الجمهور أو من خارج المسرح ، ويكون أولهم شاعرا سكيرا قد نستنتج أنه شاعر فقط من بضع كلمات مسجوعة في البداية ثم رسام في يده لوحة ثم يتجادل هو والشاعر عن جدوى الآخر ، فحتى المثقفين لا يتفقون وينضم إليهم البروفيسور وكلهم لا توحي تصرفاتهم بصفاتهم ثم ينضم رابع بعكاز له فهو كفيف وإن لم توح حركته بذلك ، يتحدثون جميعا عن دفن شخص ويتناقشون حول تسميته بالقتيل أو بالشهيد ، وينتزع هذا الأخير قطعا من الأرض بالحيلة والخداع ويبدو الأمر لمصلحة الأربعة الذين ينتظرون قتيلا يتصنعون بتسميته شهيدا وكأنهم يتربحون منه ( دون توضيح كاف ) ، لكن فدائيين ثلاثة يتقدمون ينتظرون جثة زميلهم ويعلمون أن الأرض لهم لكن الرجل الكفيف بدهاء يقنعهم أن الأرض له فيبدو الأمر استعطافا في البداية ليصبح واقعا مفروضا بعد ذلك ، نفهم ما في الأمر من إيحاء بالخديعة واستلاب الحق والمتاجرة بقضية الشهداء ، ومن آن لآخر تنطق أم من القبور تحاسب ابنها من الأربعة بصوت له صدى حال دون وضوح الكلمات أو أغلبها ، ولا أرى أن أسلوب الصدى وإن وظف دراميا مناسبا إلا للكلمات المعدودة كجملة صغيرة واحدة صغيرة أو كلمة واحدة وهو الأفضل كي لا يطغى صدى كل كلمة على نطق الجديدة فيضيع الجميع ، بهذا مع صراخ الأرض عند الدفن ، وكلها أساليب مباشرة أكثر من اللازم .

ولا أستطيع إن أردت الحديث عن التمثيل أن أرى تفوقا كبيرا لأحد فربما كان الأفضل الأداء الصوتي الذي قامت به أم هاشم علي محمد في أدوار انتصار والأم وصوت الأرض فالنطق صحيح واضح لولا تقنية الصدى ، أما الفدائيون الثلاثة فكان أداؤهم ملائما ، وكان الأفضل تمثيلا بقدر ليس كبير أحمد فتحي عبد الوارث في دور الشاعر السكير مع التحفظ على مشكلته في وضوح الكلمات والإلقاء ، أما أفضل ما في العرض فكان ديكور عبد الرحمن عطية ، فالمسرح كل الوقت باستثناء المشهد الأول كان أرضا للمقابر حيث امتلأت خشبة المسرح بشهواهد القبور البيضاء التي كانت تتحرك حسب المواقف الدرامية بواسطة أشخاص ومنهم أطفال يحركونها من الخلف دون أن نراهم إلا بانتهاء العرض فوقع على عاتقهم حمل شواهد القبور لادون أن يظهروا وذلك من خلال عوارض خشبية تصلها ببعضها في صفوف أفقية بحركة متناسقة ومتوافقة سواء مرتفعة لأعلى معلنة دراميا اهتزاز الأرض وألم باطنها أو برجة كبيرة كالزلزال والتقدم للأمام على مستوى جميع الصفوف محدثة رهبة ثورة تطال حتى باطن الأرض كما انتهى بذلك العرض . 



   نشر في 23 غشت 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا