المفتاح
خوف شديد ورهبة عارمة ، الأوصال ترتجف والحناجر تتلعثم بالكلمات ، والجميع حمل معه ما خف وزنه وسهل حمله وبعض الطعام يقيم أودهم لأيام ، تراكض بعض سكان القرية نحو الحافلة التي سترحل بهم إلى عمان ، تلك تجر أبناءها ودمعها ينهمر من محجريهما وزوجها يتبعها بعد أن أوصد باب المنزل و احتفظ بالمفتاح على أمل العودة ، وذلك يبكي بيته بحرقه وأبناؤه يعتصرهم الأمل متشبثين به، لكن الخوف من الموت القادم كان أشد وأقسى ، كانت الإشاعة تنتشر كالنار في الهشيم وأنها ستلتهم الجميع في حرب الأيام الستة.
*أمي ، هل أحتفظ بمفتاح بيتنا ؟
ردت عليها بحسرة :احتفظي به، عندما نشتاق لبيتنا سننظر إليه ونبكي الفراق .
انطلق بهم الباص وسار بهم مسافة والجميع واجم والقلوب ترتعش ، فالأمر عظيم فراق لمعلوم ولقاء لمجهول لا تعرف كنهه، لا تعرف إلى أين ستنتهي الطريق بك وبأسرتك .وفي غمرة الصمت والعقول شاردة فجأة التفت الحج محمد سائق الحافلة إلى الوجوه الواجمة وبكلمات أحيت فيهم الروح صاح بهم : حتى لو كان الموت مصيرنا ، ما رأيكم أن نعود وليكن ما يكون ؟
كانت تلك الكلمات كحبل النجاة لأرواح كانت تشارف الغرق ، صداها لقي ترحيبا من الجميع ، أعاد البسمة الحائرة إلى الوجوه، وفي لحظات كانت الحافلة تستدير نحو درب العودة إلى القرية ولكن الوجهة كانت مختلفة ، لم يعودوا إلى بيوتهم مباشرة فالحرب ما زالت مستعرة ، والخطر ما زال قائما ، فالتجأوا إلى المغارات القريبة من القرية يتابعون ما يجري ويستطلعون الأخبار ومضت أيام الحرب بنكستها ، وأدرك الجميع سقوط البلاد ومغادرة الجيوش ، ووجود أمر واقع جديد ووقوع البلاد تحت نير الإحتلال ، أطلت الرؤوس من مكامنها تستطلع القادم وتزحف بحذر نحو بيوتها .
*أمي ، ها هو المفتاح ، هيا نعود إلى بيتنا .
وعادوا جميعا إلى أحضان بيوتهم الدافئة رغم الواقع المر .