قبل التدخل العسكري الامريكي المباشر ؛ كانت للولايات المتحدة عدة نشاطات سياسية واقتصادية واعلامية معادية تستهدف سوريا والشعب السوري ؛ فقد زودت الولايات المتحدة : مقاتلي الجيش السوري الحر بمساعدات غير قتالية (بما في ذلك حصص غذائية وشاحنات صغيرة) ، ولكنها بدأت بسرعة في توفير التدريب والمال والاستخبارات لقادة المتمردين السوريين الذين تم اختيارهم خلال الحرب الأهلية السورية ، التي بدأت في عام 2011 ، و حاول برنامجان أميركيان مساعدة المتمردين والارهابيين السوريين ... , وكان أحدهم برنامجا عسكريا خطط لتدريب وتجهيز 15 ألف متمرد سوري لكنه ألغي في عام 2015 بعد أن أنفق عليه : 500 مليون دولار ولم ينتج سوى بضع عشرات من المقاتلين المرتزقة ... ؛ و نفذت وكالة المخابرات المركزية برنامجا سريا اخرا : قيمته 1 بليون دولار حقق نجاحا أكبر، ولكن دمره القصف الروسي وألغته إدارة ترامب في منتصف عام 2017... .

ومع كل هذا الرفض السوري والاستياء الشعبي والشجب الدولي للتواجد والتدخل الامريكي في الشأن السوري ؛ لم تراجع امريكا حساباتها ولم تلتزم بوعودها السابقة ؛ والتي قالت فيها : انها سوف تنسحب من الاراضي السورية ؛ بل انها عززت من تواجدها العسكري في الايام الاخيرة , و ضاعفت قواتها في سوريا منذ منتصف تموز ( عام 2023 الجاري ) , وقد نشرت صحيفة : "فزغلياد" تقريرا تناول التوتر الروسي الأميركي في سوريا، جاء فيه : أن الولايات المتحدة نقلت معدات عسكرية ولوجستية كانت موجودة داخل العراق إلى قواعدها في سوريا ... ؛ ونسب الموقع الروسي لمصادر بفصائل المعارضة السورية قولها : إن قوافل عسكرية أميركية قادمة من العراق عبرت منفذ الوليد الحدودي ودخلت محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، مشيرا إلى أن تلك القوافل ضمت مدرعات عسكرية وعددا كبيرا من الجنود الأميركيين ... ؛ وقيل : ان عدد الجنود المتواجدين الان في سوريا يتراوح من 2500 الى 4000 الاف جندي ؛ وقيل : ان الوجود الأمريكي ارتفع "من 50 جندياً، نهاية العام 2015، إلى 904 في مارس/ آذار 2017؛ وينتشر أغلبهم في المنطقة الممتدة من "المبروكة" شمال غربي الحسكة، إلى التايهة جنوب شرقي منبج" ؛ التي يُقدر عدد القوات التي تمّ نشرها بالقرب منها بنحو 400 جندي امريكي لأغراض منع تقدم قوات درع الفرات الحليفة لتركيا أو القوات الحليفة لقوات للحكومة السورية إلى المدينة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ... , كما نُقل عن بعض المصادر قولها : إن عدد الجنود الأميركيين في سوريا ارتفع من 500 جندي إلى 1500 منذ 15 شهر يوليو/تموز الماضي , وقيل : ان العدد اكبر بكثير , بل ذهب البعض الى ان امريكا قد استقدمت قوات عسكرية تفوق تلك التي شاركت في حرب اسقاط نظام صدام عام 2003 ؛ وتبقى كل تلك الاقوال مجرد تكهنات ؛ لان الامر محاط بالكتمان والسرية التامة .

ووفق (( فزغلياد )) فإن جزءا من تلك القوات يتولى مهمة تدريب المقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية، في حين يتولى جزء آخر حماية المطارات وحقول النفط والغاز في الحسكة ومحافظة دير الزور المجاورة... , ويشير مُعِد التقرير رافائيل فخروتدينوف إلى : أن تعزيز واشنطن وجودها العسكري في سوريا يأتي في إطار تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة... , كما يشير إلى أن الخبراء يرون أن حشد مزيد من القوات الأميركية في سوريا يأتي في إطار رغبة واشنطن في الضغط على موسكو ... .

وفي تأكيد على نهج الغطرسة والاستكبار قال منسق الاتصال الإستراتيجي بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي : إن الرئيس جو بايدن مصمم وبشدة على مواصلة القوات الأميركية مهمتها في سوريا ومن هنا كان قراره بالرد “بسرعة وجرأة” على استهداف المنشآت العسكرية في سوريا ،و جاء ذلك خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني ، تعليقا على مقتل متعاقد وإصابة 5 من أفراد الخدمة الأميركية، جراء هجوم بطائرة مسيّرة على منشأة في قاعدة للتحالف الدولي شمال شرقي سوريا.

واقر كيربي بخطورة الهجوم قائلا “كان هذا هجوما خطيرا من قبل من اسماهم بالمليشيا، لذلك جاد قرار بايدن بالرد السريع والجرئ على الهجوم... ؛ وأكد كيربي أن الجنود الأميركيين سيبقون على رأس مهامهم في سوريا، مشددا أن بايدن “مصمم بشدة على إبقاء الجنود في سوريا”.

ولفت كيربي إلى إمكانية تنفيذ ردود إضافية على الهجمات التي تستهدف الأفراد والمنشآت الأميركية في العراق وسوريا “إذا رأى الرئيس بايدن ذلك ضروريا”.

وكانت مصادر محلية سورية قد اكدت أن القاعدتين العسكريتين للجيش الأمريكي في حقلي عمر للنفط وكونيكو للغاز ومحيطهما تعرضا لهجمات صاروخية حيث تتمركز القوات الأميركية بمحافظة دير الزور شرقي سوريا. وكانت الإصابات دقيقة ومدمرة وكان لهب النيران يشاهد من مسافات بعيدة .

علما ان الدستور الأمريكي لا يسمح بإعلان الحرب الا بعد موافقة الكونغرس؛ لكن الإدارات الامريكية تتدخل وتنشر قواتها وتشن الحروب في البلدان الأخرى دون اعلان الحرب الذي يتطلب أخذ موافقة الكونغرس وتشريعه في إطارات متعددة مثل الهجمات الاستباقية لمواجهة التهديدات المحتملة على الامن القومي ... ؛ ومنذ بداية الحرب السورية ظل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يردد في أكثر من مناسبة أنه لا يعتزم ارسال جنود أمريكيين إلى سوريا ؛ لكن بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2015 نشرت الولايات المتحدة أول دفعة من جنود القوات الخاصة الامريكية بواقع : "خمسين جنديا من القوات الخاصة في سوريا في دور استشاري غير قتالي" ؛ كأول تواجد عسكري أمريكي على الأرض منذ بدء الحرب السورية وتشكيل التحالف الدولي في أغسطس/آب 2014 بعد أحداث سقوط الموصل... ؛ واستمرت الولايات المتحدة بتعزيز تواجدها العسكري على الأراضي السورية بشكل متواصل لقتال تنظيم الدولة إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية ليبلغ تعدادهم نحو 500 جندي في نهاية العام 2016 لمهام متعددة بعد استقدام : "200 جندي كقوات اضافية بينها مدربون من القوات الخاصة ومستشارون وفرق تفكيك المتفجرات ومقاتلون في القوات الخاصة" ؛ كما اسلفنا سابقا .

وقد جاءت زيادة عديد القوات الامريكية في سوريا تحديداً في إطار الجهود الامريكية للقضاء على تنظيم الدولة كما تتدعي الادارة الامريكية الكاذبة ؛ ووضعت الولايات المتحدة : "ما لا يقل عن 1000 جندي أمريكي في الكويت كقوة احتياط في الحرب على التنظيم" ؛ بعد تصاعد وتيرتها مع انطلاق المرحلة الأخيرة من معركة استعادة الرقة في 6 يونيو/حزيران 2017 ... ؛ على أن يتولى القادة الأمريكيون في سوريا مهمة نقل هؤلاء الجنود إلى ساحة المعركة وفقاً لتطوراتها العسكرية ... , ومع استلام دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض أوعز لوزارة البنتاغون في 27 ديسمبر/كانون الأول 2016 بإعداد "خطة هجومية بقدر أكبر لمحاربة تنظيم داعش في سوريا وتقديمها خلال شهر، وخطة أخرى حول مناطق آمنة، في غضون 3 أشهر" ؛ في توافق تام مع ما سبق أن أعلنه خلال حملته الانتخابية التي أكد خلالها على امتلاكه "خطة سرية" لمواجهة تنظيم الدولة ؛ وقدمت وزارة الدفاع خطتها للرئيس الأمريكي تضمنت "تدمير تنظيم الدولة على نطاق واسع ، وتكثيف محاربة تنظيم داعش ليس في سوريا والعراق فحسب، انما في العالم بأسره تشمل حزمة من الإجراءات العسكرية والدبلوماسية والمالية مع إعطاء القادة العسكريين صلاحيات أوسع لتسريع عملية اتخاذ القرارات" ... , ودخلت القوات الامريكية بشكل مباشر في ساحة الصراع عندما نشرت جنوداً في منطقة منبج إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على المدينة لردع أي تحركات للقوات الروسية أو قوات النظام أو القوات التركية والفصائل المتحالفة معها ... .

وتتخذ القوات الأمريكية مراكز لتواجدها بشكل دائم أو مؤقت في مناطق مختلفة من سوريا غالبيتها ضمن مناطق خاضعة لسيطرة القوات الكردية بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا؛ ولم تصرح الولايات المتحدة بمواقع تواجدها وانتشار جنودها إلاّ في حالات نادرة دون الإفصاح عن طبيعة مثل هذا التواجد ؛ لكن مواقع مقربة من المعارضة المسلحة تشير إلى تواجد دائم في مناطق يمكن تحديدها ؛ ومنها : مطار رميلان - قاعدة عين العرب (كوباني) - قاعدة المبروكة - مطار روباريا - تل بيدر – تل ابيض – الخ .

وتتواجد قوات أمريكية إلى جانب قوات من دول التحالف الدولي والمعارضة المسلحة في قاعدة التنف السورية على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني؛ وتفرض الولايات المتحدة إقامة منطقة "عدم اشتباك" لا تسمح بموجبها لأي قوات تابعة لتحالف قوات النظام بالاقتراب منها أو الدخول اليها ... ؛ كما تتواجد قوات أمريكية في معسكرات عدة في محافظة الرقة لدعم العمليات القتالية لقوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقاتل لاستعادة مدينة الرقة من تنظيم الدولة ؛ وتستخدم القوات الأمريكية مدفعية من مختلف الأنواع وراجمات الصواريخ ومعدات قتالية ثقيلة أخرى ومختلف أنواع المركبات المخصصة للأغراض الاستخباراتية ومركبات مدرعة لتسيير دوريات مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية... ؛ كما تتواجد قوات أمريكية على شكل مستشارين لأغراض التدريب على الأقل في ثلاث معسكرات تدريب في محافظة الحسكة لتدريب المقاتلين الأكراد وكذلك بالقرب من مدينة منبج شمال حلب التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية منذ أغسطس/آب 2016 .

.................................................................................

المصادر

1- الصحافة الروسية

2- الصحافة العربية

3- التواجد العسكري الأمريكي في سوريا غاياته وآفاقه المستقبلية/ رائد الحامد .