رسالة "منطقية" ودية من مثقف تونسي عَلماني إلى أخيه المثقف التونسي العَلمانوي. موزع البريد مواطن العالم د. محمد كشكار

المرجع:

كتاب "المسيحية، الإسلام و النقد العَلماني"، وليم الشريف، دار الطليعة، الطبعة الأولى، بيروت، 2000.

تعريف شخصي للمصطلحين المستعملين: المثقف العلماني و المثقف العلمانوي:

- المثقف العلماني هو الشخص الذي يعترف بحق الوجود و التواجد فكرا و ممارسة لجميع معتنقي الديانات السماوية و الأرضية بما فيهم الملحدين و يساوي بينهم في الحقوق و المواطنة و لا ينحاز و لا يتعصب لدين على حساب الآخر و لا يفرض إيديولوجيته على الآخرين بالقوة.

- المثقف العلمانوي هو الشخص الذي لا يعترف بتعدد الأديان أصلا و ينحاز و يتعصب و يفرض دين إديولوجيته على الآخرين بالقوة مثل ما فعل العلمانويون الستالينينيون في دولة ستالين (هدموا الكنائس و الجوامع و فرضوا الإلحاد دينا على الجميع). يعتقد العلمانوي العربي خطأ أن باستطاعته نزع صيغة التسيّس عن الإسلام بمجرد سَنِّ بند في الدستور ينصّ على فصل الدين عن الدولة تقليدا أعمى لللائكية الفرنسية و يبدو لي للأسف الشديد أن هذا ما ينادي به اليوم، خريجي الثقافة الفرنسية غير المطلعين على مثال العلمانية الإنجليزية و علمانيات بعض البلدان الأوروبية الأخرى، أي جل المثقفين اليساريين و دون فخر، أنا كنت في الماضي القريب واحد منهم.

أيها القارئ الكريم لو رغبت في أن تعرف أكثر، اقرأ كتاب:

La laïcité, Guy Haarscher, Editions puf, collection « que sais-je », Mayenne, 2010, 128 pages.

نص الكاتب:

- صفحة 16: يعتقد المثقف العلمانوي أن الدين هو مذهب بدائي قوامه الخرافة و الخضوع.

- صفحة 17: يمكن التكلم عن الدين كإيمان و شعور تقدمي و مفهوم منفتح، و مما يلهم المؤمنين على مقارعة كل أنواع الظلم، و ليس على الدين كأرثوذوكسية نظامية، و دوغمائية مغلقة، و طائفية تاريخية.

- صفحة 18: إن الحيز القصير الأجل للحياة يجعل الإنسان يأمل بولع أن لا تنتهي حياته بموت الجسد، فليس صحيحا أن معاناة الأبرياء سوف تقابل بلا ثواب، و أن انتصار الأشرار ليس له عقاب.

- صفحة 19: إن الرفض الاعتباطي للدين، حتى كموضوع أكاديمي ثقافي، يعني ضمنا أن الماديين العلمانويين هم أحسن حالا من جماعات المتدينين، أو أن الخطاب العلمانوي هو أكثر استحسانا و فائدة للإنسانية من الخطاب الديني.

- صفحة 20: مع ذلك، فكّر، على سبيل المثال، بالسياسة الاستعمارية للعلمانوية الفرنسية.

- صفحة 22: كل هذا يعني أن الصراع المصطنع بين الدين و الفلسفة و العلم، كما حدث في بعض أجزاء أوروبا، قبل و خلال و بعد "عصر التنوير" في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، لا يمكن تصوره كظاهرة عالمية كونية.

- صفحة 24: قد يجادل مسيحي مسالم قائلا: إن الله و الوصية الثانية أمرانا أن نحب جيراننا (إضافة م. ع. د. م. ك: حديث: لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ، و لذلك لا نستطيع أن نحب جيراننا فيما نحن ننتقد أفكارهم الدينية و أحوالهم الواقعية، إننا لا نستطيع أن نقول للناس: "نحن نحبكم، لكن بعض عقائدكم الدينية غير صحيحة و ضارة".

- صفحة 25: أضف إلى ذلك، أننا نحب و نحترم أصدقاءنا و زملاءنا رغم أنه في كثير من الأحيان لا نحتضن قناعاتهم الفكرية. ما يهم حق، ربما قبل أي شيء، هو سلوكنا الإنساني، لذلك يعتقد كثير من الناس المتنورين أن شاكّا رحيما أحسن من قسيس مشاكس، و أن دولة مسالمة "غير دينية" مرغوب فيها أكثر من دولة محاربة "دينية" (إضافة م. ع. د. م. ك: أبلغ و أسوء و أبشع و "أدعش" مثال على هذه الأخيرة، للأسف الشديد هو انبثاق من أركيولوجيا تراثنا، هو مثال دولة الخلافة الإسلاموية في العراق و الشام، "داعش").

إمضاء م. ع. د. م. ك.

قال الفيلسوف اليساري المغربي عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي إسلامي، شاء اليسار التونسي اللائكي - على المنوال الفرنسي - أم أبَى!

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 14 سبتمبر 2014.