نشر في 15 مارس 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
الحد الفاصل...
قال لي القمر يوما : أتدري ما الحد الفاصل بين الصواب و الخطأ يا أحمد؟ أتدري ما الحد الفاصل بين الحلال و الحرام ؟
أجبته و كلي ثقة : أي نعم أيها القمر.... فالحلال بيّن و الحرام بيّن كما ذكر الرسول (ص)
ابتسم القمر و قال : لكني سألتك عن الحد الفاصل بينهما... الصواب بيّن كما الحلال بيّن، و الخطأ بيّن كما الحرام بيّن. لكن الحد الفاصل بينهما هو مدخل الشيطان يا أحمد... يجعلك تقف في الوسط و تتمايل بين الحلال و الحرام فإما يسقطك إلى الحرام أو تغالبه إلى الحلال.
سألته باهتمام و قد انتابني الخوف : و ما هو الخط الفاصل بينهما أيها القمر؟ هل تراني واقفا عنده؟
"الخط الفاصل بين الصواب و الخطأ هو خط رقيق جدا يا أحمد، لا يستطيع أكثر الناس تمييزه بالعين المجردة...فلا هو ناصع البياض فترتاح له و تستقر عنده، و لا هو شديد السواد فتهرب منه و تحتاط منه.
الخط الفاصل بين الحق و الباطل و بين الصواب و الخطأ هو ما أخبرنا به الرسول (ص) و سماه بالمتشابهات "و بينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس"...نعم يا أحمد...''لا يعلمهن كثير من الناس''.
الواقف على هذا الخط يا أحمد...يظل معذبا....فهو يعلم أن أعماله غير صافية صفاء الماء العذب... يعلم أنه لا حق له فيما يفعله...كما أنه ليس بغافلا و لا متغافل فيسعد بذنبه.
الواقف على هذا الخط...متأرجح...متناقض ... يظل يصطدم بنفسه... سيتعذب طالما لم يقرر بعد أي اتجاه يذهب... يظل يتعذب و يعذب من حوله...فهو يبدو حينا إنسانا ذكيا طاهرا نقيا...و يبدو أحيانا إنسانا فاشلا و غافلا .
الواقف على الخط الفاصل يكره نفسه قبل أن يكرهه الناس من حوله...فهو يدرك سوءه و يعي ضعفه ...
هل سبق أن جربت الوقوف في المنتصف يا أحمد؟ حيث يبدو الاقبال على الحياة شهيا و ممتعا... لكن سرعان ما يخرج إليك مارد الفضيلة يؤنب عن اقترابك... الواقف عند المنتصف كلما اقترب احترق و كلما ابتعد اشتاق... الوقوف عند المنتصف مؤلم يا أحمد...إنه مؤلم.
التفت إليّ القمر و قد لاحظ نزول دمعة من عيني... ثم قال...
"لكن الجميل في الانسان الواقف عند المنتصف...أنه لا يزال إنسانا ذا ضمير حي...فيه من الخير ما يعيده للصواب في كل حين...نفسه اللوامة تحميه بفضل الله و رحمته... لن يطمئن طالما لم يقرر...يظل يتأرجح... يظل يبحث عن سلامه... فلا هو قادر على التخلي عن أشياء أحبها هي بمثابة امتحان له في هذه الدنيا و و لا هو قادر على الاستسلام و الانصياع كليا للدنيا.
الجميل أنه يظل يستغفر و يحاول في كل مرة أن يصلح نفسه.
الجميل أنه يوما ما سيعود...مهما طال تأرجحه بين الصواب و الخطإ سيعود لموطنه حيث سلامه الداخلي و حيث سينعم بالنفس المطمئنة... يكفي أن لا يتطبع و يألف الخطأ.
يا أحمد... أتدري ما المؤلم في نهاية هذه القصة؟ أنه عاجلا أم آجلا يجب على الانسان أن يقرر...و بعد القرار... سيبكي... سيتألم... سيؤلم آخرين حوله ارتبطوا به ارتباطا...سيتخلى عن أشخاص أحبوه كي ينجو بنفسه... هو لم يقصد أن يؤذيهم... لم يقصد أن يتخلى عنهم لكن... سيعذبه الضمير من جديد..
إنها ضريبة الخط الفاصل...لابد له من أن يختار يوما...
لن يفهم الأخرون لم غادر...و لم اختفى فجأة...و قد يكون في نهاية المطاف مجرد خائن في نظرهم...إنها ضريبة الخط الفاصل.
قمت لتوديع القمر...فقد تألمت لما وصفه...فكأنه كان يحكي قصتي...
"انتظر يا أحمد.... قبل ذهابك لا تنس فقط..." فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ.
"القلب القلب يا أحمد."
انتهي
التعليقات
استغفر الله العظيم استغفر الله العظيم
سبحان الله و بحمده
سبحان الله العظيم