لمَا كان الإنسان كائن رغبة ، فهو يرى العالم من جوانب عديدة و يسعى من خلاله تبليغ رؤيته و تخليد بصمته و تحقيق كيانه ، بإعتباره الكائن العاقل الوحيد. الفنَ يمثل تصوَر للعالم و محاكاة للطَبيعة و للمجتمع أيضاً الذي تتعدد قضاياه و مشاكله و تناقضاته ، فالفن يمكن أن يعبر عن فكرة قد تنعدم في المجتمع و يكون له صبغة نقديَة بحتة ، و لهذا كانت رؤية الفنَ ضرورة إنسانيَة كما أن الفنَ بإمكانه أن يحقَق ما عجزت عنه اللَغة في قوله فهو حسب المنظور الفرويدي نتاج لكبت و صدَ لرغبات الإنسان تحت ضغط من الهو و الأنا الأعلى الذي صار عبدا لثلاث أسياد قساة، بعمليَات الإعلاء ، و يكون هذا الإعلاء في الميدان الفنَي وهو عبارة عن فضاء يتجلَى فيه اللَيبدو أو الغرائز اللاَواعية.
الحاجة للفنَ ضروريَة و علاقته تبدو لازمة إذ أن الاحتياج إلى الفنَ للتَعبير عن الأفكار و التمثَلات هو للتعبير عن أفكار مثل فكرة العظمة من ذلك سور الصَين العظيم ، أو فكرة الخلود كأهرام المصريَة و الحضارة الفرعونيَة ، كتب هيجل : "مازالت الأهرام المصريَة تدهشنا " و هنا تظهر تعبيرات الفنَ حيث يمكنها أن تدهشنا أو تجلب انتباهها أو تبهرنا و أن تدل على حضارت و تاريخ شعوب و لقد ربط هيجل الفنَ بتمثَلات الروح بما هو تمثَل في الواقع و أن تعبر عن ما عجزت عنه الأساليب الأخرى كاللَغة مثلا، الفنَ هنا تعبير عن الحضارة بغاية التَعامل معها و المساعدة في كسب ثقافات أخرى و تجسيد الواقع باختراقه للسَياسة و الرأسماليَة من ذلك لوحات الرسَام رفائيل الذي رسم مظاهر الَتقريب بين الحضارات مختلفة منها الاغريقيَة ، الإسلاميَة و الرومانيَة .
إنَ الفنَ يؤكد إلزامية حضوره و اجباريَة تواجده ، و من هنا كانت حاجة الانسان إليه ، خاصَة و أنَ الفنَ يتجاوز حدود القمع و الاستبداد الذَي يختص به النَظام العالمي الجديد و يعبر عن الحقيقة بإعتباره ملجأ و معبرا عن نوازع الإنسان و هو الوسيلة النموذجيَة للتعبير عن الأفكار. لكن أضحى دققنا فالفنَ لإكتشفنا أن الفنَ صار عاملا من عوامل الَتناحر و الصَراع فلو مارسنا إبوكيا لوجدنا أنه يخفي وجها آخر ، و هذا ما تم تبيانه من خلال كارل ماركس الذي أرجع الفن إلى تشكل للوعي و الوعي هو نتاج للطبقية و الصراع الطبقي و رغبة طبقة في سيطرة على طبقة و سيطرة على الانتاجية و هذا ما أكَده جيل دولوز في كتابه منطق الإحساس وهو كتاب يتعلَق بفرانسيس بيكون و بيَن أن الرسَام يأخذ الأحداث من الواقع و الألوان من الطَبيعة ليضفي عليها نوعا من الجمال لكنها فالأصل قبح ، قبح الصراع و الصدام و رغبة سيطرة طبقة على طبقة أخرى ، و يصل هذا الصَراع إلى قيام الحروب ، أليس الفنَ عاملا من عوامل قيام الصَراع في الماضي ؟ و لأنَ الماضي هو إمتداد للحاضر فإنَ الفنَ مازال يؤكَد قيام الصَراع ، فصناعة الأفلام في هوليود جعلت الإنسان السَوفياتي يبدو مشوَها في الحرب الباردة ، ثمَ صار التركيز على الانسان العربي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر ، كما أن الفنَ تعبيرة من تعبيرات الألم ، لقد بين شكسبير في رواية "تاجر البندقيَة " ، التي قد تبدو رواية فحسب، لكن في جوهرها تحمل رغبة في السَلطة و و رغبة البرجوازية في سحق الإقطاعية كما أن رواية الأمَ لمكسيم غوركي تعبر في جوهرها عن رغبة البروليتاريا في سحق طبقة الكولاك.
إنَ الفنَ تعبير عن هذا العالم ، مثله مثل الَلغة ، فهو أداة تعبير و وصف ، لكن يمكن له أن يحمل وظيفة خفَية و باطنيَة ، يمكن أن نكتشفها من خلال التأويل و من خلال اخضاعه للتفكَك ، إذ اكتشفنا الفن كوسيلة تعبير و تواصل و طابعه الوظيفي المتمثل في إبراز الأفكار و التمثَلات ، لكنَنا اكتشفنا بعداً آخر هو بعد صناعي ، إستعماري أو حتى استشرافي يحدَد مستقبل العالم من خلال ما يخفيه الفنَ كلغة تتجاوز الكلام و يذهب إلى عنف معنوي غير مرئي ، ولكنه يمكن أن يؤثر أيضًا على شكل آخر من أشكال الحياة الاجتماعية و حتَى السَياسية.
المراجع :
سغموند فرويد
https://www.kutub-pdf.net/searching?q=freud
هيغل ، فنومينولوجيا الروح
https://www.kutub-pdf.net/book/7928-%D9%81%D9%86%D9%88%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD.html
كارل ماركس، الإيديولوجيا الألمانيَة
https://www.kutub-pdf.net/book/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9.html
Gilles Deleuze and Francis Bacon , The Logic of Sensation , CONTINUUM LONDON .NEW YORK
ماكسيم غوركي، الأمَ
https://www.kutub-pdf.net/book/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85-%D9%85%D9%83%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%83%D9%8A.html
William Shakespeare ,The marchant of Venice, etc.usf.edu
-
Souhail _Arfaouiكاتب تونسي و باحث في علم الإجتماع مهتمَ بالفلسفة و العلوم العلوم الإنسانيَة