الدخول الى الجنة او النار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الدخول الى الجنة او النار

من العجيب اننا لا نعرف طعم الشيء الا بعد تذوقه، وفي نفس الوقت تجدنا قادرين على تحديد من سيدخل الى الجنة، ومن سيعذب في النار، والاكثر غرابة من كل ذلك، اننا مؤمنون باننا على حق.

  نشر في 28 أكتوبر 2016 .


يحتدم النقاش بين المسلمين في موضوع الدخول الى الجنة او النار، وما يزيد النقاش عدوانية هو تحديد الأشخاص الذين سيدخلون الى الجنة والذين سيدخلون الى النار، وهذا النقاش أصبح لب الخلافات العقائدية على مستوى العوام من الناس، فقلما يفهم العوام الخلافات الفقهية او العقائدية الخاصة بالتوحيد وصفات الله وغيرها، ولكنهم يتناغمون مع حوار النهايات، والمكان الأخير بعد الموت والانتقال الى الحياة الاخرة.

في حقيقة الامر، وقبل الخوض في تحديد من سيدخل الى الجنة ومن سيخلد في النار، علينا ان نحدد ضوابط للنقاش ومن بعدها نعود الى صلب الموضوع، وهذه الضوابط هي جوهر الحديث، وفهمها ضروري جداً، ومهم ايضاً لوضع النقاط على الحروف، والضوابط هي:

1. ان الدخول الى الجنة والنار يتم بعد المحاكمة العادلة والتي يقضي بها الله عز وجل يوم القيامة، وذلك بناءً على اعمال الانسان في حياته الدنيا خيرها وشرها.

2. ترافق العدالة الربانية، الرحمة على العباد، وشفاعة من ارتضى، للتخفيف من الذنوب والحصول على فرصة للدخول الى الجنة.

3. بما ان الدخول الى الجنة او النار مرهون بأعمال الانسان في الحياة الدنيا، فالموضوع لا يحسم الا بأمر الله وحكمه، لأنه العالم بالغيب وبما تخفي الصدور، والعالم بالنوايا وما يخفيه العبد من الاعمال خيرها وشرها.

4. الجنة منعت عن الذين يكفرون بالله تعالى، والذين يموتون وهم على الظلم والطغيان، والمفسدون الذين يخالفون امر الله عن قصد.

من اجتمعت عليه صفات الكفر والظلم والطغيان والفساد، نحكم عليه بالمعطيات العامة انه في النار، ولكن مع علمنا ان الحاكم هو الله، فهل نستطيع ان نعترض عليه لو عفا عن أحدهم؟ ومن يمتلك منا الشجاعة للإجابة ويقول نعم انا اعترض على الله!

لا استغراب ولا تعجب، هناك من يعترض على امر الله، لأنه يظن ان المعايير التي وضعها الله ملزمة له بإدخال الناس الى الجنة او النار، ولا مجال لتغييرها، اذ انها ستصبح ليست من صفات الله، وهو تعالى لا يخلف الميعاد، ولا يبدل القول لديه.

كلام جميل، ولكن ما حاجتنا الى يوم القيامة ما دمنا قادرين على تحديد وجهتنا ان كانت الى الجنة او النار؟ وهل نحن اعلم بخفايا الأمور والاسرار وما يخفيه عنا الناس، لنستطيع الجزم بتسمية من سيدخل الى الجنة ومن سيدخل الى النار؟

هناك فارق واضح في تحديد هوية من سيدخل الجنة او النار، وبين تحديد صفات من سيدخل الجنة او النار، ولا يتم تحديد أسماء وهويات هؤلاء الا من قبل الله تعالى، على لسان انبيائه ورسله والاولياء الصالحين، ما عدا هؤلاء فان امرهم مرجو الى الله تعالى.

وسيطرح أحدهم تساؤل وهو: هل يعني ان التكفيري الذي يفجر نفسه في الأسواق وبين المسلمين، والذي يقتل الناس بدم بارد ويمثل بجثثهم لا يدخل الى النار؟ او انه من المحتمل ان يدخل الى الجنة؟

وسنطرح بالمقابل التساؤل: هل انت متيقن بان الذي فجر نفسه كان ارهابياً، عن عقيدة، او انه ضحية كالأخرين، دس له الدواء كالسم، وتحول من بشر الى الة، فاقد للعقل، مختطف من حياته، يسير الى اجله وهو لا يعلم ما يفعل ولم يفعل؟

لا يمكن الجزم، والا اخذنا دوراً ليس لنا، ووضعنا أنفسنا في درجة من العلم نحن بعيدون عنها جداً، ورحم الله من عرف قدر نفسه، فلا اعتراض على حكم الله، ولا نقاش فيه، وكلنا نرجو رحمته تعالى، وان كانت لنا مظلومية من أحد نعتقد بانه لا يستحق الجنة، فهناك المحكمة الالاهية، محكمة العدل والانصاف، حيث لا تضيع الحقوق ولا يرد صوت مشتك مظلوم.

ان الاستمرار في التمحور في كوني أنتمي الى دين وطائفة، تدخل الى الجنة، وغيري يدخل الى النار، سيقابله نفس الفكر لشخص اخر من غير طائفة او من غير دين ويقول نفس الكلام، بانه سيدخل الى الجنة، وغيره الى النار. وبعدها سنجد واقعاً ان لا أحد سيدخل الى الجنة، ولا أحد سيدخل الى النار، اذ ان كل ديانة وطائفة تجد نفسها ينطبق عليها صفات اهل الجنة التي حددها الله تعالى، وفي نفس الوقت فان مخالفيهم تنطبق عليهم صفات اهل النار، وبين هذا وذاك لا نجد من يتكلم بموضوعية، ويترك الامر الى الله تعالى.

نختلف مع غيرنا، ونعتقد بما ينسجم وافكارنا، وما يطرح علينا من ادلة، ونختار ان نسير على نهج معين، ونظن ان هذا النهج سيقربنا الى رضا الله تعالى، ويجنبنا سخطه، وبالنتيجة فنحن نرجو رحمة الله ودخول جنته، الفيصل الوحيد بيننا وبين ضمان عدم دخول النار، هو ان لا نموت ونحن كافرين بالله ومعاندين له عن علم وقصد وتكبر، وغير ذلك هو بيده تعالى.

وختاماً انقل بعض ما جاء في دعاء للإمام علي ع وهو دعاء كميل اذ يقول فيه: ((... أَفَتُرَاكَ سُبْحَانَكَ يَا إِلهِي وَبِحَمْدِكَ، تَسْمَعُ فِيهَا صَوْتَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ سُجِنَ فِيهَا بِمُخَالَفَتِهِ، وَذَاقَ طَعْمَ عَذَابِهَا بِمَعْصِيَتِهِ وَحُبِسَ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا بِجُرْمِهِ وَجَرِيرَتِهِ، وَهُوَ يَضِجُّ إِلَيْكَ ضَجِيجَ مُؤَمِّلٍ لِرَحْمَتِكَ، وَيُنَادِيكَ بِلِسَانِ أَهْلِ تَوْحِيدِكَ، وَيَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ، يَا مَوْلاَيَ فَكَيْفَ يَبْقَىٰ فِي الْعَذَابِ وَهُوَ يَرْجُو مَا سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ، أَمْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ النَّارُ وَهُوَ يَأْمُلُ فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ، أَمْ كَيْفَ يُحْرِقُهُ لَهِيبُهَا وَأَنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرَىٰ مَكَانَهُ، أَمْ كَيْفَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ زَفِيرُهَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ، أَمْ كَيْفَ يَتَقَلْقَلُ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ صِدْقَهُ، أَمْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ زَبانِيَتُهَا وَهُوَ يُنَادِيكَ يَا رَبَّاهُ، أَمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ فِي عِتْقِهِ مِنْهَا فَتَتْرُكَهُ فِيهَا، هَيْهَاتَ مَا ذَلِكَ الظَّنُ بِكَ، وَلاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا مُشْبِهٌ لِمَا عَامَلْتَ بِهِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ بِرِّكَ وَإِحْسَانِكَ...)) وبعدها يقول: ((فَبِالْيَقِينِ أَقْطَعُ، لَوْلا مَا حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذِيبِ جَاحِدِيكَ، وَقَضَيْتَ بِهِ مِنْ إِخْلاَدِ مُعَانِدِيكَ، لَجَعَلْتَ النَّارَ كُلَّهَا بَرْداً وَسَلاَماً، وَمَا كَانَتْ لأَحَدٍ فِيهَا مَقَرّاً وَلاَ مُقَاماً، لَكِنَّكَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ، أَقْسَمْتَ أَنْ تَمْلأَهَا مِنَ الْكَافِرِينَ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَأَنْ تُخَلِّدَ فِيهَا الْمُعَانِدِينَ، وَأَنْتَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ قُلْتَ مُبْتَدِئاً، وَتَطَوَّلْتَ بِالإِنْعَامِ مُتَكَرِّماً، أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً، لا يَسْتَوُونَ.))

والحمد لله رب العالمين


  • 1

   نشر في 28 أكتوبر 2016 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
اكثر ما يلفت النظر في مقالك هو انه مكتوب بحيادية تامة ،ولي تعقيب عليه بحيادية تامة ايضا،من الجميل ان يكون الانسان على قناعة تامة بان الله وحده هو من يغفر و يعاقب ،وهو وحده من يثيب ويحاسب ،ولكن من الجميل ايضا ان نحكم عقلنا وقلبنا بكل ما نتبعه وهو ما ادخل ملحدين و ذوو ديانات مختلفة الاسلام فكيف تفرق المسلمون على مذاهب مختلفة ؟،سررت جدا بقراءتي لمقالك ،دام قلمك سيدي.
0
نجم الجزائري
سررت بمروركم الجميل، اما عن تعقيبكم المتميز، فتفرق الاسلام الى مذاهب كان نتيجة لاختلاف المنظور وفهم الدليل، هذا هو الجانب الطبيعي و الايجابي، اما المؤثر الثاني السلبي الذي دفع الاسلام الى التشتت هو بسبب الحكام، والذين حولوا مسارات الايات والاحاديث لتصب الى مصالحهم، وهو ما حاصل الى يومنا هذا، حفظكم الله ورعاكم.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا