إمبراطورية الفوضى الأمريكية: حوار مع توم انجلهارت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إمبراطورية الفوضى الأمريكية: حوار مع توم انجلهارت

  نشر في 09 غشت 2018 .

إمبراطورية الفوضى الأمريكية: حوار مع توم انجلهارت
أجرى الحوار مارك كارلين
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

مارك: كم من المال أنفقت الولايات المتحدة على الحرب على الإرهاب وما هو تأثير ذلك الإنفاق؟

توم: أفضل الأرقام التي رأيتها نشرها مشروع كلف الحرب في معهد واتسون في جامعة براون وتقدر ب 5.6 تريليون دولار بما في ذلك بعض الكلف المستقبلية للعناية بالمحاربين القدماء العائدين من الحروب

وضخم الرئيس ترامب الرقم ، بحسه الإعتيادي الدقيق، وتحدث عن 7 تريليون دولار ضاعت في حروبنا اللامنتهية في الشرق الأوسط العظيم. وربما يصبح يوماً على صواب في تقديراته

يشمل تأثير مثل ذلك الإنفاق في المناطق التي لا تزال تجري فيها تلك الحروب بلا هوادة, منذ إطلاقها بفعل مجموعة جهادية صغيرة بعد 11 أيلول عام 2001، مايلي:

نشر معدات الإرهاب عبر الشرق الأوسط وأجزاء من آسيا وأفريقيا وإيجاد- في منطقة أوتوقراطية هادئة نسبياً في الماضي،مجال واسع النطاق من الدول الفاشلة أو مدن رئيسية أحيلت إلى ركام(دون أي مال في الأفق لإعادة الإعمار الجدي) ومهجرين داخل أوطانهم وموجات اللجوء بمستويات ترقى للحظة انتهاء الحرب العالمية الثانية عندما كانت أجزاء واسعة من العالم قد تحولت إلى خراب وما تلك سوى إلا بداية لقائمة من التكلفة الحقيقية لحروبنا

أما في الداخل فقد كان التأثير مماثلاً وإن بشكل أهدأ. تخيل على سبيل المثال ما هو شكل عالمنا الأمريكي فيما لو أنفق جزء من الأموال التي ذهبت سدى في صراعات عقيمة معدومة الأسم ودائمة التوسع على البنى التحتية الأمريكية المتهاوية بدلاً من نشوء دولة الأمن القومي كذراع رابع للحكم. ( قدر خبير البنتاجون ويليام هارتنج أن ما يعادل 1 تريليون دولار تنفق على الدولة الأمنية وأن الرقم مرشح للارتفاع في عهد ترامب)

يعزى جزء من مصاعب تقييم “الأثر” هنا في الولايات المتحدة ، في عصر التحشيد الشعبي بمعايير حروبنا، لتشجيع الناس على تجاهلها وإيلاء الاهتمام بها. لذا يصعب تحديد وصولها إلينا –باستثناء التطورات الجلية للغاية مثل تجييش الشرطة وتسيير طائرات الدرون للمراقبة في أجوائنا وغيرها-

ولا يفهم كثير من القراء عندما أكتب أن دونالد ترامب لم يكن ليكون رئيساً لولا هذه الحروب المدمرة وهذه التريليونات المبذرة عليها وعلى الجيوش التي تحارب فيها وذلك بالتأكيد تأثير لا يستهان به

مارك: ما الذي يجعل خيلاء أمريكا بالإمبراطورية مختلفاً عن الإمبراطوريات السابقة؟

توم: بداية يجب القول أننا كأمريكيين لا نرى أنفسنا إمبراطورية. ولكن منذ تلاشي الإتحاد السوفييتي عام 1991 تبجح الساسة والنقاد في بلادنا بتسميتها القوة الأعظم” الوحيدة”و “الأخيرة” والدولة “الأكثر إستثنائية وتماسكاً” في العالم ولكن إمبراطورية؟

كلا. ربما تضطر للذهاب إلى مواقع أخرى لتجد من يتحدث عنا بتلك التعابير

إذاً أعتقد أن هناك أمران حولا أمريكا إلى شيء مختلف من الناحية الإمبراطورية. الأول إحساسنا ما بعد عام 1991 بالفوز المطلق في سجال إمبراطوري فياح. نوع من سباق التسلح الذي بدأ منذ أن ظهرت السفن الأوروبية المجهزة بالمدافع في العالم ربما في القرن الخامس عشر وبدأت بغزو معظم أرجائه. وفي أعقاب نشوة النصر السوفييتي لما بدا بالنسبة لكبار النوابح في واشنطن الفوز المطلق والانتصار الأزلي برزت الحاجة للشعور بأنه لم يكن ولن يكن هناك قوة مثلنا. وهذا الشعور المتعاظم بالذات الإمبراطورية هو الذي دفع بحالمي الجيوسياسة في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لإيجاد سلام أمريكا أولا في الشرق الأوسط الكبير ومن ثم في العالم بطريقة لم يكن بالإمكان تخيلها في السابق تجعل، وفق منظورهم، لحظات الإمبراطورية الرومانية والبريطانية تقف على استحياء. ونحن نعلم كيف إنتهى كل ذلك مع غزو العراق

ومنذ أن أطلقوا تلك المغامرة الإمبراطورية المطلقة في سحابة من العجرفة والكبرياء لا أرى فارقاً مهماً مع الإمبراطوريات السابقة سوى أن قوة عظمى في أوج قوتها ولكنها عاجزة عن استخدام سطوتها السياسية والعسكرية المهولة لتحقيق أهدافها. وبدلاً من ذلك وجدت نفسها مغلوبة أمام قوى معادية مخيبة للآمال وعاجزة عن تحقيق أي نتيجة سوى التدمير والتجزئة عبر قطاعات متسعة من العالم

وأخيرا هناك التغير المناخي. –تلك هي المرة الأولى في تاريخ الإمبراطوريات التي يكون فيها مصير الكوكب على المحك. لقد تغيرت اللعبة وإن لم تلحظها الأغلبية.

مارك: لماذا تسمي الولايات المتحدة “ إمبراطورية الفوضى”؟

توم: الجواب على ذلك فيما سبق. أصبحت الولايات المتحدة الآن قوة فوضى عبر أجزاء مهمة من العالم. أنظر على سبيل المثال إلى مدن- من مراوي في الفيليبين إلى الموصل والرمادي في العراق والرقة وحلب في سوريا وسرت في ليبيا وغيرها- تحولت إلى ركام بفعل القصف الأمريكي(بمعونة صناع القنابل من الدولة الإسلامية

من الناحية التاريخية وفي العصور الإمبريالية التي سبقت تتمكن مثل تلك القوة من إيجاد طريقة، وإن عنيفة ومدمرة، لفرض نوعاً من النظام على الأراضي المستعمرة والمفتوحة. ويبدو أننا لم نعد نعيش في عالم لا يتقبل سوى الإحتلال والغزو العسكري المسبق بغض النظر عن الحجة التي يحدث بسببها ( بما في ذلك نشر الديموقراطية). لذا إحذر من تفلت القوة العسكرية الحديثة. لقد تبين أنها تضم في ثناياها قوى تدميرية ملفتة على كوكب لا يقوى على تحمل مثل تلك الفوضى

مارك: تشير إلى واشنطن”بعاصمة الحرب الأبدية” مع ترقي الجنرالات في عهد ترامب. ماذا يمثل ذلك في بصمة الحرب الأمريكية؟

توم: حسنا. الأمر واضح إلى حد ما. أصبحت واشنطن الآن عاصمة للحرب لأن إدارة الرئيس بوش لم تشن رداً محلياً على مجموعة جهادية صغيرة نسبياً في أعقاب هجمات 11 أيلول ولكنها أطلقت ما سماه أكابر مسؤوليها “الحرب العالمية على الإرهاب” وولدت أسوأ مصطلح في التاريخ. وشرعوا في التأكيد على أنها ستطبق على 60 دولة على الأقل يفترض أنها تأوي مجموعات إرهابية

كان ذلك في عام 2001 ،مع إسقاط الأسم والمصطلح، ولكن الحرب التي أطلقوها لم تنتهي قط. أنجزت وكالات البلاد الاستخبارية ال17 منذ تلك السنين وشركات الحروب في المجمع العسكري-الصناعي نوعا من السطوة والنفوذ لم يرى في عاصمة البلاد من ذي قبل. وكان ارتقائهم شأناً يخص الحزبين في مدينة كانت محط تنازع سياسات يسعى كل حزب لنقض أعمال منافسه الساعية لتشجيع تمويل دولة الأمن القومي. في لحظة كان إنفاق المال على أي شيء آخر يوفر الأمان للأمريكيين (فكر بالرعاية الصحية) محط نزاع ميؤوس ولكن تمويل البنتاجون وبقية دولة الأمن القومي يستمر بالتنامي وهذا ما يجعلها “عاصمة أبدية للحرب”

كما أن دونالد ترامب وجنرالات حروب أمريكا الخاسرة حصلوا على أفضلية في واشنطن لم تعرف مسبقاً في عاصمة مدنية. كان وزير الدفاع ورئيس أركان البيت الأبيض(وإلى وقت قريب عندما خلفه مدني أكثر عسكرة) ومستشار الأمن القومي كلهم جنرالات تلك الحروب- وهي مناصب كانت في السابق، باستثناءات نادرة، مناصب مدنية. وبهذا المنظور كان دونالد ترامب يصنع التاريخ برجال يحب تسميتهم”جنرالاتي” بدلاً من توجيهه

مارك: ما هو دور القصف في آلة صنع الحرب الأمريكية؟

توم: يجب أن نتذكر وكما كتبت في السابق أن الحرب على الإرهاب منذ بداياتها (وبرغم الإحتلال والغزو الكامل باستخدام مئات آلاف القوات الأمريكية)كانت حرباً جوية. لقد بدأت كذلك

في يوم 11 أيلول عام 2001 أرسلت القاعدة سلاحها الجوي(أربع طائرات مختطفة) وذخائرها الموجهة بدقة(19 انتحاري) ضد مجموعة من الأبنية الإيقونية في الولايات المتحدة

تمثل هذه الهجمات — التي فشل إحداها بعد عراك المسافرين على طائرة مع الخاطفين وسقوطها في حقل في بنسلفانيا- أنجح إستخدام للقصف الإستراتيجي( أي استخدام القوة الجوية الموجهة نحو السكان المدنيين في بلد معادي)في التاريخ.

أطلق أسامة بن لادن حرباً جوية استنزافية لم تنتهي بعد وبتكلفة تتراوح بين 400000 و 500000 دولار

ومنذ ذلك الوقت والولايات المتحدة تقصف وتطلق الصواريخ وتغتال بطائرات الدرون. وفي العام الماضي أسقطت طائرات الولايات المتحدة ما يقدر ب 20000 قنبلة على مدينة الرقة السورية ،العاصمة السابقة للدولة الإسلامية ، ودمرت معظم ما فيها. ومنذ أن بدأت أوائل الطائرات الأمريكية بإسقاط القنابل( والذخائر العنقودية) على أفغانستان في تشرين الأول عام 2001 لم تفارق الولايات المتحدة السماء- وأقصد السماء فوق بلاد ومجموعات لا تملك أية دفاعات أمام الهجمات الجوية. وكانت كارثة تدميرية متدحرجة خلفت ما يكافئ برج التجارة العالمي برجا بعد برج من الضحايا المدنيين العزل في تلك البلاد

وبتعبير آخر ،وإن لم يجرؤ أحد في واشنطن على قول ذلك، فعلت الولايات المتحدة بالضبط ما أراده أسامة بن لادن. شن حرب ليس على الإرهاب كنوع من الحرب على الإرهاب ولكنها حرب شجعت الظروف التي يزدهر فيها مثل ذلك الإرهاب على أكمل حال.

مارك: ما الدور الذي يقدمه انتهاء التجنيد الإلزامي في تمكين إمبراطورية الحرب الأمريكية المنفلتة من عقالها؟

توم: تلك هي النقطة الحاسمة في العملية برمتها. كان قرار الرئيس ريتشارد نيكسون في كانون الثاني عام 1973 استجابة لحركة شعبية عارمة اجتاحت البلاد ضد حرب فيتنام . انتهى التجنيد الإلزامي وبدأت العسكرة التطوعية وكان الشعب الأمريكي في عزلة عن الحروب التي تشن باسمه. لقد أصبح بلا قوة. شككت قيادة الجيش الأمريكي في البداية بتلك الحركة ولكنها كانت ناجحة إلى حد كبير في تحريرها لشن حروب بلا نهاية في القرن الواحد والعشرين والتي يسميها البعض الآن في البنتاجون (وفق صحيفة الواشنطن بوست) ليس “حروبا دائمة” بل ، وحتى بتعبير الجنرال دافيد بتراوس “صراع الجيل” ، “حرباً بلا نهاية”.

عشت عبر فترتين من تجنيد الحرب العامة خلال حياتي:

حقبة الحرب العالمية الثانية التي ولدت فيها والتي استنفر فيها الشعب الأمريكي لدعم الحرب العالمية ضد الفاشية بكل طريقة متخيلة وحرب فيتنام التي استنكر فيها الأمريكان من أمثالي كشاب فتي الحرب الأمريكية. ولكن من كان يتخيل في تلك السنون أن الأمريكان سيحاربون حروبهم(الفاشلة) إلى الأزل دون أن يعير المواطنين أدنى إهتمام بذلك؟ولذلك سميت الجنرالات المهزومين في حربنا اللامنتهية على الإرهاب ( وإلى حد ما علينا جميعاً) “أبناء نيكسون”

************************************

توم انجلهارت هو المؤسس المشارك في مشروع الإمبراطورية الأمريكية. مؤلف كتاب “جمهورية الخوف الأمريكية” وكتاب “تاريخ الحرب الباردة” نهاية ثقافة النصر.

صدر كتابه السادس حديثاً بعنوان” أمة لم تصنعها الحرب”.

المصدر:

TomDispatch.com

May 27, 2018

Tomgram: Making Sense of America's Empire of Chaos



   نشر في 09 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا