كانون الأول 2020
بهذا الوقت المتأخر من الليل يسحبني القلم نحوكِ بقوة و كأنكِ إتفقتِ مسبقا مع الليل و القلم و ساعة المنتصف على دفعي نحو هاوية ورقة بيضاء لم تتوانى على إغرائي.
لا أدري لماذا أتيتِ بي إلى هنا؟
و ماذا تنتظرين مني أن أقول لكِ؟
و أنا العاجز عن الكلام، عن الصمت عن العودة أو التقدم في غيابكِ.
أرتشف قليلا من القهوة التي فقدت حرارتها،
في الحقيقة لم أتعود شُرب القهوة باردة على هذا النحو، و لكن غيابك جعل مني شخصا آخر مختلفا تماما.
شخص لا يغرق بالتفاصيل، يمر على الأشياء و الأشخاص بسطحية دون أن يحاول التوغل في شيء، أو إقحام نفسه بيوم أحد.
شخص لا يهمه شيء، مذاق القهوة أو رائحتها، لا يعنيه حضورها من غيابها.
لقد إستطعت خلال أشهر من فراقنا أن أتجاوز أشياء عدة، إلا فكرة أني فقدتك، أو ربما سأفقدك.
بطريقة ما كنت موقنا أنك ستعودين، و كأني وقعت ذات يوم عقدا معكِ أو مع القدر.
بكل مساء أقف أمام رسائلنا المتبادلة أحاول إقناع نفسي بعودتك الحتمية.
أحمل القلم، كما لم أحمله من قبل، لا أذكر أني تخيلت أني سأكتبك و أنت غائبة و بعيدة و غريبة عني.
غابرييل...
بعيدا عن فارق الوقت بيننا و عن طول المسافات التي تفصلنا.
أقول لك:
وعاء فارغ أنا بدونك
جسد بلا روح يا عزيزتي.
غيابك قاتل، مرهق، مثل ليل طويل لا يريد ان ينتهي.
كيف حالكِ بهته الساعة المتأخرة من الليل؟
و هل غيابي يفعل بكِ ما يفعل غيابُكِ بي؟
أين أنتِ؟
بالمنزل؟ أو المستشفى؟
ترهقين نفسك بالعمل لساعات إضافية للهروب مني، و من خيالاتي التي تلاحقك.
هذا ما قلتهِ ذات مساء في حديث سريع دار بيننا.
أذكر بتلك الليلة حين قلتِ أنكِ تستغلين العمل لممارسة لعبتك مع النسيان، فهل أفلح الأمر معكِ هته المرة و هل إستطاعت أروقة المستشفى و غُرفه أن تبعدك عني ؟
أن تَطردني من عقلكِ و افكاركِ؟
هل استطاع عملك و انشغالك بتفقد المرضى و الحديث إليهم و ردك الدائم على كل المكالمات بالمستشفى إغفالك عن مكالمتي المتأخرة هته الليلة ؟
لا أدري.
و لكن أصغر التفاصيل التي جمعتنا تفعل معي الآن، أنا رماد كل ما احترق بقصتنا، بارد خامد منسي و ضائع في لجج ذكراك.
تفصلنا آلاف الكيلومترات، بحار و قارات و محيطات مظلمة شاسعة تُبعدنا وتغرق كل أمل في لقائنا .
أتعبني التفكير بكِ، آلمني بُعدك و ترددك المستمر بمساحات رأسي .
إلى متى سنتوقف عن مبارزة بعضنا البعض و الدفع بقضيتنا نحو الهاوية ؟
إلى متى ستتوقفين عن ممارسة خُدعك معي ؟
إلى متى ستتوقفين عن تقييدي بأصفادك الحديدية و دفعي عند طاولات تحقيقك المسائية.
من هذه الفتاة؟ ماذا تعلق على منشورك؟ لماذا؟ و كيف! و علامات إستفهام لا تنتهي..
لقد سئمت من تشكيكك الدائم وتحرياتك السرية.
إلى متى ستتوقفين عن الركض بين صفحاتي الإفتراضية ؟
إلى متى ستتخلصين من غيرتك المبالغ فيها و تكفين عن إصدار أحكامك المسبقة علَي.
مثلما لم أفعل مع إحداهن من قبل، فتحت أمامك أبوابي السرية و أشرعت نوافذي في وجه ضوءك الساطع الجامح و تركتك تتوغلين بداخلي بحرية دون أن أشك فيك يوما أو في تصرفاتك.
صدقيني، لم أكن أحب التحقيق في كل صغيرة معك، ليس لأني لا أغار عليك من الآخرين.
بل لأني كنت أثق بك فوق ما تتصورين، و أحبك أكثر مما تظنين.
أنا الذي سلمتك قلبي بالأمس وقدمت لك كل المفاتيح، فأي الأبواب تلك التي لم تفتحي بعدُ بداخلي؟
على صوت المطر العابث بهدوء الليل أحاول بدوري أن أعبث بإحداثيات ساعة الحائط و بوصلة الشوق التي كانت تقودني إبرتها كل مرة نحوك.
نتقاسم الإتجاهات، آخذ أنا الشمال و أضع قلبا لك بإتجاه الغرب و أحلم بلقاء يَلُم شملنا.
يومض هاتفي برسالة، أتفحص فحوى تلك الرسالة المتأخرة لبرهة.
كنت سأقنع نفسي و أربط كل الأحداث و الصدف و أقول هذه أنت .
تفكرين بي اللحظة مثلما أفكر و أغرق بكِ.
يا للسخرية، لم تكن منكِ .
مجرد رسالة غير مهمة من شركة الاتصالات تُقدم لي عرضا جديدا لشحن هاتفي .
ليته كان عرضا منك، كنتُ سأدفع كل ما أملك لأحصل على إشتراك أبدي بقلبك.
أحس أن رصيدي بقلبك إنتهى، و كل ما أُحَدِث به نفسي يبقى مجرد إحتمال ضمن آلاف الإحتمالات المستحيلة.
و لكني لسبب مبهم أواصل الركض خلفك و خلف كل ما يقود إليك، أواصل جلدي بك كل ليلة.
غابرييل عزيزتي .
قولي شيئا أرجوك قولي شيئا..
لا تتركيني لبرد الوحدة و الإنتظار اللعين الذي يسحقني تحت أقدامه الحافية كل يوم.
قولي شيئا...
أرمي بالقلم فوق الطاولة و أغادر كرسي الإعتراف السخيف ذاك و أقترب ببطء نحو النافذة.
أشغل مقطعا عشوائيا لأحدهم..
يقول في منتصف قصيدته ...
تغربت عن وطني و طالت غيبتي ..
و يا أسفي على الدنيا أموت وأتركها غريب
أتوقف عند هذا المقطع، و أنا منغمس بالتحديق إلى أبعاد الشارع المبلل و أعمدة الإنارة التي كانت تُجْهد نفسها لإضاءة الطريق.
تماما مثلما احاول إضاءة عتمة الطريق بيننا.
حتى بهاته التفاصيل البسيطة تلاحقينني ..
أنا الغريب بأرضك، الميت بمقابرك..
الأسف كل الأسف أنْ أمُوت كل يوم أمامكِ و على أرضكِ دون أن تُنقذِيني برسالة أو سؤال منك.
آرثر
بقلم: موساوي عبد الغني
-
Abdelghani moussaouiأنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي