"يا ليتكم متم قبل هذا وكنتم نسياً منسياً" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"يا ليتكم متم قبل هذا وكنتم نسياً منسياً"

  نشر في 29 غشت 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

اسمحوا لي أن أبدأ رحلتي معكم من هناك، من مكان بعيد وزمن أبعد... من عصر الرجال... عصر الكفر الحلال!! فلا أملك وسيلةً أفضل لكي أعبدّ الطريق أمام أحرفي الحزينة التي تشعر بالخجل والشلل الدماغي لكونها لن تنقذ طفلاً تشرد ولن تكون طوق نجاةٍ للاجئٍ يغرق ولا كسرة خبز لسوري جائع يقبع في خيمته المنصوبة على أرض صحراء العرب أعزهم الله!! لكنها تبقى كالشر الذي لا بد منه...

من هناك سأبدأ... من منا لا يذكر قصة ذاك الملك الذي "لا يظلم عنده أحد" كما وصفه رسول الله (ص)؟ قصة النجاشي الذي استقبل عندها ما يقارب 80 رجلاً من المسلمين مع أطفالهم ونسائهم وكان حامياً لهم من بطش قريش، في وقت كان يملك فيه القدرة على رفضهم أو قتلهم أو حتى تسليمهم لقريش وهم على غير دينه... لكنه لم يفعل وهو "الكافر" وهم المسلمون! وهذا هو الكفر الحلال!!

وإلى هنا سأعود... هاهي القصة اليوم تعيد كتابة نفسها مجدداً مع اختلاف الحقب والرجالات والظروف... فأذنوا لي أن أقصها عليكم...

يحكى يا سادة بأن شعباً من أعظم شعوب الأرض وأكثرها حضارةً وتحضر جار عليه الزمن وتكاثرت عليه المصائب والمحن وأصبح الموت زاداً له في الحل والترحال. ضاق الحال على هذا الشعب فوجد نفسه لا يستطيع البقاء في وطن ينهش لحمه وحوش الأرض من كل حدب وصوب ولا يملك وطناً بديلاً يرحل إليه... فما كان منهم إلاّ أن طرقوا باب العرب وفي ضمائرهم وعقولهم يقبع رفات كل تلك المقولات والقصص والأشعار عن العروبة والعرب... عن الشهامة والكرم... عن الحمية العربية وإغاثة الملهوف... عن أن "بلاد العرب أوطاني" من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، فاكتشفوا بأنّ العرب لا باب لهم يدق.، فباب العرب قد سرق منذ زمن وقد تفنن نجاروا العرب بخشبه وصنعوا منه عروشاً لحكامهم ومنصات لإلقاء الخطابات وتخدير الهمم!

بلاد العرب كلها أسلاك شائكة ودوريات تراقب الحدود لا لعدو قادم، بل خوفاً من مواطن سوري يحمل أولاده وأمتعته التي لربما أخفى فيما بينها كرامةً وعزاً وشرفاً وهذا ما يُمنع إدخاله ضمن مطارات العرب، ومحطات قطاراتهم، وكراجاتهم، ومرافئهم وحتى مقابرهم! لم يعد السوري يجد شبراً واحداً من أرض ولا من هواء ولا من ماء ولا من طعام ولا من موت على أرض العرب... على أرض المسلمين!!

بلاد العرب من ورائهم والبحر من أمامهم، فسلكوا طريق البحر باحثين عن طوق نجاة لحياة كالحياة هناك بعيداً حيث لا يوجد داءٌ يسمى بالعروبة. وهنا بدأت قصة الموت الجديد، فطريق البحر يعمل عليه أناس لا يعرفون إلاً ولا ذمه دينهم ودنياهم المال، إنهم "تجار البشر" تجار اللحم والدم والخزي والعار. وعند هذا المفترق بدأ السوري يتذوق طعم موت جديد لم يعتد عليه من قبل ملوحته عالية كملوحة البحر... إنه الموت غرقاً في عباب البحر. فكل يوم تستيقظ البشرية المنعمة جمعاء على خبر غرق مركب يحمل على متنه مهاجرين سوريين، حتى أصبح هذا الخبر يمر مرور الكرام ضمن نشرات الأخبار كأي خبر اعتيادي. وعندما اعتقد السوري بأنه ألف طعم الموت المالح، قدّم إليه "تجار البشر" طعماً جديداً للموت عن طريق البر والجبال والغابات للوصول إلى الجنة الموعودة كما يحلو للبعض تسميتها.. لكنني أسميها "الخلاص المتاح"؛ أرض أوروبا. بدأت جموع السوريين تتوافد عبر هذا الطريق المعبد بالموت وحلمهم الوحيد هو الخلاص والنجاة بأطفالهم من عذاب الجحيم الذي وجدوا نفسهم فيه.

هي رحلة أشبه بالخيال أو قصص الجدات أو هي الإنتحار نفسه، لكنّ الميت لا يخاف الموت بكل الأحوال وهذا حال السوريين. فلا يصدق عاقل بأن الرجال والأطفال والنساء تقطع الدول والأنهار والجبال والوديان والحدود لتنتقل من دولة إلى أخرى حتى تصل في نهاية المطاف إلى دول اللجوء الأوروبي الأفضل من حيث قوانين اللجوء الإنساني، حتى السوريين أنفسهم لو قصصت عليهم من قبل ما يقومون به اليوم لما صدقوك. ففي رحلتهم هذه يتعرضون لأشد أنواع العذاب الجسدي والنفسي، فما بالك بأب يحمل أطفاله ويمسك بزوجته ومتاعه وذكرياته وأحلامه وأحزانه ويمضي بهم في هذا الطريق الشائك الذي لا يخلو من دناءة تجار البشر واللصوص وقطاع الطريق وحتى حرس الحدود لبعض الدول التي يمرون بها. كيف لا وقد سمع الصغير فينا قبل الكبير قصة المهاجرين السوريين الذين فارقوا الحياة خنقاً في تلك الحافلة المغلقة، لتضاف بذلك طعمة جديدة على طعمات الموت المختلفة التي يتذوقها السوريون كل يوم.

فبربكم بعد كل هذا أليس من حق السوريين أن يسألوا "أين نجاشي هذا العصر؟"... أيعقل بأنه لا يوجد "نجاشي" واحد بينكم يا حكام المسلمين، يامن قطعتم عنا كل شيء حتى أكسجينكم العربي الملوث واكتفيتم بالتنديد والإستنكار والقلق الذي ربما أصابكم بفقدان الشهية! ألستم أنتم من تشدقتم على مدار عقود طويلة عن العروبة والإسلام والأمن العربي وغيرها من الأكاذيب الواهية التي نخرتم بها رؤوسنا قبل النوم وبعد النوم وعند الإستحمام وقبل الطعام وحتى عند دخول الخلاء. أولا تشاهدون مقاطع الفيديو المنتشرة كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الإجتماعي عن عذابات السوريين؟ ألا ترون جثث الأطفال الملقاة على شواطئ بلدانكم العربية؟ ألا ترون كيف فتح الغرب أبوابه لنا واستقبلنا وأحسن لنا، بينما فرضتم علينا التأشيرات والفيز وقرارت المنع وأنتم المسلمون وهم "الكافرون"!! بالله عليكم ألا تخجلون!!

يا ليتكم متم قبل هذا وكنتم نسياً منسياً...

بقلم: طارق وفاء يوزباشي


  • 11

   نشر في 29 غشت 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

أهنئك مقال رائع
نعم هذا صحيح بدلاً من أن يساعدون أخواننا هناك دول تساعد أعدائنا .....
1
احسنت بما اجاد قلمك...لم يعد هناك شيء اسمه العرب و اما بشأن "بلاد العرب أوطاني" اقترح ان نستبدل هذه المقولة ب"بلاد العهر أوطاني"...
0
طارق يوزباشي / Tarek Youzbashi
شكراً لك... لنا الله!!

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا