"قوام العيش حُسن التقدير، وملاكه حُسن التدبير" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"قوام العيش حُسن التقدير، وملاكه حُسن التدبير"

  نشر في 28 أبريل 2016 .

الأسرة هي اللّبنة الأولى الأساسية في بناء المجتمع، وهي المسؤولة الأولى عن بناء الإنسان، وصلاح الأسرة يعتبر صلاحا للمجتمع كله، وفسادها فساد له... وتشترك عناصر عديدة في بناء الأسرة وتطوّرها واستقامة وضعها واستقرارها، وأبرز هذه العناصر: عنصر الأخلاق والأوضاع النفسية السائدة فيها، وعنصر المال ، عنصر النظام أي القوانين التي تجعل من هذا المجتمع متوازنا، وعنصر العواطف والمشاعر، وطبعا عنصر الثقافة والتربية والتكنولوجيا المستخدمة في حياة الأسرة....

وقد حدّد القرآن الكريم الإنفاق المتوازن من غير إسراف ولا تضييق أو شُحّ في آيات عديدة، فقال تعالى:(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/ 29.

وقال تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش، ذاما للبخل، ناهيا عن السرف:( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) أي لا تكن بخيلا منوعا، لا تعطي أحدا شيئا، كما قالت اليهود عليهم لعنة الله ( يد الله مغلولة) ) لمائدة 64 ) أي نسبوه إلى البخل تعالى تقدس الكريم الوهاب..

وقوله: (ولا تبسطها كل البسط) ) أي ولا تسرف في الإنفاق، فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملوما محسورا ..

وقال سبحانه مادحاً الإنفاق المتوازن، واعتبره صفة لعباد الرّحمن، قال: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان/ 67).

إنّ الأسرة المسلمة اليوم، بحاجة ماسة وجدية إلى توعية شاملة، وتثقيف على الاعتدال في النّفقة، وترك الإسراف والتبذير، في المأكل والملبس، والأناقة والأثاث والسيارة ...إلخ من المستلزمات التي لسنا بحاجة اليها، وأضفناها كعنصر أساسي في حياتنا، حتى أصبحنا نراها من الأبجديات الأولية، التي لا يمكن العيش بدونها...

إنّ من أسباب إسرافنا وتبذيرنا، هو التظاهر بمظهر (أنا متحضر) و قد يصدر الإسراف والتبذير أحياناً من الجهل، وعدم توفّر الوعي الانفاقي، وعدم معرفة قيمة المال في الحياة، أو من مرض النّهم والبطر والنرجسية..ومظهر تنافس للفت النظر، قناعة من البعض أنّ ذلك يعني التفوّق على الآخرين، ويُحقِّق المكانة المرموقة في المجتمع..ويحقق الوجاهة، بين الأهل والجيران، وكل من له صلة بنا، حتى يعرف الكل بأن ذاك الإنسان بعينه، أنه صاحب مال كثير ووجاهة، ولا ينقصه شيء، وأنه مواكب للعصر الحديث، إما في مأكله، أو أثاثه، أو سيارته، أو حتى في ترفيهه عن نفسه وعن عائلته ...إلخ، والكثير من الأفكار التي أن جاريناها، تعتبر من الأمور غير المنطقية بتاتا ..

فالمتابع للإحصاءات التي تتعلق بالإنفاق في العالم العربي، يكتشف أن مجتمعاتنا تعاني ظاهرتي الإسراف والتبذير، وأصبحنا نراهما بصورة واضحة في شتى نواحي الحياة، والغريب والخطير في الوقت ذاته، أننا مجتمعات استهلاكية وليست إنتاجية، وهذا البذخ الاستهلاكي بعضه للأسف ترفِيُ، يؤدي إلى استنزاف دخل النسبة الأكبر من المسلمين، بل وتسبب في كثير من الأحيان في دخول المواطن المسلم، دوامة الديون من أجل توفير المال، كي تصرفه أسرته في شراء السلع المختلفة، وبعضها غير ضروري البتة.

وهذه عفاف النجار، العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالأزهر - تقول في إطار الحديث عن مسؤولية المرأة المسلمة: "إن المرأة المسلمة بوصفها هي الأكثر مسؤولية عن ميزانية المنزل، لابد أن تعرف جيداً أن استنزاف المال بلا ضرورة، والإسراف في ذلك أمر خطير، وأن الإسراف والتبذير وبعثرة الأموال في أمور لا ينبغي صرفه فيها، يؤدي إلى خروج الإنسان عن الجادة القويمة، والتورط بالفساد والانحطاط، بنحو لا يرى لأبناء نوعه، بل لسائر الكائنات، قيمة تستحق الالتفات إليها، والاهتمام بها، فلا يشعر بالجياع، والمحرومين، والمعذبين، مضحياً بكل ذلك، في مقابل إطلاق العنان لنفسه، لتنجرف مع الإسراف والتبذير"...."مشيرة إلى أن الأمة الإسلامية أصبحت شرهة استهلاكياً".

وإذن الإسراف والتبذير لا يضر بمصالح الأسرة فحسب، بل يتعدى ضرره إلى المجتمع بأسره، لأن إنفاق المال على ما ليس بضروري، يمنع من بذله لمن هم في حاجة إليه كالأرملة، واليتيم، والمسكين، الإحسان إلى الجار، الذي أوصى به رسول الله، حتى أنه قال:" والله لا يؤمن من بات شبعا وجاره جائع وهو يعلم به" وفضلا عن أن الإسراف في الإنفاق، ينجم عنه تنافس الناس على الاستهلاك من غير حاجة تدعو لذلك، فيكلف ذلك الناس شططا وقد يدفعهم لطلب المال ولو بغير طرقه المشروعة لإنفاقه فيما لا يلزم، فيفتح ذلك في المجتمع بابا للفساد كبير، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيما روي عنه: "قوام العيش حُسن التقدير، وملاكه حُسن التدبير".


  • 1

  • أمال السائحي
    لقد صدق من قال "ان القلم أمانة" لنحيي به الفضائل، ونميت به الرذائل، ونغرس مبادئ الحق، والخير، والجمال...
   نشر في 28 أبريل 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا