خلاصة 10 سنوات عمل في فريق الدعم التقني
صيانة و رعاية الأنطمة التقنية
نشر في 17 يناير 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كما سبق و أوضحت في مقالي السابق عن تدريب الطلبة بشركة نوكيا، فقد عملت لمدة عشر سنوات في فريق الدعم التقني، و بالتحديد في قسم الخدمات و الرسائل، اليوم أتحدث فقط عن الجانب العملي دون الدخول في الهرطقة التي تنفر البعض من مقالاتي.
رجل إطفاء
أثناء دورة تكوينة مهمة جدا عن طريقة KT لتحليل المشاكل و التعامل مع الطوارئ، بسط لنا المكون البلجيكي عملنا في فريق الدعم التقني أو الفريق الصيانة أو الرعاية كما يسمى في شركة نوكيا بعمل رجل الإطفاء، لذلك يجب علينا أن نكون رجال إطفاء بامتياز، لكن كيف ؟
رجل الإطفاء المثالي يجب أن يكون دائما على أهبة الإستعداد، و أن يقوم بكل الفحوصات و يتأكد من صلاحية كل المعدات و الأدوات: تخيلوا معي فريقا من رجال الإطفاء تلقى نداءا عاجلا، حينها فقط بدء بالتأكد من صلاحية البذلات و الأحذية، ومن توفر كل الأدوات، وأن عجلات الشاحنة سليمة، والمحرك سليم، وخزان الماء مملوء، والخرطوم يخلو من الثقوب، والمضخة تعمل بالشكل والضغط المطلوب و و و ، تخيلوا كم من الوقت سوف يلزم الفريق فقط لمغادرة المقر، فما أدراكم بالوقت الذي سوف يتم إضاعته في الطريق و في عين المكان، ناهيك إن كان الفريق ملزما بإصلاح أو تعويض أحد الأدوات الضرورية.
كيف نتأكد من ذلك؟
خلال الأوقات التي تخلو من اتصالات ورسائل الزبون ، يجب القيام بهاته الفحوصات و التحققات، وهذا ما يسمى بجدول الصيانة الدوري و الفحص المستبق للمشاكل الذي يتم على الأقل كل سنة، هاته الأوقات التي يعتقد البعض أنها فقط مخصصة للراحة والإستجمام واكتشاف المقاهي المجاورة لمقر العمل، هي ليست كذلك.
تختلف هاته الصيانة و تتنوع مستوياتها : فهناك تحققات يومية و أخرى أسبوعية إلى شهرية وسنوية، كما أن القيام بهاته الإجراءات قبل الأحداث الخاصة التي تعرف حركة مرور غير عادية مثل الأعياد وليلة رمضان ورأس السنة أمر مستحب.
دون إغفال أهمية النسخ الإحتياطي، الذي ينقسم إلى نسخ إحتياطي أساسي كل شهر أو شهرين، يتبعه عمليات نسخ احتياطية تراكمية.
كما أنه في الغالب بالنسبة لمعظم الزبناء يكون هناك دائما موقع للطوارئ للأنظمة الحساسة بعيد جغرافيا عن الموقع الأساسي، يجب تجربة هجرة حركة المرور إليه مرة في السنة.
التعلم لم ينته مع نيلك لشهادة التخرج
أذكر أنه في حفل تخرج شقيقي المهندس المعماري، سمعت أحد أعضاء لجنة التحكيم بقول له بالحرف : "مبروك السي عبد الباسط، الآن نشهد أنك تستطيع التعلم".
يعد الإلتحاق بفريق الصيانة هو البداية المثلى لمن يريد أن يشق طريقه في المجال التقني، ففي البداية تكون المعلومات التي درسها المهندس الجديد طرية، لكنها لن تنفعه كثيرا في المجال العملي، فالإلتحاق بهاذا الفريق يكون مصحوبا دائما بفترة المكتب، حيث لا يطلب من المهندس الشيء الكثير سوى قراءة و استيعاب الوثائق التقنية للأنظمة و حضور بعض التدخلات البسيطة مع من هو أكثر منه خبرة.
بعدها يبدأ في تكوين قاعدة بيانات للمشاكل التي تتكرر دائما مع حلولها، وهنا يجب تجنب الوقوع في فخ الإختصارات، واختزال كل خبرة المهندس في الإستجابة لمجموعة من الحالات المشهورة، إذا حدث كذا إفعل كذا، الحمد لله كنا محظوظين في الفريق حيث انتبه إلينا مبكرا رئيس الفريق و شرح لنا ضرورة فهم الأمور من الأعلى ما أمكن حتى نحسن التصرف مع كل الحالات بما فيها الحالات النادرة أو الجديدة.
لا تمل من كتابة التقارير
أحد نقاط القوة التي كنا نتمتع بها في فريق الأحلام -كما نسمي أنفسنا - هي قدرتنا العجيبة على عدم تأجيل كتابة التقارير، خاصة في السنوات الخمس الأولى، عندما نقول تقريرا نقصد به تقريرا تفصيليا مفهوما أولا من الزبون و ثانيا من الرئيس المسير، وكذلك لزملائك سواء في الفريق المحلي أو في مختلف بقاع العالم.
على تقرير التدخل أن يكون مكتوبا بلغة إنجليزية بسيطة (ونسخة فرنسية لبعض الزبناء في المغرب)، به المعلومات والخطوات المهمة فقط، وأن يخلو من المعلومات السرية إن كان سوف يشارك في منصة المشاكل والحلول المفتوحة في الشركة التي عمل بها.
كتابة التقرير في الحين له عدة فوائد من بينها أن المعلومات تكون طرية، وأن كتابتها بعد حل المشكل مباشرة يغنيك عن كتابتها لاحقا.
نعم للتخصص لا للإنغلاق
عملي في فريق الخدمات و الرسائل كان يفرض علي في بعض الأحيان التعامل مع زملائي في الشركة من أقسام أخرى أو من مهندسين من مزودين لزبوننا من الشركات المنافسة، سواءا فريق الشبكة الذكية أو قلب الشبكة أو الفوترة أو الشبكة أو حتى شبكة الولوج.
لذلك فإمضاء بعض الوقت في مطالعة بعض الوثائق التعريفية ولو البسيطة لهاته الأقسام ساعدني كثيرا في تسريع البحث عن أصل المشاكل وحلها في الوقت المناسب.
تعلم و علم
كما ذكرت سابقا، في كل خطوة من خطوات عملي كنت أتلقى المعلومة و النصح مع من يفوقني خبرة سواءا من الفريق أو من باقي الزملاء، هاته الإستفادة بدوري كنت أحرص على تمريرها لكل الملتحقين الجدد، و كذلك المتدربين.
هناك من يعتقد خطأ أن احتكاره للمعلومة يجعله دائما في موقف قوة اتجاه الشركة، لكن القاعدة التي يؤمن بها الكل في شركة نوكيا : "لا يوجد شخص لا يمكن تعويضه"، فتعليمي السريع للملتحقين الجدد معنا بالفريق وفر علي لاحقا الكثير من الأوقات والتنقلات والعطل ونهايات الأسبوع، خاصة مع فتح بوابة الولوج عن بعد، فكان بكفيني الإتصال بأحد "أبنائي" حتى يقوم نيابة عني ببعض العمليات، فيستفيد هو من ناحية التجربة والخبرة والمسؤولية والثقة بالنفس، و أوفر أنا عن نفسي بعض الأوقات التي أكون محتاجا إليها خاصة خلال فترة مرض الوالد رحمه الله، وسنتي بعد المسافة المؤقت عن أسرتي.
ساعات المراقبة المملة
في بعض الأحيان يضطر مديرك إلى توقيع عقود تحتوي على بنود تبدو لك تافهة ولا معنى لها، لكن إعلم أنه بفضل تلك البنود التي تفرض عليك ساعات من المراقبة المملة في مركز العمليات في أيام وليال كل الناس مجتمعة مع أسرتها، هي ما تدر أو تساعد على الإستمرار في در الأموال على الشركة التي تعمل فيها، التي بدورها تحول نسبة منها إليك على شكل راتب وعلاوات وامتيازات قد تبدو لك بسيطة مثل سيارة العمل و ما إلى ذلك.
أذكر في نهاية سنة 2008 أنه تم فرض ساعات مراقبة على كل فريق الدعم، في تكنولوجيا بعيدة عنا، وكان وجودنا فقط صوريا لمراقبة المنحنيات و الإتصال بالمستوى الثالث بأوروبا للدعم إذا لاحظنا طارئا، معظمنا كان يمضي تلك الساعات في تصفح الأنترنت أو مشاهدة الإفلام و المسلسلات، أو في أحسن الأحوال قراءة الكتب، لكن أحد زملائنا وجدها فرصة للإعداد لاختبار الحصول على شهادات مهنية نفعته في سرعة ارتقائه في السلم الوظيفي أولا، وفي إنشاء مقاولته لاحقا.
هاته الساعات التي تفرض علينا فرضا نستيط دائما أن نجلب منها الفائدة.
ببساطة ما تحتاجه لتصبح مهندس دعم ناجح
عند دخولنا حديثا للفريق كنا نسمع أساطير عن مهندسين سابقين في الفريق، وكنا نبدي إعجابنا بهم، و ذات يوم أخذنا أحد قدماء الفريق معه إلى الطابق السادس و جلسنا نحتسي معا فناجين القهوة والشاي الأسود، و قال لنا : "أتعلمون أن السر في نجاح هاته الأسماء ليس هو عبقريتها؟ السر ببساطة يا أبنائي هو التركيز والثباث عند وقوع المشاكل وتحليل المعلومات، والتواضع وقراءة كل سطر من اليوميات كأنك تقرأه لأول مرة" وسكت برهة ليترك لنا فرصة استيعاب وهضم الكم الهائل من المعلومات، والتأمل فيها.
دحرجة الكرية
كل زميل لي في العمل تعلمت منه دروسا، ولعل الدرس الذي أريد أن أختم به هذا المقال هو مقولة زميلي ورئيسيالسابق حين قال لنا ذات يوم بعد أن تمادينا في الشكوى من ظروف عملنا والراتب الذي نتقاضاه و ما إلى ذلك من مخلفات الإدمان على قراءة مواقع الأخبار السلبية وقنوات الهم و الغم آنذاك : " لا يغرنكم العمل الذي نقوم به هنا، نحن فقط مسؤولين عن دحرجة كرية وتصحيح مسارها إن هي زاغت عليه، إنتهى الكلام"، ظلت هاته العبارة ملتصقة بذهني إلى يومنا هذا، وتفاجأ قائلها بنفسه حين أعدتها على آذانه ونحن متوجهين هذا الصيف إلى مسجد حي الولاية بتطوان لأداء صلاة الجمعة بعد عشر سنوات من قوله لها.
فحوى هذا الكلام أن العمل الذي نقوم به هو ليس معقدا، لكن فقط يجب القيام به بحرص و انتظام.
ما بعد دحرجة الكرية
خلال هاته السنوات العشر، كنت أكلف بين الحينة و الأخرى بمهام خارج الوطن، وفي الغالب كنت أرسل لسد ثغرة هناك، مثل اللاعب الذي يشغل حارس المرمى في فرق الحي، لكنني كنت أرفض أن ألعب ذلك الدور، فكنت بمجرد وصولي أقوم بفتح دفتر وصفاتي وأسجل بعض المعلومات المهمة، كما أنني أقوم بأقلمة بعض البرمجيات الصغيرة التي طورتها والتي تسهل علي مراقبة الأنظمة و استخلاص الإحصائيات والمنبهات وحركة المرور بطريقة تلقائية، وأختم كل مهمة بإرسال تقرير مفصل لمدير المشروع يكون مفهوما من أي مهندس يستأنف المهمة بعدي.
هاته الإجراءات البسيطة كانت تولد نتائج جد طيبة تبدأ من رسالة شكر رسيمة أتلقاها شخصيا أو عن طريق رئيسي في العمل ، إلى بعض عقود العمل المغرية التي رفضتها لأسباب عائلية و الحمد لله.
-
ضياء الحق الفلوسطالب علم في مدرسة الحياة. مولع بسباقات الطريق مولع بالبرمجيات و مسابقات البرمجة و التكنولوجيا الحديثة. مولع أيضا بالتدوين والرسم والتصوير.