"أحسن تقويم" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"أحسن تقويم"

خلاصة البحث

  نشر في 10 شتنبر 2017 .

           لعله من الأسباب التي دعتني للبحث في الآية "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" (التين .4) هو ماقرأته من تفاسير السلف الصالح من علماء المسلمين أمثال ابن كثير والطبري والبغوي والقرطبي وغيرهم ، ولكن ما قرأته لم يكن ليشبع حاجتي المعرفية بسبب سطحيته ، وحين عرضته علي مبادئ المنطق وجدته لم يتفق معها مطلقاً ، فملخص ما قاله ابن كثير نقلاً عن الرواه هو أن المعني المراد من الكلمتين "أحسن تقويم" هو أن الله تعالي خلق الانسان في أعدل وأبهي صورة ، وقد أرجعوا هذا التفسير إلي أن كل مافي مملكة الحيوان قد خُلق منكباً علي وجهه ، أما الانسان فقد خلقه الله معتدلاً منتصب القامة وجهه مرفوع.


           أما ابن عاشور فلم يرجع تفسير"أحسن تقويم" إلي تقويم الشكل الخارجي ، وإنما ربطه بتقويم العقل والفكر حيث قال:

"ان الله كوّن الانسان تكويناً ذاتياً متناسباً ما خلق له نوعه من الإعداد لنظامه وحضارته ، وليس تقويم صورة الانسان الظاهرة"

            وقد بني ابن عاشور رأيه هذا علي أساس أن العقل أشرف ما خص به الله الانسان وذلك مصداقاً لقول النبي صلي الله عليه وسلم :

"إن الله لا ينظر إلي صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم".

             وحين نحكّم المنطق في التفسير المبني علي خلقة الشكل الخارجي سيذهب بنا نفس هذا المنطق إلي حذف كل من بالمستشفيات وعيادات الأطباء من وصفهم كإنسان علي اعتبار أن الانسان مخلوق في أحسن تقويم وهؤلاء مرضي لم تحسن خلقتهم ، وحذف كل مولود بتشوه في خلقته وحذف الدميم والمشلول من وصفه كإنسان علي نفس الاعتبار السابق ، وقس علي ذلك حذف كل من هو به مشكلة صحية من وصفه كإنسان ، وليبحثوا عن قائمة مخلوقات جديدة ندرج نوعهم تحتها ، فوصف أحسن التقويم لن يستوعب إلا من هو صحيح البدن جميل الخلقة.


          لقد خلق لنا الله أجساداً فانية هالكة تتعب وتمرض وتشيخ وتموت ، مصيرها في النهاية لأمعاء ديدان الأرض ، وهذا ليس هو أحسن التقويم الخلقي ، فالتقويم الذي يشير اليه الله سبحانه وتعالي هو تقويم الإدراك الفكري والنظرة العقلية والقدرة علي المفاضلة بين الخيارات ، إنما الجسد فما هو إلا مجرد آلة خادمة لاستيعاب هذا العقل يسخره كيفما يشاء.


           وإذا خالفنا ابن عاشور في رأيه بأن "أحسن تقويم" المراد به التقويم العقلي علي حد قوله ، وعدنا إلي تفسير ابن كثير والطبري والقرطبي ومن وافقهم والذي يقول بأن التقويم هو تقويم الخلقة الخارجية واعتدالها ، فلابد ألا نغفل عن أصل خلقتنا ، انا لا أريد هنا أن أتحدث عن الجسد المادي الحالي الذي تسكنه أرواحنا ، بل عن الأصل البدائي لخلقتنا قبل أن نتواجد علي هذا العالم ، الخلقة التي نحن عليها في الأزل البرزخي والتي تشير إليه الآيات :

"ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم" (الاعراف .11)

"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي شهدنا" (الاعراف .172)

"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية" (الفجر .27،28)


        كل هذه الآيات دليلاً قاطعاً علي أن نفوسنا كانت تعيش حياة غير التي تعيشها الآن ، فإذا كان لهذه النفوس قالباً مادياً تسكنه كأجسادنا الحالية فمن المحتمل أن يكون "أحسن تقويم" هو اعتدال هذا القالب الغيبي الذي لا نعلم عنه شئ .. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته : فاطمة عبد الحكيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



   نشر في 10 شتنبر 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا