طال زمن الاغتراب. نطَّلع كل يوم على الوضع الأليم الذي تعيشه أمتنا الإسلامية، إن من خلال المقالات التي تتحدث عن الوضع السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي المتردي من سيء إلى أسوأ، أو من خلال مشاهدة الأحداث التي تعصف في بلادنا وبلاد المسلمين عامة.
أما ما يدور في أروقة العالم الافتراضي فحدث ولا حرج، الطفل يشتكي، والأم، والفتاة، والأخ والأب والرئيس والمرؤوس، وباختصار الكل يشتكي من الكل.
فإلى متى هذا السقوط والتردي؟
يقول الأطباء أنه عند التصدي لحالة مرضية ما، لا بد من معرفة ثلاثة أمور قبل وضع خطة العلاج، وهذه الأمور هي:
1 – أن نعرف أسباب الحالة المرضية؟
2 – أن نعرف الأعراض المرضية؟
3 – أن نعرف تكرار هذه الحالة، أو تاريخ الحالة؟
طبعاً الجميع لا يعترض على خطة العمل هذه إن كانت تهدف إلى إعادة صحة المريض الجسدية إليه، فإذا ما اعتمدنا طريقة العمل نفسها لإيجاد علاج لأمتنا ماذا نجد يا ترى؟
أولاً – أسباب المرض: البعد عن المنهج الرباني القويم، والجري وراء كل منهج غريب فتان، سواء جاء من الشرق أم من الغرب، بدعوى الحضارة والتقدم والحياة السعيدة والرفاهية التي تصورها لنا وسائل الإعلام، علما أن الواقع على الأرض لا يحمل هذا البريق، فكل تقدم في المجتمعات الغربية جاء بعد تحضيرات شاقة مضنية ، وأين نحن من العمل الموصل لتلك الغايات؟.
ثانياً – الأعراض المرضية: ذل وهوان، تبعية، الأمم تتداعى علينا كما الأكلة إلى قصعتها، رجالنا أنصاف رجال، وشبابنا نخرت الميوعة عظامه الفتيَّة، المرأة تسعى جاهدة وفي جميع المنابر الدولية لتحصيل حقها الذي هضمه الرجل - وكأن الرجل نال حقه ليهبها حقها -، علاقاتنا الاجتماعية مريضة، ننفق ونمن، نتواضع ونتباهى بالتواضع، نأكل الربا ثم نذهب للحج لنعود كما ولدتنا أمهاتنا، وبعد الولادة الجديدة نعمل جاهدين لمضاعفة أموالنا الربوية لأن الحياة الجديدة أمامنا وتستلزم الكثير. فالأعراض المرضية واضحة على الجميع وللجميع. ومن منا ليس بمريض؟.
ثالثاً – زمن تكرار الأعراض الحالة المرضية، تاريخ الحالة: منذ زمن بعيد.
فالغير المحتل الغريب العدو يعمل جاهداً ليلاً ونهاراً للوصول بنا إلى ما نحن عليه، بل ما يعملون عليه للمرحلة القادمة أعظم مما سبق؛ ولهم الحق في ذلك، فهم ومن خلال دراستهم للتاريخ يعلمون من نحن ، وما يمكن أن نكون عليه إذا ما عدنا إلى إسلامنا من جديد، لذا يسعون وبكل جهد كي لا نعود إلى قوتنا بديننا. فأين نحن منهم؟
بعد ما تبين سبب وأعراض وتاريخ حالتنا المرضية، يمكن أن نضع لها العلاج الوحيد، كما وصفه الإمام مالك رحمه الله يوم قال: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، فالشرق استبد ورحل إلى غير رجعة، وإن كان له بقايا وذيول، فهؤلاء يصلح لهم القول الشائع عندنا: (يطعمك الحجة والناس راجعة)؛ والغرب بفلسفته وتقدمه التقني ونظامه الاجتماعي القائم خلف هذا التقدم، زائل لا محالة، ومن لم يؤمن بما أقول فليتذكر قول الله تعالى: ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))، هذا إن كنا مؤمنين.
خلاصة القول، العلاج هو العودة إلى الدين الحنيف. فنحن لن نبدأ من نقطة الصفر، فلسنا بحاجة لإيجاد فلسفة أو نظام حكم، أو قواعد اجتماعية نعمل بموجبها لتصل بنا إلى بر الأمان، فنظام حكمنا موجود، وفلسفتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والصحية ... كلها موجودة. ما علينا سوى قراءتها وفهمها، وتنزيلها على الواقع، والعمل بها.
آن الأوان لعودة المسلمين من التيه والشتات، فقد تعبنا وطال الاغتراب.
-
د.فاطمة أحمد عميصلبنانية حاصلة على اجازة جامعية في علم النفس وماجستير ودكتوراه في الدراسات الاسلامية ، قسم التأصيل الاسلامي للدراسات النفسية