آلام دافعة
نموذج لأديبين: فرناندو بيسوا وفرجينيا وولف.
نشر في 20 يناير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 فبراير 2019 .
الألم..ذلك المارد الذي قد يدفعنا إلى الموت.. هو نفسه قد يدفعنا إلى الحياة..لكن كيف يتم استعمال الألم عند البعض كقوة دافعة إلى الصعود، بينما يجر البعض الآخر إلى قعر الهاوية؟
إنها نفوسنا التي تختلف في تعاطيها مع الألم..قوتنا الداخلية! ذلك الشيء الذي إذا أراد تحريك جبل فعل! وإذا اعتراه العجز بات غير قادر على تحريك قشة.
عبر التاريخ مر أدباء تركوا بصماتهم..أغلبهم كان محرك إبداعهم الألم.. وعلى اختلاف أشكاله و مصادره، كان الألم وقود أقلامهم ..

هذا ما كتبه فرناندو بيسوا عن كتابه الخالد "اللاطمأنينة" الكتاب الذي أبدع فيه وكشف عن يوميات من الألم النفسي الذي لازمه حتى الموت..كان أنينا خاصا يقبع في صندوق على شكل كتابات كثيرة متفرقة تشبه اليوميات، لم تنشر في حياته لأنه كتبها لنفسه فقط، كنوع من التفريغ لشحنة الألم وعذابات الوهم وهربا إلى كنه روح حالمة .

ويبدو أن تيمة الألم والتيه لازمت بيسوا في كثير من نثره وشعره. .

هكذا استطاع بيسوا بدافع الألم أن يغوص في ذاته ويكتب بصدق بالغ كلمات مبهرة تصف وجدانه،و أن يمسك باللحظات الشعورية، ليمعن التفكير فيها، ويقلبها من كل الجوانب فيرسمها على شكل لوحة مختلفة الأبعاد..

استطاع فرناندو بيسوا بحسه الموغل في الرهافة وبانعزاله عن الناس وتجرده من المبالغات الاجتماعية في المجاملات -التي تصل حد النفاق أحيانا كثيرة- وبانغماسه في ذاته وعيشه معها في ساعات الوحدة العميقة، استطاع أن يكون رؤية فردية متميزة، وأن ينسج من كل لحظة شعورية رداء من التحليل المبهر والتشريح المدهش ،وبذلك جعل من كل إحساس لوحة فنية يطبعها بأسلوبه الخاص، فكان بذلك ظاهرة في الأدب العالمي والإنساني.

هذا ما قالته فرجينيا وولف متحدثة عن تجربة الموت.. الكاتبة صاحبة النبوغ الأدبي التي أبدعت في "الأمواج"، "السيدة دالاوي" وكتابات أخرى، عانت من نوبات ألم نفسي كانت تدفع بها إلى الجنون المتكرر..

كانت أغلب كتابات وولف ترجمة لذلك الألم ونقلا لمعاناتها ومعاناة العديد من أبناء جيلها الذين عايشوا أسوء فترة في ذلك التاريخ فترة الحرب العالمية.
وفي رسالة لزوجها قبل الانتحار كتبت :

كانت صورة عن المرأة الرقيقة المشاعر، المفرطة الحساسية ،التي تتعاطى مع آلام الناس بعمق وظهر ذلك جليا في كتاباتها..فمن الصعب أن نصف مشاعر الألم بصدق ما لم نعشها بالفعل ..
في كتاب الأمواج، و الذي اعتبره النقاد قصيدة شعرية مطولة، نقلت فرجينيا وولف مشاعر الشخصيات الست بدقة متناهية بحيث تحدثت كل شخصية منهم عن مشاعرها الدفينة وعن آرائها في الحياة والموت والألم بعمق يفوق التصور ..
"في معظم الأحداث التاريخية كان المجهول امرأة".تقول فرجينيا وولف في رواية "غرفة تخص المرء وحده" وكانت المرأة التي أرغمت أنامل التاريخ على خط اسمها في صفحات منه؛اعترافا بريادتها وتجديدها في مجال الأدب الإنجليزي والعالمي..
-
عائشة... دال"إذا تمَّ العقل نقص الكلام"
نشر في 20 يناير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 فبراير 2019
.
التعليقات
جمال طارق عرفه
منذ 1 سنة
وهذا يدل على الكثير من المنطق نعم اقول ذلك
وكما ان العزلة تجعل من الانسان اكثر تعمقا ولا سيما فى مشاعره واحاسيسه
لإن المخالطة للكثير من اهل التطفل تجعل الانسان باردا ومتطفلا مثلهم
يبحث الانسان عن فلسفة لنفسه اذا كان منهجيا وسويا فى افكاره المجتمعيه والحسيه
احسنتى القول
دام الفهم شكرا ع.د
وكما ان العزلة تجعل من الانسان اكثر تعمقا ولا سيما فى مشاعره واحاسيسه
لإن المخالطة للكثير من اهل التطفل تجعل الانسان باردا ومتطفلا مثلهم
يبحث الانسان عن فلسفة لنفسه اذا كان منهجيا وسويا فى افكاره المجتمعيه والحسيه
احسنتى القول
دام الفهم شكرا ع.د
0
ليلى عبدالله
منذ 2 سنة
شعرت لوهله اني سأبكي من هول الوصف العجيب للوحده والألم وغطرسة الإكتئاب بين ثنايا طرحك ، مؤلم ولا أحد يستطيع وصف هذه المشاعر ، أعجبني بشدة وراق لي ولو كان مقالك أطول قليلاً لذرفت مدامعي لا أعلم لما لكني اختنقت قليلاً وشعرت بوحشة لوهلة ، اتمنى أن نكون ممن يستعمل هذه المشاعر للنهوض لا للسقوط ، دمتــ/ي ودام قلمك ..
2
Salsabil Djaou
منذ 2 سنة
سعدت بقراءة هذا المقال الجميل ، اختيارك للفقرات و تعبيرك عنها عميق و رائع ، دام قلمك أختي.
1
ابراهيم محروس
منذ 2 سنة
اولا .. تحية وتقدير لكى ايتها الاخت العزيزة
(ربة البيت) التى لم ( تقترف الكتابة) بل أسعدتنا طريقة كتاباتها.( عائشة.. إن لم اكون أخطأت في الاسم ).
ثانيا .. مقالك ملهم كثيرا ... فالحديث عن فلسفة الألم والتعامل معه بحكمة يصعب على الكثير تناوله .. لكنك أبدعت.. دام ابداعك
(ربة البيت) التى لم ( تقترف الكتابة) بل أسعدتنا طريقة كتاباتها.( عائشة.. إن لم اكون أخطأت في الاسم ).
ثانيا .. مقالك ملهم كثيرا ... فالحديث عن فلسفة الألم والتعامل معه بحكمة يصعب على الكثير تناوله .. لكنك أبدعت.. دام ابداعك
0
رولا العمر
منذ 2 سنة
للألم فلسفة خاصة به وحده لا يكتشفها الإنسان إلا بالتجربة، والتي تزداد صعوبتها
لو كان المتألم وحيداً، بائساً، مهزوماً حينها سيكون بين خيارين إما الغضب والشكوى أو الإنعتاق والإبداع.
أعجبني كثيراً أسلوبك في الطرح، والترابط والإتساق بين أفكارك والإقتباسات. أيام منزوعة الألم ومليئة بالأمل والحب والإبداع أتمناها لكِ أيتها الرائعة .
لو كان المتألم وحيداً، بائساً، مهزوماً حينها سيكون بين خيارين إما الغضب والشكوى أو الإنعتاق والإبداع.
أعجبني كثيراً أسلوبك في الطرح، والترابط والإتساق بين أفكارك والإقتباسات. أيام منزوعة الألم ومليئة بالأمل والحب والإبداع أتمناها لكِ أيتها الرائعة .
2
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
دلال
منذ 4 يوم
محمد أحمد
منذ 5 يوم
قوة الأفكار
في يوم من الأيام وصل شخص حكيم مع تلاميذه إلى إحدى المدن الكبيرة. لم يكن لديهم أي مال، وكانوا يحتاجون إلى الطعام والمأوى. التلاميذ كانوا متأكدين أنهم سوف يتسولون للحصول على طعام، وسوف ينامون في احدى الحدائق العامة.قال أحد
ألا زِلْنَا فِي قُلُوبِكُمْ أَمْ زُلْنَا ؟!الجزء الاول
*ألا زِلْنَا فِي قُلُوبِكُمْ أَمْ زُلْنَا ؟!*"الجزء الاول"*اقتلاع كائن عزيز من الاعماق محض هراء..عندما ننساه أو نتناساه يعود القلب لاجتراره ليطفو على السطح.. أستئصاله لا يؤتي أكله..لا يستطيع المرء أن يخسر شيئاً من ذاكرته.. وإن خسر فكيف يخسر شيئا
ابتسام الضاوي
منذ 1 أسبوع
Hana Muhammad
منذ 1 أسبوع
ريم ياسر
منذ 2 أسبوع
Farah OuZa
منذ 2 أسبوع