آلام دافعة
نموذج لأديبين: فرناندو بيسوا وفرجينيا وولف.
نشر في 20 يناير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 26 شتنبر 2021 .
الألم..ذلك المارد الذي قد يدفعنا إلى الموت.. هو نفسه قد يدفعنا إلى الحياة..لكن كيف يتم استعمال الألم عند البعض كقوة دافعة إلى الصعود، بينما يجر البعض الآخر إلى قعر الهاوية؟
إنها نفوسنا التي تختلف في تعاطيها مع الألم..قوتنا الداخلية! ذلك الشيء الذي إذا أراد تحريك جبل فعل! وإذا اعتراه العجز بات غير قادر على تحريك قشة.
عبر التاريخ مر أدباء تركوا بصماتهم..كان الألم محرك إبداع لدى أغلبهم.. وعلى اختلاف أشكاله و مصادره، كان الألم وقود أقلامهم..

هذا ما كتبه فرناندو بيسوا عن كتابه الخالد "اللاطمأنينة" الكتاب الذي أبدع فيه وكشف عن يوميات من الألم النفسي الذي لازمه حتى الموت..كان أنينا خاصا يقبع في صندوق على شكل كتابات كثيرة متفرقة تشبه اليوميات، لم تنشر في حياته لأنه كتبها لنفسه فقط، كنوع من التفريغ لشحنات الألم وعذابات الوهم وهربا إلى كنه روح حالمة .

ويبدو أن تيمة الألم والتيه لازمت بيسوا في كثير من نثره وشعره. .

هكذا استطاع بيسوا بدافع الألم أن يغوص في ذاته ويكتب بصدق بالغ كلمات مبهرة تصف وجدانه،و أن يمسك باللحظات الشعورية، ليمعن التفكير فيها، ويقلبها من كل الجوانب فيرسمها على شكل لوحة مختلفة الأبعاد..

استطاع فرناندو بيسوا بحسه الموغل في الرهافة وبانعزاله عن الناس وتجرده من المبالغات الاجتماعية في المجاملات -التي تصل حد النفاق أحيانا كثيرة- وبانغماسه في ذاته وعيشه معها في ساعات الوحدة العميقة، استطاع أن يكون رؤية فردية متميزة، وأن ينسج من كل لحظة شعورية رداء من التحليل المبهر والتشريح المدهش ،وبذلك جعل من كل إحساس لوحة فنية يطبعها بأسلوبه الخاص، فكان بذلك ظاهرة في الأدب العالمي والإنساني.

هذا ما قالته فرجينيا وولف متحدثة عن تجربة الموت.. الكاتبة صاحبة النبوغ الأدبي التي أبدعت في "الأمواج"، "السيدة دالاوي" وكتابات أخرى، عانت من نوبات ألم نفسي كانت تدفع بها إلى الجنون المتكرر..

كانت أغلب كتابات وولف ترجمة لذلك الألم ونقلا لمعاناتها ومعاناة العديد من أبناء جيلها الذين عايشوا أسوء فترة في ذلك التاريخ فترة الحرب العالمية.
وفي رسالة لزوجها قبل الإنتحار كتبت :

كانت صورة عن المرأة الرقيقة المشاعر، المفرطة الحساسية ،التي تتعاطى مع آلام الناس بعمق وظهر ذلك جليا في كتاباتها..فمن الصعب أن نصف مشاعر الألم بصدق ما لم نعشها بالفعل ..
في كتاب الأمواج، و الذي اعتبره النقاد قصيدة شعرية مطولة، نقلت فرجينيا وولف مشاعر الشخصيات الست بدقة متناهية بحيث تحدثت كل شخصية منهم عن مشاعرها الدفينة وعن آرائها في الحياة والموت والألم بعمق يفوق التصور ..
"في معظم الأحداث التاريخية كان المجهول امرأة." تقول فرجينيا وولف في رواية "غرفة تخص المرء وحده" وكانت المرأة التي أرغمت أنامل التاريخ على خط اسمها في صفحات منه؛ اعترافا بريادتها وتجديدها في مجال الأدب الإنجليزي والعالمي..
-
عائشة إبراهيم"إذا تمَّ العقل نقص الكلام"
نشر في 20 يناير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 26 شتنبر 2021
.
التعليقات
شاعر النيل
منذ 2 سنة
وهذا يدل على الكثير من المنطق نعم اقول ذلك
وكما ان العزلة تجعل من الانسان اكثر تعمقا ولا سيما فى مشاعره واحاسيسه
لإن المخالطة للكثير من اهل التطفل تجعل الانسان باردا ومتطفلا مثلهم
يبحث الانسان عن فلسفة لنفسه اذا كان منهجيا وسويا فى افكاره المجتمعيه والحسيه
احسنتى القول
دام الفهم شكرا ع.د
وكما ان العزلة تجعل من الانسان اكثر تعمقا ولا سيما فى مشاعره واحاسيسه
لإن المخالطة للكثير من اهل التطفل تجعل الانسان باردا ومتطفلا مثلهم
يبحث الانسان عن فلسفة لنفسه اذا كان منهجيا وسويا فى افكاره المجتمعيه والحسيه
احسنتى القول
دام الفهم شكرا ع.د
1
ليلى عبدالله
منذ 3 سنة
شعرت لوهله اني سأبكي من هول الوصف العجيب للوحده والألم وغطرسة الإكتئاب بين ثنايا طرحك ، مؤلم ولا أحد يستطيع وصف هذه المشاعر ، أعجبني بشدة وراق لي ولو كان مقالك أطول قليلاً لذرفت مدامعي لا أعلم لما لكني اختنقت قليلاً وشعرت بوحشة لوهلة ، اتمنى أن نكون ممن يستعمل هذه المشاعر للنهوض لا للسقوط ، دمتــ/ي ودام قلمك ..
4
Salsabil Djaou
منذ 3 سنة
سعدت بقراءة هذا المقال الجميل ، اختيارك للفقرات و تعبيرك عنها عميق و رائع ، دام قلمك أختي.
3
ابراهيم محروس
منذ 3 سنة
اولا .. تحية وتقدير لكى ايتها الاخت العزيزة
(ربة البيت) التى لم ( تقترف الكتابة) بل أسعدتنا طريقة كتاباتها.( عائشة.. إن لم اكون أخطأت في الاسم ).
ثانيا .. مقالك ملهم كثيرا ... فالحديث عن فلسفة الألم والتعامل معه بحكمة يصعب على الكثير تناوله .. لكنك أبدعت.. دام ابداعك
(ربة البيت) التى لم ( تقترف الكتابة) بل أسعدتنا طريقة كتاباتها.( عائشة.. إن لم اكون أخطأت في الاسم ).
ثانيا .. مقالك ملهم كثيرا ... فالحديث عن فلسفة الألم والتعامل معه بحكمة يصعب على الكثير تناوله .. لكنك أبدعت.. دام ابداعك
1
رولا العمر
منذ 3 سنة
للألم فلسفة خاصة به وحده لا يكتشفها الإنسان إلا بالتجربة، والتي تزداد صعوبتها
لو كان المتألم وحيداً، بائساً، مهزوماً حينها سيكون بين خيارين إما الغضب والشكوى أو الإنعتاق والإبداع.
أعجبني كثيراً أسلوبك في الطرح، والترابط والإتساق بين أفكارك والإقتباسات. أيام منزوعة الألم ومليئة بالأمل والحب والإبداع أتمناها لكِ أيتها الرائعة .
لو كان المتألم وحيداً، بائساً، مهزوماً حينها سيكون بين خيارين إما الغضب والشكوى أو الإنعتاق والإبداع.
أعجبني كثيراً أسلوبك في الطرح، والترابط والإتساق بين أفكارك والإقتباسات. أيام منزوعة الألم ومليئة بالأمل والحب والإبداع أتمناها لكِ أيتها الرائعة .
3
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
Asmaa
منذ 3 يوم
ابتسام الضاوي
منذ 4 يوم
وفاء الحمود
منذ 6 يوم
المطر
يتسارع النبض ليشابه في سرعته مرور السحاب العابر لصفحة السماء، تبدو الغيوم قلقة، مكفهرة، ثقيلة الخطوات، يمتد من صدرها أهداب رعد يخرق لحاف صمت طويل، وطيف برق يضيء ظلاماً سكن في هجعة ليل بهيم.تتنادى أحداقها للبكاء، يتسارع وقع السقوط،
ADELMOLEH
منذ 1 أسبوع
الغفلة وعجلة التاريخ
الغفلة وعجلة التاريخهي الغفلة , تأخذنا عن حتمية النهايات , نسرع فوق صفحات العمر أحيانا دون أن نتأمل ما نسحقه تحت أقدامنا , فثمة أشياء إذا كُسرت فإنها لن تُجبر مهما حاولنا , ينقر القدر بأصابعه المهيبة فوق أيقونات
فاطمة بولعنان
منذ 1 أسبوع
بين سطوة الحرف وجبروت الكاميرا .. نظرة على فيلم "Dune "الجزء الأول
تحفة سينمائية رائعة، واقتباس موفق من الرواية، ومحاكاة دقيقة لشبكة أحداثها وشخصياتها. لقد عرف المخرج دينيس فيلنوف كيف يحول عملا أدبيا مثقلا بالمعلومات الغزيرة حول عالم متخيل لايشبه عالمنا هذا إلا في الإسقاطات التاريخية والمحاكاة الاجتماعية والسياسية، إلى عالم يُرى ويُسمع في
فاطمة بولعنان
منذ 1 أسبوع
Walaa Atallah
منذ 2 أسبوع
عائشة/Aisha
منذ 2 أسبوع
كُن واعي
عشان ما نخسر أنفسنا مع كُل علاقة تنتهي من حياتنا...لا نتوقع الكثير لانرفع سقف آمالنا بأحد كُل شيء مُتاح ومُمكن مِن البشر ..الإنسان الذي جعل منا نُحلق مع الطيور.. هُوَ ماخلق لنا أجنحة نستطيع في غيابه أن نُحلق بِها ،هُوَ أخذ بأيدينا في طائرة مؤقته في أي للحظة
Fatma tarik
منذ 2 أسبوع
jjounidy
منذ 3 أسبوع
سمعان نعسان!
"فياض" و "سمعان" في مسلسل "الخربة" أشرفا شخصياً على تعليم إبن "فياض" الصغير الذي كان قد تحصل على علامات متدنية في إمتحانات الكفاءة فقد كان "فياض" ينهال ضرباً على جسد إبنه الغض كلما أجاب على أسئلته المتعلقة بجدول الضرب
Ebtihal Gawish
منذ 3 أسبوع
مديري
هذا الرجل صاحب الابتسامة المزيف، والنظارة السخيفة، اقسم اني اشم رايحة عطره منذ صعوده في الدرج، لا يفاجئني بارتداه بنطاله القصير والوانه الغير متناسقة، ان لا يكون حاصد أرواح، بارد القلب بخيل لدرجه انه يصل درجه البكاء عندما اطلب راتبي،
على نور الدين
منذ 3 أسبوع