لا أُحبذ أن أكون ذاتية حينما يتطرق القلم إلى الكتابة و بالأخص إن كانت الكتابة لنقد أحد الأعمال الفنية، لكن إن كان هذا العمل هو إحدى مسلسلات المخرج تامر محسن فلن يسعني أن أكون موضوعية، و بالأخص إن كان هذا العمل الفني من تأليف وحيد حامد، لذا أتساءل في البداية: كيف لم يأخذ بدون ذكر أسماء ما يستحق من الشهرة و النجاح؟

”بدون ذكر أسماء“هو أحد مسلسلات الدراما الرمضانية لموسم 2013،المسلسل يرصد فترة حكم مبارك لمصر و بالأخص الفترة من 1988 حتى 1998، يتناول المسلسل ثيمات هامة تبرز حال تلك الفترة من الفساد؛ الفقر؛ العلاقات المشبوهة بين أُناس من المفترض أنهم صفوة المجتمع؛ بداية انتشار الجماعات الدينية؛ و الأهم ظاهرة التسول و أطفال الشوارع و كيف نمت تلك الظاهرة بيد حكومة فاسدة و نظام أكثر فساداً.

تدور أحداث المسلسل حول أربعة شخصيات رئيسية فيرصد لنا كيف نشأت كل شخصية و كيف تطورت، حيث يُعد هذا الفساد المتمركزفي بنية الدولة أحد الأسباب الهامة في تطور هذه الشخصيات، بدايةً من سعيد القصاص (علاء حسني) المهندس الشاب ابن حلاق الحمير مروراً بكافة التعقيدات التي يواجهها بصحبة أبيه حتى وفاته و التي أودت بـ سعيد للعمل لصالح أحد أصحاب النفوذ في أعمال غير مشروعة في إطارغيرقانوني؛ لـ مبسوطة (روبي) فتاة الشارع النائمة تحت الكباري تتسول بالنهار و تعمل فتاة ليل بالليل، لعملها كراقصة ثم شهرتها الواسعة كفنانة صاعدة و التي ساعد على انتشارها الصحفي عاطف ربيع (أحمد الفيشاوي) ابن حلواني البسبوسة المترعرع في إحدى الطبقات العاملة وتطوُر شخصيته من مراهق مهووس بالكرة ليحقق حلم أسرته البسيطة في التعليم و النجاح مروراً بتورطه في عمليات مشبوهة لكشف فضائح نجوم المجتمع من الفنانين و رجال الدولة و رجال الأعمال و لاعبي الكرة، و وصولاً إلى رئاسته لتحرير أحد الجرائد السياسية المعارضة و الموالية لحكم الدولة.

و الشخصية المحورية الرابعة و ربما أكثر الشخصيات العدم تطوراً هي شخصية رجب الفرخ (محمد فراج) و الذي بدأ كمتسول و انتهى أيضاً كمتسول بفارق أن نهايتَه _و التي جاءت درامية بمقتله على يد أحد مجرمي الشوارع_ كانت اللحظة الأكثر صدقاً في حياته حيث أنها الليلة التي قرر فيها أن يساعد المعلمة أصيلة(فريدةسيفالنصر) أو النعجة_كما كان لقبها_ وهي (صاحبة ورشة التسول) في تحويل الورشة لمصنع يعمل فيه المتسولون كأصحاب حرف يدوية بدلاً من اللجوء للشارع و الشِحاذة، جاءت نهاية رجب الفرخ في لحظة جعلته الأكثر نبلاً بين شخصيات المسلسل، لم تتطور الشخصية و لم تنحرف، فقط ازدادت وعياً و أخلاقاً، و تشاطر سلوى الصحفية (مريم حسن) شخصية رجب الفرخ في عدم التطور او الانحراف ، سلوى ابنة الطبقة العاملة المؤمنة بمباديء الاشتراكية و التي ساعدت (مبسوطة) في تعلم القراءة والكتابة لربما هي الشخصية الوحيدة المتمسكة بمبادئها منذ البدء و لم تنحرف عنها، و هي صاحبة فكرة تحويل ورشة التسول لورشة صناعية، الغريب في الأمر أن المشاهد لا يتلقى هذا التطور بصدمة بل إنه تطور مقبول و في سياقه الطبيعي فالحبكة الدرامية للمسلسل جاءت سلسة مقنعة و الأحداث مثيرة تجذب المشاهد من الوهلة الأولى. و يضم المسلسل عددا لا بأس به من نجوم الدراما كـ شيرين رضا؛ وليد فواز؛ سهر الصايغ؛ حورية فرغلي؛ محمد أبو الوفا؛ صفوة و عبد العزيز مخيون. كلٌ في مكانه الصحيح و الأداء الأكثر من رائع. 
 و يكشف لنا المسلسلعدة قضايا من الفساد في ظل حكم مبارك و يصور الصراع الطبقي و يفضح عفونة البعض في الطبقات العليا من رموز الدين للسياسة للصحافة للفن، شبكة هائلة متشعبة و مترابطة من الفساد و المحظوظ فقط هو القادر على التمسك بمبادئه حتى النهاية في ظل تلك الأجواء؛ رشوة و محسوبية و علاقات و حفلات عري و مجون، و ينتهي المسلسل في مشهد رائع لـ حفل تقيمه مبسوطة بعد أن غيرت لقبها فصار (فرحة) و بعد أن غيرت مسارها المهني من متسولة.. فتاة شارع.. راقصة .. لنجمة سينما موهوبة مرضي عنها من رموز الدولة و زوجة لأحد أكبر رجال الأعمال يستضيف فيه نخبة من صفوة المجتمع و المُفترض أن الكاتب يعرضهم لنا (بدون ذكر أسماء) معتمداً على وعي المشاهد في تمييز الأسماء بمفرده، و تتجلى لنا صفوة المجتمع في الصحفي عاطف ربيع و رجل الأعمال المصري الكندي سعيد القصاص و الداعية الإسلامي معتمد للإعلان عن مشاريع هامة تتضمن أعمال خيرية يباركها رجل الدين في ظل الخمور و السُكر و الفتاوى الضالة. لا أدري لماذا ظلت تراودني جملة إحسان عبد القدوس حينما قال "الحياة مباديء.. إبحث عن مبادئك.. تجد حياتك" حينما يتراءى لك كمشاهد سير الأحداث و تطور حياة كل شخصية من البداية حتى النهاية، بالأخص عاطف ذلك المراهق الطيب الذي يساعد أباه في تحضير البسبوسة و يصلي و يؤم المصلين بالجامع إلى نهايته ككاتب فاسد و غيره من الشخصيات، جاءت بعض الألوان طبيعية تعكس تلك الفترة في الثمانينات يصاحبها صور رائعة تعكس تلك الفترة اقتصادياً و اجتماعيا فأخرجت لنا لوحة طبيعية غير مُصطنعة، و كعادة تامر محسن لا تنتهي الحلقة إلا بمشهد إنساني تم إخراجه بمنتهى الجمال و الصدق.

الكل أتقن دوره؛ لكن الجدير بالذكر أن محمد فراج كان في بداياته في تلك الفترة و رغم ذلك استطاع أن يكون غول تمثيل خصوصاً في مشاهده مع النعجة.

روبي و قد تخلت عن جمالها و ظهرت فيما يقرب نصف حلقات المسلسل بنفس الملابس المتسخة و الشعر الأشعث و الأسنان السوداء؛ صادقة في أدائها و تقمصها للشخصية للحد الذي يُشعرك أن رائحة ملابسها قد تصل إليك خلف الشاشة.

فريدة سيف النصر تعشقها و هي النعجة و تحبها و هي الست أصيلة لطيب أصلها و جمال شخصيتها و خفة ظلها تلك السيدة الأصيلة الجدعة و التي جاءت تعبيرات وجهها بريئة صادقة في كل نظرة و كل كلمة، بالإضافة لحركات جسدها الثقيلة التي تعكس إعياؤها و ثقل وزنها، وليد فواز أستاذ تمثيل و صفوة ليست فقط راقصة جميلة بل أيضاً ممثلة شاطرة تعرف جيداً كيف توظف أدواتها في النظرة و الحركة و الهمسة. المسلسل متوفرة حلقاته على اليوتيوب و أُرشحه بشدة.