بين عشية وضحاها تكهربت الأجواء بين روسيا وتركيا على الأراضي السورية المستباحة،فقد قصفت مقاتلات سورية"بحسب ادعاء موسكو" القوات التركية في إدلب مساء السابع والعشرين من فبراير الماضي موقعة ثلاثة وثلاثين قتيلاً ما دفع الجيش التركي للرد بقوة وخشونة على الحلقة الأضعف في اللعبة السورية:
نظام الأسد .
استهدفت المدفعية التركية عشرات المواقع للنظام السوري في حلب وإدلب مدمرة عشرات المواقع العسكرية والدبابات ومتسببة في مقتل ألفين ومائتين عنصر من العصابات الطائفية التي تذبح الشعب السوري الثائر منذ ما يصل لعقد من الزمن وإسقاط مقاتلات سورية تارة عبر المعارضة وتارة عبر سلاح الجو التركي موجهة رسالة تحذيرية شديدة اللهجة للروس:
للصبر حدود .
تسببت العمليات العسكرية التركية المتسارعة في خسارة جسيمة لروسيا ومن ورائها نظام الوريث القاصر،فقد استولت الفصائل الثورية على مدينة سراقب الاستراتيجية التي تتحكم في الطريقين الدوليين دمشق-حلب المعروف بإم -4 وحلب اللاذقية المعروف بإم-5 وبالتالي قطع سيطرة النظام على تلك المناطق وتهديد وجوده العسكري في المناطق التي استولى عليها منذ اتفاقيات خفض التصعيد عام 2017 .
دلالة الرد التركي بهذا العنف غير المعتاد لا تخفى على أحد،فهي تعكس عدم اقتناع الحكومة التركية بتنفيذ سلاح الجو السوري المتهالك والذي استنزف في الحرب الطويلة منذ اندلاع الثورة للغارات التي أصابت الكبرياء العسكري التركي من ناحية،ومن ناحية أخرى تضارب التفسيرات الروسية حول هذه الجريمة .
فقد صرحت وزارة الخارجية الروسية بادئ الأمر أن الجنود الأتراك المغدورين كانوا يقاتلون بجانب الإرهابيين في إدلب "في إشارة لمقاتلي الفصائل الثورية"،ثم عاد وزير الخارجية الروسي لينفي إخبار تركيا لبلاده بوجود جنود أتراك في إدلب وكان لذلك معنى واحداً عند الأتراك:
الروس هم من نفذوا الجريمة .
يرى كثيرون أن الأمر لن يتطور لحرب بين أنقرة وموسكو على الرغم من التشنج في علاقات الجانبين،فلا الاقتصاد الروسي المتداعي يتحمل مغامرة كهذه ولا حكومة العدالة والتنمية ترغب في منح المعارضة العلمانية وفي القلب منها حزب الشعب الجمهوري الفرصة لإفقاده الغالبية البرلمانية أو تقليص سيطرته في الانتخابات البلدية،وكل ما تريده تركيا هو تقوية موقف الثوار السوريين بما يحفظ مصالحها في سوريا عند إجراء أية مفاوضات سياسية مستقبلية حول مصير الشام الممزق .
لكن لا يمكننا كذلك استبعاد مسئولية الحزب الحاكم في تركيا عن تلك الأوضاع والتي أقل ما توصف بالحرجة،فقد ألقى أردوغان بثقله وراء موسكو من خلال تبنيه استراتيجبات خفض التصعيد في مؤتمرات سوتشي وأستانا وقطعه الدعم العسكري عن الثوار السوريين في مقابل سماح روسيا له بالتدخل عسكرياً ضد الانفصاليين الأكراد وتكفل تركيا بنزع سلاح من بقس منهم شرق الفرات.
لكن الرئيس التركي استفاق على كارثة،فروسيا تمددت في سوريا ونكثت يتعهداتها للأتراك وها هي تطعن تركيا في ظهرها لتدفع حكومة العدالة والتنمية ضريبة باهظة لرهاناتها الخاطئة والتي لو استمرت فيها ستعصف بها من السلطة .
-
أحمد زكىصدرت لى عدة كتب سياسية بين 2013 و2018 مثل اغتيال رفيق الحريرى العدالة الموقوتة والأكراد حلم الوطن المستحيل