علاقات روسيا بالغرب .. صراعات جيوسياسية ومصالح متضاربة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

علاقات روسيا بالغرب .. صراعات جيوسياسية ومصالح متضاربة

  نشر في 17 ديسمبر 2022 .

ملخص

تحاول هذه الورقة، من خلال التطرق لمحطات معينة، تسليط الضوء على جزء من العلاقات الروسية الغربية، التي اتسمت عبر التاريخ بالتوتر وتضارب المصالح. سواء في عهد روسيا القيصرية أو في فترة الاتحاد السوفيتي أو في عهد روسيا الحديثة.

في منتصف تسعينات القرن الماضي بدأت القوى الغربية تُضيّق الخناق على روسيا، من خلال ضم عدد من الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي المنهار، مُستغلة في ذلك الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر منها البلاد. والحديث هنا عن دول أوروبا الشرقة ودول البلطيق التي أصبح بعضها جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عضواً في حلف الناتو، فاسحةً المجال أمام قوات هذه المنظمة للاقتراب من الحدود الروسية، والبعض الآخر يتوق إلى الانضمام للتكتل الأوروبي. فرأت موسكو في هذا الاقتراب من حدودها تهديداً لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، وسبباً لاتخاذ خطوات للحد من التوسع الغربي في اتجاه الشرق.

ولم تكتف روسيا بدور المدافع، بل دخلت في صراعات شبه مباشر مع الغرب، سواء في جورجيا أو في أوكرانيا واستطاعت لحد الآن وقف الزحف الغربي نحو حدودها. لكنها في المقابل تلقت ضربات سياسية واقتصادية موجعة، حاولت تحويلها إلى حافز لتطوير صناعتها الداخلية.

روسيا فقدت مصالح كثيرة ومواقع استراتيجية مهمة بسبب الأحداث التي عرفتها الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحتى لا يتكرر سيناريو العراق وليبيا لم تتردد موسكو في تلبية طلب دمشق لدخول سوريا والوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد في مواجهة معارضيه المدعومين من الغرب، ثم الحفاظ على تواجدها في المنطقة واستعراض قدراتها القتالية والديبلوماسية.

علاقات روسيا بالغرب .. صراعات جيوسياسية ومصالح متضاربة

المقدمة

في القرن التاسع عشر، كتب الشاعر الروسي فيودور تيوتشيف: "لا تُفهم روسيا بالعقل"، وقد أصبحت هذه الجملة مثلاً يضربه الروس للتعبير عن الخصوصيات التي تتميز بها روسيا وشعبها عن باقي دول العالم. وأظن أن هذا المثل ينطبق أكثر من أي وقت مضى على الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في روسيا الآن. فمن جهة، أقامت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة حصاراً اقتصادياً وسياسياً عليها، ولا تفكر إلا في تشديدها، وتتميمها بحزمات جديدة من أجل تركيع الدب الروسي، وجعله يتراجع عن مخططاته. لكن في المقابل نجد الكريملين لا يزداد إلا إصراراً على المضي قدماً في اتجاه تحقيق مبتغاه. ويعتبر الخبراء والسياسيون وحتى المواطنون العاديون أن هذه العقوبات بمثابة الصدمات الكهربائية التي أعادت المنتجات الوطنية الروسية إلى رفوف الأسواق التجارية بعدما كادت أن تختفي نهائياً تاركةً المكان للمنتجات المستوردة. فالحاجة إلى تعويض ما فُقد من منتجات وخدمات في السوق الروسية، سواء بسبب العقوبات الغربية أو العقوبات الروسية المضادة، التي فرضتها موسكو على المنتجات الأوروبية والأمريكية والكندية والأسترالية ومنتجات الدول الأخرى المشاركة في الحصار عليها، دفعت الآلة الإنتاجية الروسية إلى الدوران من جديد وفرضت على السلطات اتخاذ إجراءات متنوعة، ويبدو أنها نجحت في تحقيق نتائج إيجابية، وإن كان المتتبعون يختلفون حول حجمها، إذ يقوم الموالون للكرملين بتضخيمها ويصر المعارضون على تقزيمها، لكن يتفق الإثنان على أن العقوبات حتماً لم تعط النتائج المرغوب فيها والتي كانت تتوقعها واشنطن وحلافاؤها، وهو ما تؤكده حتى بعض المصادر الإعلامية الغربية كصحيفة فرانكفورتر تسايتونغ نقلاً عن وكالة الأخبار "رويترز"، التي كتبت: "يبدو أن الاقتصاد الروسي يحقق النجاح رغم انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية" ، وبرهنت الجريدة على خلاصتها هاته بتقرير دائرة الإحصاءات الاتحادية الروسية، التي قالت في تقريرها الصادر في شهر أغسطس / آب 2017 أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا حقق في الربع الثاني من سنة 2017 نمواً بنسبة 2.5 % مقارنة بنفس الفترة من سنة 2016. وتؤكد نفس الجريدة أن مثل هذا النمو السريع لم يُسجل في روسيا إلا في سنة 2013، لكن هذا النمو تباطأ قبل أن يدخل في الركود سنة 2015، يعني بعد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.

بوتين.. العلبة السوداء

لم تتسم يوماً العلاقات الروسية الغربية بالسلاسة، بل كانت على الدوام مشحونة بالتوتر والصراعات الجيوسياسية. ويبدو أن أزهى أيامها كانت في فترة حكم الرئيس الراحل بوريس يلتسن، رغم أنها في الواقع كانت علاقة غير متكافئة – بين تكتل قوي اقتصادياً ومنسجم إديولوجياً بدولة انبعثت من تحت حطام تكتل آخر، مناقض تماماً للتكتل الغربي، وهي غارقة في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وما بيدها حيلة إلا الإذعان والموافقة على ما يُملى عليها من الغرب. وبقيت الحالة على هذا المنوال لمدة عقد من الزمان تقريباً، إلى أن ظهر الرئيس الحالي لروسيا – فلاديمير بوتين، الذي لم يتوقع مجيئه أحد ولم يعرف الغرب عنه شيئاً، وهذا ما جعل الصحافية ترودي روبين من يومية فيلادلفيا انكوايرر الأمريكية، الحائزة على جائزة بوليتزر، تطرح على الوفد الرسمي الروسي المشارك في منتدى دافوس سنة 2000 في سويسرا السؤال: "من هو السيد بوتين؟" (Who is Mr. Putin?)، فالتزم الوفد الروسي، الذي كان يرأسه الوزير الأول أنذاك، ميخائيل كاسيانوف، الصمت ولم يجب عن السؤال، فيما انفجرت القاعة بضحك الحضور، فبقي السيد بوتين علبةً سوداء بالنسبة للغرب.

يشهد الروس بمن فيهم زعيم الحزب الشيوعي الروسي المعارض، غينادي زوغانوف، بالدور الذي لعبه الرئيس بوتين في استعادة روسيا لمكانتها السياسية على الساحة الدولية. فهو لم يمهل الغرب كثيراً ليعطيه إشارة بأن التعامل مع روسيا سيختلف عما كان عليه قبل مجيئه. ففي نوفمبر / تشرين الثاني من عام 1999 حضر رؤساء الدول والحكومات الغربية للمشاركة في قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى إسطمبول وهم يظنون أن الرئيس الروسي بوريس يلتسن سيبرر ويشرح أسباب الحرب الثانية في الشيشان، لكن في المقابل لم يسمعوا يلتسن المعهود، بل يلتسن آخر، يقرأ خطاباً مختلفاً، بل هجومياً، وتفاجأوا وهو ينعث الغرب بالنفاق، ونهج سياسة الكيل بمكيالين، ولم يسلم حتى صديقه بيل كلينتون من هجومه، إذ قال موجهاً له الكلام "إن الهجوم على يوغزلافيا جرد كلينتون من حق إعطاء الدروس لروسيا حول طريقة تعاملها مع الإرهابيين فوق أراضيها الخاصة" . ويؤكد المهتمون أنه ما كان لبوريس يلتسن أن يكون عنيفاً في خطابه هذا لو لم يكن بوتين على رأس حكومته. وبعد أن أنهى الرئيس الروسي تدخله، لم يجرؤ أعضاء المنظمة على أنتقاد روسيا في تدخلاتهم، لكن بيل كلينتون، الذي تخلى عن الكلمة التي كان قد هيأها من قبل وارتجل كلمة أخرى، اعتبر أن استعمال القوة في الشيشان من طرف روسيا لا يستحق أن يكون ضمن الإرث الذي سيخلفه يلتسن، ثم أشاد بكل ما قام به صديقه يلتسن لصالح روسيا من أجل أن يضعها على طريق الديمقراطية. وقبل أن يختم كلامه، أوضح أنه إذا كانت روسيا تريد المضي قدماً في هذا المسار (الديمقراطي) بمساعدة الغرب، فإنه عليها أن تعيد النظر في هذه الحرب، فكانت هذه بداية الخلافات بين روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي والغرب، وكان خطاب بوريس يلتسن آخر خطاب له كرئيس يلقيه في قمة دولية.

استقال بوريس يلتسن فجأة في نهاية سنة 1999، قبل أن ينهي عهدته الثانية، التي بقي منها ستة أشهر، تاركاً مكانه لفلاديمير بوتين، الذي سيقوم بمهام الرئيس إلى أن أُجريت الانتخابات في مارس / آذار 2000، والتي ثبتته رئيساً لروسيا، وانطلقت مرحلة أخرى من تاريخ العلاقات الروسية مع الغرب، والتي ستتسم في أغلب الأحيان بالتوتر والصراع.

الغرب يخسر المعركة في الشيشان .. والحرب مُستمرة

لم أتكلم عن حرب الشيشان الأولى (1994 – 1996) لأنها انتهت بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار يوم 31 أغسطس / آب من عام 1996، وخُروج القوات الروسية من جمهورية إتشكريا الشيشانية، وتأجيل النظر في وضع الجمهورية إلى وقت لاحق.

جاء فلاديمير بوتين للسلطة والحرب الثانية مشتعلة في جمهورية إتشكريا الشيشانية، والقوات الروسية تتكبد الخسائر سواء في الأرواح أو العتاد، وفاتورتها ترتفع، وأصبحت المنطقة قبلةً للمرتزقة من كل أنحاء العالم، بما في ذلك من دول الاتحاد السوفيتي المنهار. ومع استمرارها ازداد المؤيدون داخل روسيا للسلم مع الشيشانيين. فإذا كان في نهاية 1999، أي مع وصول بوتين لقيادة البلاد، أكثر من 60% من سكان روسيا يؤيدون الحل العسكري للنزاع، فإنه في بداية النصف الثاني من 2001، صار 58% من السكان يؤيدون وقف العمليات العسكرية ومباشرة المفاوضات مع الثوار، حسب استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات "ليفادا". ورغم ذلك قرر رئيس الكرملين أن يقطع مع سياسة الحوار التي اتبعها سلفه، وهي سياسة لم تكن اختياراً وإنما أملتها الوضعية التي كانت تعيشها البلاد والضغوطات الأجنبية المساندة للشيشان، ولغيرهم ممن كانوا يطمحون للانفصال عن روسيا، ونزل بوتين بكل ما أوتي من قوة غير آبهٍ بالانتقادات الموجهة له وبالخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد من كلا الطرفين وفي صفوف المدنيين. ويُقدر عدد ضحايا هذه الحرب (1999-2004) في صفوف المدنيين بـحوالي 20 ألف شخص بالإضافة إلى 5 آلاف مفقود، حسب مركز حماية حقوق الإنسان "ميموريال" ، الذي يؤكد أن أحداً لا يعرف العدد الحقيقي للقتلى، لأنه لم يقم أحد بإحصائهم وتسجيلهم.

وقفت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد موسكو وكالت لها الانتقادات والاتهامات، وحاولت استصدار قرارات تدينها في مجلس الأمن، لكنها لم تستطع رغم أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة صوتوا لصالح القرار، وهذا ما جعل الاتحاد الأوروبي يتراجع سنة 2005 عن تقديم مشروع قرار آخر ضد روسيا حول الشيشان، لأنه بكل بساطة أصبح واضحاً أن الشيشان لن تخرج من أسوار روسيا. وهو ما حصل بالفعل يوم وضعت الحرب أوزارها في 16 أبريل / نيسان من العام 2009، فخسر الغرب هذه الجولة من الصراع الجيوسياسي بينه وبين موسكو. لكن كما يُقال من خسر معركة لا يعني أنه يخسر الحرب، وما هذه الا بدايتها.

الثورة البرتقالية

إذا كان الخلاف الأول بين روسيا والغرب هو خلاف استراتيجي وسيادي في نفس الآن، مادامت روسيا تعتبر الجمهورية الشيشانية كياناً من الكيانات المكونة لها، والغرب يرى في تفكيك روسيا انتصاراً وتوسعاً له وفي ضعفها قوة له، فإن الصراع حول أوكرانيا هو صراع جيوسياسي، صراع من أجل النفوذ والهيمنة.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي انضمت تدريجياً جل دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق الثلاثة (إستونيا ولاتفيا ولتوانيا) إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي إلى حلف الناتو وسمحت لهذه المنظمة الحربية بالاقتراب من الحدود الاستراتيجية لروسيا، ومن ثم بتهديد أمنها القومي من خلال نصب منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية في كل من رومانيا وبولونيا، وهو ما عارضته بشدة موسكو، فيما حاولت أمريكا طمأنتها مدعية أن المنظومة غير قادرة على التصدي للصواريخ الروسية، وهي مُوجهة بالأساس ضد الاعتداءات المحتملة من قبل إيران ، إلا أن الجانب الروسي لم يثق بنظيره الأمريكي، كما يُفهم من كلام الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، رداً على تبريرات الولايات المتحدة: "روسيا ستتخذ الإجراءات لتقوية قدرات قوتها النووية الاستراتيجية" . وأوضحت موسكو في أكثر من مناسبة بأن الغرب على علم بأن إيران لا تتوفر على أسلحة يتطلب التعرض لها مثل هذه المنظومة، وبالتالي فإنها موجهة ضد روسيا.

لم يبق يفرق بين الحدود الروسية وقوات حلف الناتو إلا دولة أوكرانيا، التي يحلم شعبها بالانضمام لأوروبا والتمتع بالحقوق التي يتمتع بها المواطن الأوروبي، وبالتالي، فإن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الغرب ما هي إلا مسألة وقت - إلى أن يصل الوقت المناسب والشخص المناسب بتوجه غربي لكرسي الرئاسة في كييف. وحول هذه المسألة سيدور مسلسل الصراعات المقبلة بين موسكو والغرب.

وقد حل الوقت المناسب والفرصة المواتية سنة 2004 -الانتخابات الرئاسية. ومر للدور الثاني مرشحان، واحد يرى مستقبل البلاد في التعاون اللصيق بموسكو، وهو فيكتور يانوكوفيتش، والثاني، فيكتور يوشينكو، الذي يرى أن مستقبل البلاد مع الغرب. ومباشرة بعدما أعلنت اللجنة المركزية الأوكرانية للانتخابات عن النتائج الأولية للطور الثاني من الاستحقاقات الرئاسية في 22 من شهر نوفمبر / تشرين الثاني من العام 2004، بفوز فيكتور يانوكوفيتش بفارق 3% عن منافسه فيكتور يوشينكو، خرج المواطنون للشوارع في عدد من المدن للاحتجاج رافعين أعلاماً برتقالية اللون، وهو لون المرشح "المنهزم" فيكتور يوشينكو، وكان ذلك سبب تسميتها بالثورة البرتقالية. وأشار مؤيدو المرشح يوشينكو في أوكرانيا والمتتبعون في أوروبا وأمريكا بأصبع الاتهام نحو روسيا. لأن المرشح الفائز موالٍ لموسكو. وشكك العديد من المتتبعين والملاحظين في نزاهة هذه الانتخابات، مؤكدين وقوع خروقات جعلت كفة أصوات المواطنين تميل لصالح مرشح موسكو، ولو بنسبة صغيرة. واستمرت الاحتجاجات حتى يناير / كانون الثاني من سنة 2005. وخلال هذه المدة، أي منذ اندلاع الثورة إلى تاريخ انتهائها، أعلنت المحكمة العليا في أوكرانيا في ديسمبر/ كانون الأول 2004 أنه من المستحيل تحديد الفائز بالانتخابات، وبالتالي ألغت نتائجها وحددت 26 من نفس الشهر موعداً لإعادة الدور الثاني منها، فانهزم فيكتور يانوكوفيتش وفاز المرشح الموالي للغرب فيكتور يوشينكو بفارق 8%.

هذه الانتخابات أبانت عن المكانة الاستراتيجية الكبيرة التي تحتلها أوكرانيا بالنسبة لروسيا من جهة وللغرب من جهة أخرى. روسيا تفضل فوز فيكتور يانوكوفيتش، الذي راهن على مزيد من الاندماج في رابطة الدول المستقلة، المتزعمة بدون أدنى شك من طرف موسكو، فيما الغرب يؤيد فيكتور يوشينكو الذي وضع على رأس برنامجه الانتخابي الانضمام أولاً للاتحاد الأوروبي ثم لمنظمة حلف شمال الأطلسي، معتبراً أن سيادة أوكرانيا لا يمكن أن تكون مصونةً ومضمونةً إلا داخل هاتين المنظمتين.

فاز الغرب إذن على روسيا من خلال فوز فيكتور يوشينكو بكرسي الرئاسة، الذي سحبه عملياً من تحت غريمه مرشح موسكو فيكتور يانوكوفيتش، لكن هذا الفوز لم يضع حداً للصراع بين الكريملين من جهة والاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة أخرى. ووجد الرئيس الأوكراني نفسه بين مطرقة مؤيديه الموعودين بالانضمام للاتحاد الأوروبي وسندان الإصلاحات التي يجب عليه أن يقوم بها على كل المستويات ليقبل الأوروبيون بدولته عضواً في منظمتهم. ومع مرور الوقت بدأت أحلام مؤيديه من شعبه تتبدد ومعها تقل شعبيته، وصار من الواضح أن الأولوية التي كان يعطيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قبل الانضمام لحلف الناتو في دعاياته الانتخابية، ربما أعطت أكلها في صناديق الاقتراع، لكن تحقيقها أصبح بعيد المنال، ومن الأسهل أن يمر عبر منظمة الناتو إلى العضوية في الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن بلاده عضو في منظمة الأمن والتعاون الأوروبية. ولهذا بادر الرئيس فيكتور يوشينكو والوزيرة الأولى لحكومته، يوليا تيماشينكو ورئيس الغرفة العليا للبرلمان الأوكراني أرسيني ياتسينوك، في منتصف يناير / كانون الثاني من سنة 2008، إلى بعث رسالة إلى الأمانة العاملة لحلف الناتو، يعبرون فيها عن رغبة بلادهم في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي . لكن رغبة كييف بقيت دون استجابة، بدعوى غياب التوافق بين السياسيين الأوكرانيين بهذا الشأن، كما أن لأغلبية الشعب الأوكراني نظرة سلبية حول مستقبل بلادهم داخل هذه المنظمة العسكرية ، حسب ما صرح به الوزير الأول البلجيكي، إيف ليتريم، أثناء زيارته لأوكرانيا وتباحثه مع رئيسها في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2008. ويبدو من كلامه هذا أن أوروبا نفسها غير مُتحمسة بما فيه الكفاية لرفع عدد أعضاء منظمتها العسكرية، وهو شعور يمكن تفسيره من خلال المشاكل التي واجهتها المجموعة الأوروبية بسبب انضمام دول أوروبا الشرقة والبلطيق لها. كما أن الظروف الجيوسياسية آنذاك لم تكن مواتية، بسبب التوتر في المنطقة وخاصة المواجهات العسكرية الروسية الجورجية.

ثورة زهور لم تتفتح

أدت ثورة الزهور التي اندلعت في جورجيا إلى استقالة الرئيس إدوارد شيفرنادزه في نوفمبر / تشرين الثاني من العام 2003، ورغم أنه كان من صقور الاتحاد السوفيتي في عهد حكم ميخائيل غورباتشوف، وكان، كما يقول الروس، حينئذ لا يتوانى في الجهر بأن الشمس تشرق من موسكو، تعبيراً على ولائه وحبه لها، فإن العلاقات بين تبيليسي وموسكو في فترة حكمه كانت متوترة والخلافات متعددة، أهمها حول وضع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، اللتين وجدتا في تفكك الاتحاد السوفيتي فرصة لإعلان استقلالهما عن جورجيا، وتلقتا الدعم من موسكو.

وفي يناير/ كانون الثاني من سنة 2004 حملت صناديق الاقتراع ميخائيل ساكاشفيلي لكرسي الرئاسة، وهو شاب قضى وقتاً ليس بالهين في الجامعات الأمريكية والأوروبية وفي المنظمات الدولية والأوروبية المهتمة بحقوق الإنسان، ويطمح للتعامل الكلي مع الغرب والقطع مع روسيا، وهو ما أذكى الخلاف.

وبعد مرور أربع سنوات على حكمه، تزامناً مع الانتخابات الرئاسية في جورجيا عام 2008، تم تنظيم استفتاء حول انضمام هذه الدولة إلى حلف الناتو، وصوت 77% من الناخبين لصالح الانضمام. وفاز للمرة الثانية ميخائيل ساكاشفيلي بالرئاسة. وفي شهر فبراير/ شباط من نفس السنة، بعث برسالة إلى الأمين العالم للناتو يعبر فيها عن استعداد جورجيا للانضمام لخطة العمل من أجل الحصول على العضوية في الناتو . وتلقى كما تلقى من قبله نظيره الأوكراني الجواب بالإيجاب، لكنه مغلفاً بالكثير من الديبلوماسية في بداية شهر أبريل/ نيسان في قمة بوخاريست، حيث وافقت الدول الأعضاء في الناتو على انضمام جورجيا لها، لكن ليس حالاً بل عندما تستوفي الشروط المفروضة على أعضاء هذه المنظمة ، وهو الجواب الذي يُبقي أمل تبيليسي مفتوحاً وحلمها مُعلقاً إلى حين، وفي نفس الوقت يخفف من قلق موسكو، ويعطيها إشارةً بأن حلف الناتو لا يرغب في الاصطدام بها.

لكن روسيا لم تتريث ولم تنمق ردها بالديبلوماسية، وعبرت بكل وضوح عن امتعاضها وموقفها الرافض لأي اقتراب للناتو من حدودها، وأكدت على أن أي تحرك لهذه المنظمة العسكرية نحو الشرق بمثابة تهديد لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة. بل وهددت على لسان رئيس هئية الأركان العامة للقوات الروسية يوري بالوييفسكي باتخاذ إجراءات مضادة: "إذا انضمت جروجيا للناتو، ستكون روسيا مضطرة لاتخاذ "الإجراءات العسكرية وغيرها" للحفاظ على مصالحها بالقرب من حدودها الوطنية" . ومن جانبه أكد الوزير الأول الروسي آنذاك، الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، عن استعداد بلاده لمؤازرة زعماء أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وحذر من أي ضغوطات عليهما سواء اقتصادية كانت أم سياسية أو عسكرية، وهو ما يعني بوضوح أن روسيا أصبحت الراعية الأولى لهاتين الدولتين غير المعترف بهما دولياً.

ازدات التوترات في المنطقة بين جورجيا من جهة وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المدعومتان من روسيا من جهة ثانية. وتكررت ما من مرة اتهامات جورجيا للقوات الروسية المرابطة في هذه المنطقة بهدف حفظ السلام بدعم "الانفصاليين" ثوار أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وأدى تحرك تبيليسي لإرغام الثوار على العدول عن مخططاتهم الانفصالية، إلى دخول روسيا طرفاً في هذه الحرب. وفي أغسطس/آب من سنة 2008، تحركت القوات الروسية بعتادها نحو الحدود الجورجية، وانتهت الحرب التي لم تدم إلا خمسة أيام بتوقيع مخطط التسوية السلمية للنزاع، من طرف رئيس روسيا دميتري ميدفيدوف ورئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي ورئيسيْ أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، سيرغي باغابش وإدوارد كوكويتي، بوساطة الرئيس الفرنسي حينئذ نيكولا ساركوزي.

هذه الحرب وإن لم تجلب لروسيا مجداً عسكرياً، ما دامت موازين القوى هنا لا يمكن مقارنتها، فإنها جلبت لها مزايا جيوسياسية واقتصادية مهمة، حيث أن روسيا اعترفت باستقلال جمهوريتي أبخازيا واوسيتيا الجنوبية في صيف 2008، وبالتالي وضعت حاجزاً بينها وبين جورجيا الموالية للغرب، وسبباً للتدخل إن تطلب الأمر. كما أن هذه الحرب جعلت حلف شمال الأطلسي يتريث في ضم جمهورية جورجيا لصفوفه، واكتفت الدول الغربية ودول الناتو بمساندة تبيليسي في تنديدها بقرار موسكو، الذي اعتبرته غير قانوني ويخرق سيادتها، وطالبت بإلغائه، وهو ما لم يحصل لحد اليوم.

أوكرانيا ... مرة أخرى

يبدو أن أوكرانيا صارت بمثابة "ستالينغراد" بالنسبة لروسيا، فإن سقطت في يد الغرب، خسرت روسيا الصراع الجيوسياسي في المنطقة. ولهذا فإن موسكو لا تترك أية فرصة كيف ما كانت أهميتها إلا واستغلتها لصالح تقوية مكانتها في هذا البلد، والفرصة هذه المرة تكمن في الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت في 17 من شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2010. وهي الانتخابات التي وصل إليها الرئيس فيكتور يوشينكو، حليف الغرب مفلساً سياسياً، وسجله مملوء بالوعود المعلقة، التي كان يوزعها على الناخبين في حملاته الانتخابية منذ خمس سنوات مضت، والتي من أجلها خرج الشعب للشوارع في الثورة البرتقالية، وعلى رأس هذه الوعود الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فلم يتجاوز الدور الأول من هذه الانتخابات، محتلاً المرتبة الخامسة بحصوله على أقل من 6% من أصوات الناخبين، بينما حصل غريمه اللذوذ المرشح الموالي للكرملين، فيكتور ينوكوفيتش على أكثر من 35% من الأصوات متبوعاً بالمرشحة يوليا تيموشينكو، رئيسة حكومة أوكرانيا من ديسمبر/ كانون الأول 2007 إلى مارس / آذار من سنة 2010، وهي بدورها ذات توجه غربي وعلاقتها متوترة مع موسكو، ويرى فيها الغرب خلفاً للرئيس المهزوم.

ولم يكن الدور الثاني من هذه الانتخابات إلا فرصة لتأكيد فوز فيكتور ينوكوفيتش يوم 25 فبراير/ شباط 2010 بفارق بسيط لم يتجاوز 3.5% على منافسته يوليا تيموشينكو، وهو الفوز الذي ينطوي على فوز آخر لموسكو على الغرب.

وأثناء حملته الانتخابية أكد يونوكوفيتش أن الشعب الأوكراني لا يرغب في الانتماء لأي تجمع عسكري، ويجب احترام هذه الرغبة ووضعها في الحسبان. وعبر عن رغبته في إعادة الاعتبار للغة الروسية، من خلال جعلها لغةً رسميةً ثانيةً في البلاد. ومن المؤكد أنه لم يتكلم عن هذين الموضوعين صدفةً، بل مُتعمداً نظراً لأهميتهما لدى موسكو من جهة ولدى الغرب من جهة ثانية. فهو ينوي فعل عكس ما يفعله منافسوه الموالين للغرب – الانضمام لحلف الناتو وتهميش اللغة الروسية واعتبارها غير ذات فائدة، رغم أنه حسب استطلاع للرأي، نشرته مؤسسة غالوب الأمريكية في فاتح أغسطس/آب من العام 2008، فإن 83% من المستجوبين الأوكرانيين يفضلون استعمال اللغة الروسية للتواصل . وكانت اللغة الروسية وما تزال لحد الآن من القضايا التي تزيد من توتر العلاقات بين البلدين الشقيقين الجارين، وكلما ازداد التوتر بينهما ارتفعت أصوات المعادين لها في أوكرانيا، بل هناك من يطالب بإلغائها من المقررات الدراسية في المدارس ، وفي المقابل لا تتوانى موسكو في التعبير عن استعدادها للدفاع عن الأقليات الروسية والناطقين باللغة الروسية، بل وحتى التدخل في أية دولة كانت فيما مضى جزءاً من الاتحاد السوفيتي بحجة حماية الروسيين والناطقين بلغة بوشكين، وهو ما يُفهم من كلام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: "نحن سندافع دائماً عن الإثنيات الروسية في أوكرانيا، وعن تلك الفئة من الشعب الأوكراني التي تشعر بارتباطها ليس فقط إثنياً، ولكن ثقافياً ولغوياً بروسيا، وتحس على أنها جزء من العالم الروسي الواسع. ونحن بطبيعة الحال لن نراقب باهتمام فقط، بل سنرد بالطريقة المناسبة. وأتمنى ألّا نحتاج لاستعمال القوات العسكرية لهذا الغرض" .

بعد تسلم فيكتور ينوكوفيتش الحكم، واصلت حكومته المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وواصل هو نفسه الكلام عن ضرورة الشراكة مع الغرب من أجل العضوية في المستقبل، وفي نفس الوقت يحبذ لو أن هذه الشراكة تمتد من موسكو إلى بروكسل عبر كييف. وتوصل الطرفان في نهاية 2011 إلى اتفاق عقد شراكة في إطار ما يعرف بـمبادرة "التعاون الشرقي" لإنشاء منطقة للتجارة الحرة، لكن التوقيع على هذا الاتفاق تم تأجيله لمرات عديدة نظراً للصعوبات التي تخللت العلاقات الأوروبية الأوكرانية، والشروط المسبقة التي وضعتها أوروبا. وأقصى ما تم تحقيقه في هذا الإطار هو التوقيع عليها بالحروف الأولى من طرف رؤساء البعثات الأوروبية والأوكرانية في 30 مارس / آذار من العام 2012. وكان المسؤولون في أوروبا متأكدين أن الأمور تسير كما هو مُخطط لها، وكييف ستوقع على الإتفاق في قمة "التعاون الشرقي" في عاصمة ليتوانيا فيلنيوس شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العالم 2013. وبالفعل طار الرئيس الأوكراني للمشاركة في القمة، لكن قبل ذلك طار إلى موسكو وأجرى مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين.

الرئيس الروسي أكد في أكثر من مرة أن توقيع الاتفاقات بين أوكرانيا والإتحاد الأوروبي هو خيار سيادي، لكن في حال توقيع اتفاق شراكة، فإن روسيا ستكون مضطرةً إلى حماية مصالحها الاقتصادية وأسواقها من البضائع الأوكرانية، وطرح قضية إقصاء أوكرانيا من المنطقة التجارية الحرة لمنظمة رابطة الدول المستقلة، ونفس الموقف عبر عنه رئيس الحكومة دميتري ميدفيديف.

ُيفهم من هذا أن روسيا ترى في مبادرة "التعاون الشرقي" تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في أوروبا الشرقية، وإضعافاً لتأثيرها السياسي في هذه المنطقة وتقويةً لموقف الإتحاد الأوروبي بها. وتهديداً لمنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، التي تعتبر روسيا أحد المُوجهين الكبار لسياستها. وفي هذا السياق يرى العديد من المحللين السياسيين الروس أن الاتحاد الأوروبي يريد تشتيت تكتلات دول الاتحاد السوفيتي سابقاً بمساعدة " التعاون الشرقي" وإخراج دول رابطة الدول المستقلة من تحت تأثير الكرملين.

وعوض أن يوقع الرئيس الأوكراني على الاتفاقية في قمة فيلنيوس ويقبل بشروطها، فاجأ زعماء أوروبا أثناء إلقاء كلمته بلائحة من الشروط، معظمها مالية واقتصادية، وختم كلمته بمطالبة الاتحاد الأوروبي بأن يؤيد الشراكة التي تكون موسكو طرفاً فيها (أوكرانيا – الاتحاد الأوروبي – روسيا) . وعاد لبلاده ليعلن أنه سيزور الصين في شهر دسمبر/ كانون الأول من نفس السنة (2013)، في إشارة واضحة إلى أنه لأوكرانيا خياراتٍ أخرى غير الاتحاد الأوروبي لحل مشاكلها المالية والاقتصادية. وبعد الزيارة للصين تحدث عن تحقيق نتائج مهمة لزيارته هاته لخصها في أكثر من 8 ملايير دولار، ستضخها بكين كاستثماراتٍ في الاقتصاد الأوكراني .

في هذا الوقت كانت الاحتجاجات التي انطلقت في معظم مدن أوكرانيا مباشرةً بعدما رفض رئيس البلاد توقيع اتفاقية "التعاون الشرقي"، تكبر وتتعاظم ورقعتها تتوسع، وأدت إلى شل جل مرافق البلاد، وفي النهاية إلى الإطاحة بفيكتور ينوكوفيتش في 22 فبراير/ شباط 2014. ويقول الخبراء أنه لو تم توقيع هذا الاتفاق لجنى فيكتور ينوكوفيتش فوائد كثيرة، أهمها ضمان ولاية ثانية عبر الفوز في انتخابات 2015، لكن عوض ذلك، أدخل البلاد في أزمة سياسية ستتطور فيما بعد إلى حرب أهلية في شرق أوكرانيا وإلى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. ورغم أن الحكومة الأوكرانية التي جاءت بعد الإطاحة بـ ينوكوفيتش وقعت على هذه الاتفاقية وصادق عليها البرلمان، إلا أن العمل بها تم تأجيله إلى نهاية 2015 باتفاق روسي أوروبي أوكراني. ولم يدخل حيز التنفيذ إلا في فاتح أغسطس/ آب من العام 2017.

"استرجاع" شبه جزيرة القرم

منطقة البحر الأسود كانت دائماً منطقة استراتيجية وجيوسياسية بالنسبة لروسيا، ففي عهد القيصر بطرس الأكبر، الذي تعلم صناعة البواخر في هولندا، وأسس الأسطول الحربي لروسيا، ظهرت الحاجة إلى منفذ على البحر للوصول إلى المحيط الأطلسي مروراً بالبحر الأبيض المتوسط، لكنه اصطدم بالإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على بحر آزوف والبحر الأسود، ودارت حرب ضروس حول السيطرة على المنطقة، أولاً بين القيصر الروسي بطرس الأكبر والإمبراطورية العثمانية، التي دامت من سنة 1735 حتى عام 1939، وانتهت بتوقيع معاهدة بلغراد وتسليم بحر آزوف لروسيا. لكن هذا النصر لم يضمن للقيصر الروسي إتمام مخططاته، التي كانت تهدف إلى التحرك الحر لسفنه ما بين البحر الأسود والمحيط الأطلسي مروراً بالبحر المتوسط.

أمنية بطرس الأكبر لم تتحقق إلا بعد 37 سنة تقريباً على وفاته، على يد الإمبراطورة كاترين الثانية، التي ضمت بصفة نهائية سنة 1783 بمرسوم شبه جزيرة القرم للدولة الروسية ، بعد فوزها في الحرب الروسية العثمانية، التي وقعت في الفترة ما بين سنة 1769 وعام 1774، وأنشأت أول قاعدة للأسطول الروسي هناك.

وفي عهد الاتحاد السوفيتي، ازدادت الأهمية الاستراتيجية لشبه جزيرة القرم، فبالإضافة إلى أسطول البحر الأسود، كانت للإتحاد السوفيتي في مدينة سيفاستوبول بشبه الجزيرة، وبالضبط في خليج بالاكلافا قاعدة سرية تحت أرضية لغواصاته. وبقيت شبه جزيرة القرم جزءاً من جمهورية روسيا السوفيتية إلى أن قرر الزعيم نيكيطا خروشوف تسليمها إلى أوكرانيا، دون أن يقدم تفسيراً لذلك، رغم أن بعض أعضاء مجلس السوفيت الأعلى استفسروا الأمر وعبروا بشكل جد محتشم عن رفضهم لمبادرة الزعيم، لكنهم وافقوا على مضض وانصاعوا لرغبته، الشيء الذي يفسره غياب أكثر من نصفهم يوم اجتماع الحسم لتفويت شبه جزيرة القرم لأوكرانيا، إذ لم يحضر إلا 13 من أصل 27 عضو، واكتفى المتغيبون بإرسال برقيات لتبرير غيابهم. وقد وصف المفكر الروسي ألكسندر سولجنيتسين فيما بعد هذا التفويت بـ"الخيانة".

وكانت الفرصة سانحة أمام روسيا لاسترجاع شبه الجزيرة، أثناء التفاوض على اتفاق تفكيك الاتحاد السوفيتي، لكنها لم تُستغل وبقيت شبه الجزيرة ضمن مكونات الدولة الأوكرانية، بموجب اتفاقية بيلوفيجسك في روسيا البيضاء، والتي أُعلِن فيها عن الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة، ونهاية الاتحاد السوفيتي.

مرة أخرى فقدت روسيا شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، حيث تتواجد منشآت عسكرية ذات أهمية قصوى، وأسطول عظيم، وهو ملك مشترك، لكنه بكامله يتواجد داخل الحدود السيادية لدولة أخرى، تحاول التخلص من ماضيها الذي كان يجمعها بموسكو، والفوز بأكبر قدر ممكن من ميراث الاتحاد المنهار.

وهكذا، في 24 أغسطس/ آب من العام 1991، مباشرة بعد الإعلان عن استقلال أوكرانيا، حاولت كييف السيطرة على أسطول البحر الأسود المتواجد كله في مياهها الإقليمية، لكن روسيا مع باقي أعضاء رابطة الدول المستقلة، لم يوافقوا على قرارها هذا. واجتمعوا في 30 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1991 في عاصمة بلارسويا مينسك، حيث تم توقيع مجموعة من الوثائق تهم الجانب العسكري، والتي بموجبها تم إلغاء وزارة الدفاع السوفيتية، وتعويضها بالقيادة العليا للقوات العسكرية لرابطة الدول المستقلة. وأصبح لهذه الدول الحق في إنشاء جيوشها الخاصة، على أساس ما تبقى من بنى تحتية ومعدات عسكرية سوفيتية ووحدات عسكرية فوق أراضيها. وفي نفس الوقت تم تحديد المنشآت العسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية واتفقوا على أن تبقى تحت إمرة قيادة موحدة، ومن بين هذه المنشآت أسطول البحر الأسود.

ورغم هذا الاتفاق، قام الرئيس الأوكراني أنذاك ليونيد كرافتشوك بتوقيع مرسوم في أبريل/ نيسان من العام 1992 يجعل أسطول البحر الأسود تحت إمرة وزارة الدفاع الأوكرانية، الشيء الذي أغضب روسيا ودفع بالرئيس الروسي بوريس يلتسن، بعد يومين من تاريخ المرسوم الأوكراني، إلى إصدار مرسوم مُضاد يجعل أسطول البحر الأسود تحت الإدارة الروسية. ويحكي قائد هذا الأسطول في تلك الفترة في مذكراته أن الفضل في كون الأسطول آل إلى روسيا يرجع إليه وإلى البحارة الذين كانوا معه، لأنهم لم يرضخوا لضغوطات وإغراءات أوكرانيا، فيما يلتسن كان ينوي إهداءه لكييف، لكن تم إقناعه بأن روسيا في حاجة إلى هذا الأسطول. ولو لم يحدث هذا لكان يلتسن قد ارتكب ثاني خطأ له في بداية حكمه بعد تساهله في قضية شبه جزيرة القرم، حيث كان عليه أن يصر على أن تكون في مكونات روسيا الاتحادية عند توقيع اتفاق تفكيك الاتحاد السوفيتي. وكانت هذه أولى الصراعات، التي كان بإمكانها أن تتطور إلى اصطدام مسلح بين الدولتين الجارتين الشقيقتين.

ويبدو أن الوضعية الاقتصادية الصعبة التي كانت تسود في ذلك الوقت في كلتا الدولتين جنبت الشعبين الروسي والأوكراني ويلات الحرب، ودفعت بزعيمي البلدين للجلوس إلى طاولة الحوار، وإجراء سلسلة من اللقاءات، كُللت باتفاق على الإبقاء على الأسطول مشتركاً تحت قيادة موحدة مشتركة. لكن هذا الاتفاق لم يحل الخلاف بصفة نهائية، فاضطر الطرفان إلى تقسيم الأسطول بينهما في 28 مايو / أيار من سنة 1997.

ومن جديد وجدت روسيا نفسها مضطرة للبحث عن حل يضمن تواجدها في شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، فاضطرت لقبول إملاءات أوكرانيا، وتوقيع اتفاق يحدد وضعية وشروط تواجد أسطول البحر الأسود الروسي فوق التراب الأوكراني . وبموجب هذه الاتفاقية والاتفاقيات المتممة لها بقي الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم إلى أن ضمتها روسيا إليها، على بعد ثلاثة أشهر تقريباً من انتهاء مدة الاتفاقية. وكان من الصعب تجديدها نظراً لسياسة شد الحبل التي نهجها الطرفان في علاقتهما، وربما هذا ما جعل أحد المواقع الأوكرانية يسبق الأحداث ويجسد الخروج الروسي في صورة درامية، مع عداد تنازلي لنهاية تواجد الأسطول الروسي في المكان. وتظهر الصورة قبطان روسي فوق باخرة من الأسطول الروسي يدرف دمعةً تحسراً على مغادرة المكان، ثم يسير الأسطول في اتجاه الأفق، ومن على الشاطيء يودعونه بالتلويح بمناديل تحمل ألوان العَلم الأوكراني، ومباشرة بعد أن يغيب الأسطول الروسي وراء الأفق تنطلق الشهب الاصطناعية لتزين السماء بألون العلم الأوكراني . لكن دقت ساعة الصفر، ولم تتحقق فرحة أوكرانيا، بل بالعكس حدث ما لم يكن في الحسبان، وعوض أن يخرج الأسطول الروسي، خرجت شبه جزيرة القرم من تحت سلطة كييف، استجابة لرغبة سكان هذه المنطقة المعبر عنها عن طريق استفتاء شعبي، حسب رواية موكسو.

في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن الاستفتاء المزمع إجراؤه حول وضع شبه جزيرة القرم، عبر المجتمع الدولي بوضوح عن رفضه المساس بوحدة الدولة الأوكرانية وحذر من نتائج هذا الاستفتاء، لكن سلطات موسكو واصلت دعمها لمؤيدي الاستفتاء، وفي مقدمتهم الرئيس الحالي لجمهورية القرم سيرجي أكسيونوف، زعيم حزب "روسكي يِدِنْسْتفا" (الوحدة الروسية). ورغم كل التحذيرات تم الاستفتاء يوم 16 مارس/ آذار من العام 2014، وكان على سكان شبه الجزيرة أن يجيبوا على سؤالين: انضمام القرم إلى روسيا الاتحادية ككيان أو الرجوع للعمل بدستور 1992، أي جمهورية القرم، والبقاء في مكونات أوكرانيا، ولم يترك المنظمون للسكان حق رفض السؤالين، والبقاء على الوضع الحالي لشبه الجزيرة. وطبقاً للنتائج الرسمية، فإن 96.77% صوتوا لصالح الانفصال عن أوكراينا والانضمام لروسيا ، وهو ما كان منتظراً، مادامت أغلبية السكان يعتبرون أنفسهم روسيي الهوية واللغة.

وفي يوم 17 مارس/ آذار من سنة 2014 تقدم برلمان القرم بطلب للانضمام لكيانات روسيا الاتحادية، الشيء الذي قوبل بالإيجاب من طرف روسيا وبالتنديد والرفض من طرف أوكرانيا والدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ومعظم باقي دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، التي اتخذت جمعيتها العمومية قراراً بعدم الاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم.

بعد انضمام القرم إلى روسيا واشتعال الحرب في شرق أوكرانيا (دونيسك ولوغانسك)، ازدادت سوءاً العلاقات بين موسكو من جهة وكييف والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة ثانية. فأصابع الاتهام وُجّهت نحو الكريملين، بدعوى أنها تتدخل في الأحداث وتشارك فرق من جيشها النظامي في الحرب إلى جانب الثوار، وتُقدّم الدعم اللوجيستي والمادي لهم. وازداد الخوف من أن تحذو المنطقتان حذو شبه جزيرة القرم وتنضم إلى روسيا، خاصة وأن الحديث عن هذه الرغبة كان يدور في دونيسك ولوغانسك، وهو ما قوبل ببرودة في موسكو. لأنه من جهة لا تتوفر المنطقتان على نفس الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية بالنسبة لموسكو كما هو الشأن بالنسبة لشبه جزيرة القرم، ومن جهة أخرى لا تريد توريط نفسها في مزيد من الصراعات مع الغرب، خاصة وأنها تنفي بصفة دائمة مشاركتها بأي شكل من الأشكال في هذه الحرب، لكن في المقابل اعترفت بهما كجمهوريتين مستقلتين – جمهورية دونيسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية- بعدما أعلنتا عن استقلالهما سنة 2014 عن أوكرانيا، ولم تعترف بهما أية دولة أخرى.

العقوبات لتحيقق النمو!

تعتبر العلاقة الروسية الغربية علاقة جيوسياسية لفاعلين كبيرين، لكن مصالحهما غالباً ما تكون متضاربة. ورغم هذا، فإن تعاونهما الاقتصادي يكتسي أهمية كبرى لكلا الطرفين، وتأثره ينعكس سلباً على الجانبين كذلك، وتقدر الخسائر بملايير الدولارات. فالغرب يشكل سوقاً رئيسية للمنتجات الطاقية الروسية، ويعتمد عليها بشكل رئيسي لسد أكثر من نصف حاجياته من الغاز الطبيعي، فيما تشكل روسيا سوقاً ضخمةً للمنتجات الاستهلاكية والإلكتروينة الأوروبية، لدرجة كادت أن تقضي على جل الصناعات الاستهلاكية الروسية. وهذا ما جعل العديد من السياسيين والخبراء الروس يعتبرون أن العقوبات المفروضة على روسيا، وإن أثرت سلباً على الاقتصاد فإنها في الوقت نفس بمثابة صدمات كهربائية لإنعاش الصناعات وتدوير الآلات الانتاجية الروسية من جديد.

بضم شبه جزيرة القرم والاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيسك، وصلت الخلافات الروسية الغربية أوجها، ووصلت كل محاولات التفاهم إلى الطريق المسدود، وكان على الغرب بزعامة الولايات المتحدة أن تتخذ إجراءات رادعة ضد موسكو. وقبل هذا، في يوم 6 مارس/آذار من سنة 2014 وقع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مرسوماً تنفيذياً يسمح باتخاذ عقوبات ضد الأشخاص، الذين اعتبرتهم واشنطن أنهم يتحملون المسؤولية في خرق سيادة ووحدة الدولة الأوكرانية .

في نفس اليوم عقد المجلس الأوروبي اجتماعاً استثنائياً خصص لمناقشة مستجدات الوضع في أوكرانيا، وتم الاتفاق على أن الاستفتاء حول انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا غير قانوني، لأنه لا يتماشى مع مقتضيات الدستور الأوكراني. وطالب المجتمعون روسيا بإعادة قواتها إلى مرابطها الدائمة والسماح للمراقبين الدوليين بالدخول لشبه جزيرة القرم، وبداية الحوار مع سلطات كييف. كما اتفق المشاركون على تجميد الحوار مع روسيا حول نظام التأشيرة وحول الاتفاق الجديد المتعلق بالتعاون وإيقاف الاستعدادات الجارية لقمة "الثمانية الكبار"، وطالبوا موسكو ببدء الحوار مع أوكرانيا في أقرب الآجال والخروج بنتائج في أيام معدودة من بداية هذه المحادثات. وإن لم يتحقق هذا فسيتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات أخرى، بما في ذلك منع السفر إلى أوروبا وتجميد سندات المسؤولين الروسيين وإلغاء القمة الأوروبية الروسية القادمة، قبل المرور إلى فرض عقوبات اقتصادية متنوعة طويلة المدى .

روسيا لم تعر اهتماماً كبيراً لتحذيرات أوروبا والولايات المتحدة، وقبلت بطلب برلمان شبه جزيرة القرم بالانضمام إليها في 17 مارس 2014، فيما تعالت أصوات التنديد والرفض في أوروبا والولايات المتحدة. ولم تمنع هذه التنديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من توقيع وثيقة دمج جمهورية القرم في مكونات روسيا الاتحادية، يوم 18 مارس / آذار من سنة 2014. وهكذا لم يبق أمام الغرب إلا أن ينفذ تهديداته بفرض مختلف العقوبات على موسكو، والتهيؤ لاستقبال عقوبات مضادة من الكرملين، ثم تعداد الخسائر المالية الضخمة من كلا الجانبين.

يوم إعلان نتائج استفتاء تقرير مصير شبه جزيرة القرم، أعلن البيت الأبيض عن أول العقوبات في حق روسيا، وهمت 11 شخصية من روسيا وأوكرانيا، نظراً لدورها الكبير، حسب إدارة باراك أوباما، في دخول القوات العسكرية الروسية لشبه جزيرة القرم، والحديث هنا عن مساعد الرئيس الروسي، فلاديسلاف سوركوف ومستشار الرئيس سريجي غلازييف ونائب رئيس الحكومة دميتري راغوزين ورئيسة مجلس الاتحاد الروسي (مجلس الشيوخ) فالنتينا ماتفيينكو، بالإضافة إلى الرئيس السابق لأوكرانيا فيكتور ياكونوفيتش وليونيد سلوتسكي رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون رابطة الدول المستقلة وأندري كليشاس رئيس لجنة القانون الدستوري في مجلس الاتحاد الروسي، والبرلمانية يلينا ميزولينا وسيرجي أكسيونف، الرئيس الحالي لجمهورية القرم، وفلاديمير كونستانتينوف، رئيس برلمان القرم وفيكتور ميدفيدتشوك، زعيم حركة عموم أوكرانيا "الخيار الأوكراني".

وتخص الإجراءات المتخذة ضد هؤلاء الأشخاص، تجميد أرصدتهم في الولايات المتحدة، إن وُجدت، ومنعهم من تأشيرة دخول أراضيها. وقد أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه العقوبات في خطاب مُتلفز، مبيناً أن "الاستفزازات الروسية لن تؤدي إلا إلى عزلها وستنعكس سلباً على مكانتها في العالم" مع تأكيده أن المشكلة يمكن حلها بالطرق الدبلوماسية، ولم يتوان عن التهديد بتحريك جيوش الناتو لحماية دول الأعضاء بما فيها بولونيا ودول البلطيق. واعتبر البيت الأبيض في بيان له أن هذه العقوبات ما هي إلا إشارة لروسيا، وإن لم تتحمل مسؤولياتها وتعيد قواتها العسكرية لقواعدها وتحترم السيادة ووحدة التراب الأوكراني، ستكون الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذ إجراءات عقابية إضافية ذات طابع سياسي واقتصادي.

ولم تبق دول الاتحاد الأوروبي تراقب ما يحدث، بل انضمت إلى الولايات المتحدة في عقوباتها ضد شخصيات روسية، ولم تكتف بلائحة البيت الأبيض، وإنما عززتها بأسماء أخرى لمسؤولين من القرم وبرلمانيين من روسيا ضمنهم نائب رئيس الدوما (الغرفة السفلى) سيرجي جيليزنياك، ومسؤولين عسكريين روسيين رفيعي المستوى، من بينهم قائد أسطول البحر الأسود، وقائد المنطقة العسكرية الغربية، وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية، واتخذت إجراءات عقابية أخرى متمثلة في تجميد أرصدتهم إن وجدت في البنوك الأوروبية ومنع منحهم تأشيرة الدخول لدول الاتحاد الأوروبي. وفيما بعد تم تدريجياً توسيع وتتميم لائحة العقوبات، سواء الأمريكية أو الأوروبية أو غيرها، وطالت العديد من البرلمانيين ونواب الوزراء ورؤساء الجمهوريات المنتمية لروسيا، وبنكيين ورجال أعمال وأمنيين، وانضافت إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي كل من كندا وأستراليا وإسرائيل وآيسلاندا واليابان وسويسرا ودول أخرى.

كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يظنان أن الإجراءات العقابية ضد الشخصيات الروسية ستجعل موسكو تجلس إلى طاولة الحوار للبحث عن حل للأزمة، لكن مع مرور الوقت تبين أن الخلاف لم يزد إلا تعمقاً، فتم الانتقال إلى فرض مزيد من العقوبات، وهذه المرة لم تقتصر فقط على الأشخاص وإنما طالت المنشآت الصناعية والشركات الكبرى الروسية والمؤسسات المالية، وبلغ عدد المؤسسات الروسية والأجنبية التي طالتها العقوبات إلى غاية نهاية سنة 2016، 350 مؤسسة، من بينها المصرف الروسي "سبير بنك" وشركة "غاز بروم" و"روس نفط" ومؤسسة كلاشنيكوف، التي تم تجميد أصولها، وارتفع فيما بعد عدد المؤسسات الروسية المشمولة بالعقوبات الأمريكية إلى 422، حسب ما أفصح عنه نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف في شهر مارس / آذار من السنة الجارية . والمُلاحظ أن لوائح العقوبات الأمريكية والأوروبية لا تتضمن نفس المؤسسات التي طالتها العقوبات، رغم أنه كان من قبل أُعلن أن العقوبات الأمريكية والأوروبية والكندية ستكون موجهة ضد نفس المؤسسات ونفس الأشخاص. فمثلاً الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على شركة الطيران "دوبروليت" التي أوقفت نشاطها الآن، وعلى شركة الطيران المتحدة، فيما استثنتهما الولايات المتحدة من عقوباتها، وفي المقابل فرضت عقوبات على مؤسسات غير موجودة في اللائحة الأوروبية، وضمت اللائحة الأمريكية أكبر عدد من المؤسسات.

روسيا بدورها ردت بقوة، وبادرت إلى فرض عقوبات مضادة. وأقامت في 2014 حظراً على دخول المواد الغذائية إلى أسواقها، من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا والنرويج ثم إمارة ليختنشتاين وأوكرانيا والجبل الأسود، وطال بالأساس هذا المنع دخول منتجات اللحوم والمنتجات البحرية والخضر والفواكه ومشتقات الحليب.

ونتيجة لهذه العقوبات المتبادلة، تراجعت المبادلات التجارية بين روسيا والدول المشاركة في العقوبات عليها بنسبة 51.6% ما بين سنوات 2013 و2016. وقد قدر المقرر الخاص الأممي إدريس الجزائري في شهر أبريل/ نسان من العام 2017 خسائر العالم بسبب حرب العقوبات بين روسيا والدول المشاركة في العقوبات عليها بحوالي 150 مليار دولار، موضخاً أن الدول المضادة لروسيا خسرت حوالي 100 مليار دولار، فيما روسيا خسرت ما بين 52 و55 مليار دولار . وفي هذا السياق، قالت منظمة التجارة العالمية إن الإتحاد الأوروبي يفقد كل سنة تقريباً 1.4 مليار أورو بسبب العقوبات الروسية التي طالت فقط لحوم الخنزير ومنتجاتها ، ولا يتطلب الأمر كثيراً من العناء لتقدير الخسائر الاقتصادية لدى الجانبين، غير أنه من الواضح أن خسائر روسيا أكبر بكثير، وخاصة في مجال التصنيع والتصدير الحربي، حيث إن العقوبات وخاصة الأمريكية ركزت على هذا القطاع، وتصر واشنطن على إقامة الحظر الكلي عليه، فيما أوروبا، حيث عدد من دولها يتوفر على الكثير من العتاد الحربي الروسي، أبقت على إمكانية توريد قطع الغيار من روسيا.

وإذا كان العديد من السياسيين الأوكرانيين، والمساندين لهم سواء في أمريكا أو في أوروبا يصرون على ضرورة تشديد العقوبات على روسيا، من أجل إرغامها على إعادة القرم إلى أوكرانيا مقابل رفع العقوبات، فإن أغلب السياسيين والخبراء الروس متأكدون من أن هذه الإجراءات لن تجعل روسيا تغير موقفها. فمثلا نائب رئيس "مركز التكنولوجيات السياسية" الروسي، ألكسي مكاركين يؤكد أن السنوات الثلاث الأخيرة تشكل دليلاً مُقنعاً على أن روسيا لن تتراجع تحت ضغط العقوبات عن مبادئها ومكاسبها الخاصة. هذا بالإضافة إلى أنه في الغرب الآن، وفي أوروبا قبل كل شيء، يتقوى موقف المناهضين للعقوبات، لأن السياسيين يرون عدم فعاليتها، وهو ما يدفعهم للتفكير في إلغائها أو على الأقل التخفيف من حدتها. ولهذا من غير المستبعد أن يتم إلغاء هذه العقوبات في القريب . وفي نفس الاتجاه يذهب المدير العام لـ "وكالة التواصل السياسي والاقتصادي" دميتري أرلوف، الذي يؤكد أن "القرم مقابل إلغاء العقوبات" كما يظنون في كييف هو تخطيط لا معنى له، لأنه واضح أن العقوبات لن تؤدي إلى إعادة النظر في الوضع القائم . ونفس الشيئ يؤكده وزير الخارجية، سيرغي لافروف، الذي يرى أن العقوبات الأمريكية المفروضة على بلاده لن تغير السياسة الخارجية الروسية، لأن هذه السياسة قبل كل شيء تراعي المصلحة الوطنية، ولهذا فهي غير قابلة للتغيير بفعل الضغوطات الخارجية .

هذا الموقف يجد بعض التأييد حتى في الغرب بسبب قلة فعالية هذه العقوبات، ونتائجها السلبية على اقتصاديات الدول الأوروبية المشاركة في الحظر الاقتصادي على روسيا، لأنها فقدت سوقاً ضخمة لتصريف منتجاتها، لصالح البضائع القادمة من الدول التي بقيت محايدة ولم تؤيد العقوبات كالنمسا وبلغاريا والمجر واليونان وقبرص ولوكسمبورغ وسلوفاكيا وفنلاندا والتشيك وتركيا، بالإضافة إلى الدول التي وقفت بجانب موسكو وعبرت عن إدانتها لهذه العقوبات كالأرجنتين وبلاروسيا والبرازيل وصربيا والصين والهند والشيلي والأكوادور وجنوب إفريقيا .

إن رغبة الغربيين في إلغاء العقوبات على موسكو له ما يبرره، فأغلب دول الاتحاد الأوروبي تشارك في هذا الحظر مكرهة لا بطلة، لأنها جزء من الاتحاد، وهذا ما حاول توضيحه وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير، الذي قال بأن بلاده تؤيد كلياً القرارات المتخذة من طرف الاتحاد، لأنها، أي فرنسا، إحدى الدول الرئيسية في الاتحاد، مبرزاً بأنه من غير الممكن القفز على الميكانيزمات السياسية، لكنه أقر بأنه في إطار هذه الميكانيزمات هناك هامش للمناورة، وعبر عن رغبته في "استعمالها من أجل التعاون الاقتصادي" مشيراً إلى أن روسيا سبق لها وأن رفعت جزءاً من العقوبات على المنتجات الفرنسية سنة 2013، وهو ما كان له تأثير إيجابي، حسب رأيه. وأضاف أن سياسة إحلال الواردات التي تنهجها روسيا، يمكن أن تكون رداً على العقوبات، لكن في اعتقاده، من أجل حل المشكلة يجب تطوير القطاع الفلاحي، وإن تم بالتعاون مع فرنسا سيكون الأمر جيداً. فالمسؤول الفرنسي إذن، يحدد المجال الذي يمكن لبلاده أن تتعاون فيه مع روسيا رغم مشاركتها في هذ الحظر. وقد عبر الوزير برونو لومير في أكثر من مرة عن أمله في أن ترفع العقوبات عن روسيا . ولا غرابة في ذلك إذ أن فرنسا أُرغمت بسبب هذه العقوبات على إلغاء صفقة بناء حاملتي طائرات هليكوبتر طراز ميسترال بقيمة أكثر من مليار أورو، في خطوة مشابهة لتلك التي كانت ألمانيا الغربية اتخذتها مُرغمة سنة 1962، لما ألغت صفقة توريد الاتحاد السوفيتي بأنابيب نقل الغاز التي كان من المفروض أن تُستعمل في بناء خط دروجبا (الصداقة) لنقل الغاز، مما أخر هذا المشروع سنة كاملة، ودفع بالاتحاد السوفيتي إلى صناعة أنابيبه الخاصة.

في المقابل، فالولايات المتحدة لن تتأثر بالعقوبات الروسية نظراً لضعف تبادلهما التجاري، بل يمكن أن تكون أكثر المستفيدين المحتملين من الحصار على روسيا، فهي تحولت مؤخراً من مستورد للغاز إلى مُصدّر له. وقد حولت محطات التجميع التي كانت تستقبل الغاز المستورد إلى محطات للتصدير مثل محطة "غولدن بّاس" في تكساس على خليج المكسيك، وهي أكبر المحطات في العالم، أنشأتها دولة قطر بكلفة تفوق المليار دولار من أجل تجميع غازها المسال وإعادته إلى حالته الطبيعية، ثم بيعه للولايات المتحدة، لكن تحول هذه الأخيرة إلى مُنتج ومُصدّر للغاز الصخري أجهض هذا المشروع. وهذا يعني أن الولايات المتحدة في حاجة إلى أسواق لتصريف منتجاتها من الغاز الصخري، وقد استطاعت في ظرف قصير أن تستحوذ على سوق جارتها الجنوبية المكسيك، من خلال تزويدها بالغاز بثمن أقل بكثير من الغاز القطري والنيجيري، لكن هذا غير كاف، فهي في حاجة لأسواق أخرى، أسواق تتوفر على سيولة وافرة واستهلاك مرتفع كالسوق الأوروبية. غير أن المشكلة تكمن في كون هذه السوق مُحتلة من طرف مصدرين آخرين في مقدمتهم روسيا، زد على ذلك العوائق الجغرافية التي تزيد من تكلفة إيصال الغاز الأمريكي لأوروبا، وهو ما ينعكس على ثمن بيعه. فالولايات المتحدة لا يمكنها نقل الغاز بواسطة الأنابيب عبر المحيط الأطلسي، كما هو الشأن بالنسبة للغاز الروسي. وحتى وإن وصل الغاز الأمريكي إلى أوروبا، فثمنه سيكون أعلى من نظيره الروسي، تماماً كما حصل للغاز القطري والنيجيري في المكسيك، فالقرب من السوق يؤثر على ثمن السلعة، وهذا سيجعل الأوروبيين يختارون الأقل ثمناً، لكن الأمور ستتغير إن قل أو غاب الغاز الروسي. لهذا فأفضل السبل لفتح هذه السوق أمام المنتجات الطاقية الأمريكية هي القضاء على المنافسين، وبالتالي ستجد أوروبا نفسها مضطرة إلى شراء الغاز الأمريكي، رغم ثمنه المرتفع. وهذا ما يؤكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال قوله: "حزمة العقوبات المتخذة من طرف مجلس الشيوخ الأمريكي، موجهة بكل وضوح إلى إزاحة روسيا من السوق الأوروبية للطاقة، وجعل أوروبا تشتري الغاز المسال الأمريكي الأكثر تكلفة" .

إن العديد من المتتبعين يرون أن فرنسا تعطي إشارات عن رغبتها في التعامل مع روسيا اقتصادياً ، خاصة وأنها إلى جانب بعض دول الاتحاد لا تنظر بعين الرضى إلى الإصلاحات التي تحاول الولايات المتحدة إدخالها على سياستها الضريبية، وهو ما عبر عنه وزراء الاقتصاد لكل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا في رسالة إلى وزير خزينة الولايات المتحدة الأمريكية ستيفن منوشين، يطالبونه برفض ما يسمى بالإصلاحات الضريبية للرئيس دونالد ترامب. فهم يرون أن هذه الإصلاحات تنطوي على خرق لقوانين منظمة التجارة العالمية وسياسة حمائية موجهة ضد الشركات الأوروبية وترجح كفة الشركات الأمريكية العالمية في خرق سافر لمبدأ المنافسة الشريفة. وبطبيعة الحال توصلوا منه بجواب دبلوماسي، يعبر لهم فيه عن تثمين بلده لرأيهم، لكنه سيعمل ما تراه بلده مناسباً، والمناسب كما هو معروف في سياسة الولايات المتحدة هي مصلحتها.

وإذا رجعنا لموقف روسيا من هذه العقوبات، فسنجد ليس فقط النخبة الحاكمة، ولكن العديد من السياسيين والإعلاميين وحتى الخبراء الاقتصاديين والمحللين السياسيين، يؤكدون أن أسباب هذه العقوبات سياسية، تنطوي على مصالح خاصة، كالصراع على أسواق الغاز والبترول والسلاح، وهي كلها تصب في صالح الولايات المتحدة، حسب رأيهم. ففي ميدان الغاز والبترول شمل الحظر عملية بيع التكنولوجيا الحديثة لروسيا حتى لا تطور آبارها وحقولها وتكتشف مواقع بترولية وغازية أخرى، وحرمانها من أي تمويل لهذا القطاع من الخارج. كما تم وضع عراقيل أمام مشروع أنبوب الغاز "السيل الجنوبي" الذي كان يهدف إلى تزويد أوروبا بالغاز الروسي دون المرور من الأراضي الأوكرانية، عبر جمهورية بلغاريا، لكن هذه الأخيرة امتنعت عن السماح بمرور هذا الأنبوب عبر أراضيها، رغم أنه لو تم هذا المشروع لجنت 400 مليون أورو سنوياً، وانتهى المشروع بالإعلان عن توقيفه تماماً من طرف الرئيس الروسي من أنقرة في فاتح ديسمبر/ كانون الأول من العام 2014، أي بعد عامين من انطلاق العمل على بنائه. وتقدر خسائر روسيا والإتحاد الأوروبي في هذا المشروع بعدة ملايير الدولارات (غازبروم الروسي لوحده صرف فيه 5 ملايير دولار، حسب وكالة الأخبار إنترفاكس الروسية) .

روسيا تتكبد الخسائر، كما يتكبدها الإتحاد الأروبي والولايات المتحدة وباقي الدول المشاركة في الحظر، وهذه نتيجة حتمية لأي حظر كيفما كان نوعه. لكنها في نفس الوقت تحاول أن تستفيد من هذا الحصار من خلال البحث عن فرص وشركاء آخرين، فغلق أنبوب "السيل الجنوبي" تم تعويضه بتوقيع اتفاقية إنشاء "السيل التركي" سنة 2014، الذي من المُتوقع أن ينتهي به العمل بحلول 2019، وهو عبارة عن خطين، واحد لتزويد تركيا بالغاز والثاني في اتجاه اليونان حيث سيتم إنشاء خزان لتزويد أوروبا. كما تم الاتفاق مع أنقرة على الرفع من قدرة صبيب " السيل الأزرق" الذي تم تشغيله منذ سنة 2003. وهكذا توجهت روسيا إلى تعزيز شراكتها مع شركائها القدامى كتركيا وإيران والصين والهند، بالإضافة إلى البحث عن شركاء جدد وسط تلك الدول التي كانت تعتبر في الماضي معاقل غربية، كما هو الشأن بالنسبة لبعض دول الخليج وشمال إفريقيا، وجنوب إفريقيا والبرازيل. لكن يبقى دخولها سوريا، ومؤازرة قوات النظام، وإقامة قواعد عسكرية لها هناك، حسب النخبة الروسية، أهم إنجاز جيوسياسي لها، بحيث ضمنت وجودها في منطقة كانت فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الإطاحة بالأنظمة التي كانت حليفة لها، سواء في العراق أو في ليبيا. ومن المتوقع أن تذر عليها عملية إعادة إعمار سوريا ملايير الدولارات، بالإضافة إلى إقامة اتفاقيات طويلة المدى مع دمشق، تهم جميع القطاعات بدون استثناء. وهذا إنجاز تعتبره روسيا انتصاراً يقابله فشل ذريع للغرب في العراق وليبيا وأفغانستان.

عودة روسيا للشرق الأوسط

عند الحديث عن التدخل الروسي في سوريا لا بد من استحضار العلاقات السوفيتية بدول المنطقة. فالاتحاد السوفيتي كان له حضور قوي في بعض هذه الدول كالعراق وسوريا وإيران واليمن، وكذلك بليبيا والجزائر في شمال إفريقيا، فهو كان المورد الأساسي للمعدات والتقنيات العسكرية لهذ الدول، بالإضافة إلى المعدات اللوجيستية وإنشاء البنى التحتية وتكوين الأطر والفنيين. وقد ورثت روسيا هذه العلاقات وحاولت تطويرها. فالعراق قبل بداية العمليات العسكرية الأمريكية – البريطانية ضده، كان أهم زبناء روسيا في المنطقة، ليس فقط على مستوى المعدات الحربية ولكن أيضاً في مجالات البترول والغاز وتوريد المعدات المدنية كسيارات الشحن وقطاع الطاقة وتكوين الأطر والتبادل التجاري وصيانة المعدات، ووصل التعاون حد إقامة مصانع في العراق لصنع بعض الأسلحة كالبندقية الشهيرة "كالاشنيكوف" ومدافع "هاوتزر" والذخائر وبعض المسدسات، لكن التدخل الغربي وإسقاط نظام صدام حسين وسوء الأوضاع الأمنية في العراق وتعرض البعثات الروسية لهجومات متكررة أودت بحياة عدد منهم واختطاف آخرين، أدت إلى تراجع هذا التعاون، بل وتوقف نشاط المؤسسات الروسية هناك، وهذا ما جعلها تفقد مصالح كثيرة وتتكبد خسائر فادحة تقدر بملايير الدولارات، بل وفقدت موقعاً استراتيجياً مهماً لفائدة خصومها.

روسيا كذلك فقدت مصالحها في ليبيا. ويعزي عدد من الخبراء ما وقع في ليبيا وخاصة لزعيمها معمر القذافي، إلى عدم استعمل روسيا لحق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الأممي 1973، الذي بموجبه تم فرض عقوبات على ليبيا ومن أهمها عقوبة حظر الطيران. وقد انتقدت روسيا بشدة هذا القرار، كما انتقدت أي تدخل أجنبي في دولة ما بسبب النظام الحاكم فيها، وقد عبر عن هذا الموقف صراحة فلاديمير بوتين، الوزير الأول الروسي أنذاك، أثناء الندوة الصحافية التي عقدها بعد محادثاته مع نظيره الدانماركي لارس لوكه راسموسن في أبريل 2011، حيث قال: "ظهرت هناك (يتحدث عن ليبيا) نزاعات داخلية تطورت إلى اصطدامات مسلحة داخلية. لماذا يجب التدخل الخارجي في هذا النزاع؟ هل لدينا الآن قليل من الأنظمة العوجاء في العالم؟ هل يجب علينا أن نتدخل في كل مكان في النزاعات الداخلية؟ يجب أن نترك للشعوب أنفسهم حل مشكلتهم..." . ونفس الموقف عبر عنه سنة 2006 بخصوص التدخل الأجنبي في العراق، حيث قال للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي تمنى لروسيا أن تنعم بالديمقراطية كما ينعم بها العراق، فأجابه: "نحن بطبيعة الحال لا نريد أن تكون لدينا مثل تلك الديمقراطية الموجودة في العراق" ، في إشارة إلى الخراب والفوضى التي تعيشها بلاد الرافدين بعد اسقاط نظام البعث هناك. فلاديمير بوتين لا يؤيد أي تدخل خارجي لتغيير النظام الحاكم مهما كان فاسداً. وبالإضافة إلى هذا، فقد فقدت روسيا مصالح كثيرة سواء في العراق أو في ليبيا، حيت تم تغيير النظام باستعمال القوة الخارجية، وتراجع تواجدها بشكل ملحوظ في الجزائر، ولهذا فهي تعي جيداً أنه لو تم تغيير النظام في سوريا ستجني نفس النتائج التي جنتها جراء اسقاط نظامي صدام حسين ومعمر القذافي. وهذا ما دفع بها إلى الوقوف بجانب الطرف المعادي للغرب في سوريا، الذي هو نظام بشار الأسد للحفاظ على مصالحها.

وتؤكد السلطات الروسية أن تواجدها في سوريا مبني على طلب من الحكومة " الشرعية"، أي نظام بشار الأسد، لكن لولا مصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية في المنطقة لما كانت لتتواجد هناك.

لما دخلت روسيا لسوريا كانت علاقتها مع الغرب قد ساءت لحد كبير وكانت العقوبات تحاصرها، فلم يكن دخولها لسوريا ليؤثر على علاقتها مع الغرب، بل على العكس كانت فرصة لتأكيد وزنها على الساحة الدولية كقوة سياسية لا يمكن تجاهلها، ومناسبة لعرض قوتها القتالية وقدرات سلاحها على إصابة الأهداف البعيدة بمائات الكيلومترات. فلولا سوريا لما جربت العديد من عتادها في معارك حقيقية. فموسكو جعلت من سوريا معرضاً حياً لأحدث سلاحها ومنطقة تجارب لعرض قدراتها القتالية. ففي نوفمبر / تشرين الأول 2015 قامت القوات الروسية بأول استعمال عملي للصواريخ المجنحة "كاليبر" من غواصة "روستوف نا دونو" المتواجدة في مياه البحر المتوسط، بأمر من الرئيس بعد كارثة الطائرة الروسية A321 التي تم تفجيرها فوق سماء مصر. وكانت هذه أيضاً أول عملية لإطلاق هذا النوع من الصواريخ من غواصة نحو أهداف حربية حقيقية. ولم تكن هذه العملية آخر إطلاق لهذا النوع من السلاح، بل تلتها عمليات إطلاق أخرى لـ 26 صاروخ مجنح بعيد المدى "كاليبر" من بحر قزوين في اتجاه سوريا على بعد 1500 كلم، في اتجاه مواقيع لداعش ودمرت 11 موقعاً، حسب المصادر الروسية، فيما قالت تقارير غربية بأن معظم هذه الضربات استهدفت المعارضة، وهو ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيري، الذي قال بأن 90% من الغارات استهدفت المعارضة المعتدلة، وهنا يجب أن نستحضر التصريحات الرسمية لروسيا، حيث يعتبر الكريملين كل من يحمل السلاح ضد النظام في سوريا هدفاً مشروعا لسلاحها.

روسيا لم تكتف بجعل كفة القوة في الحرب السورية تميل لصالح نظام بشار الأسد ضد معارضيه المدعومين من الغرب، وهو ما يعني تفوقها على القوى الغربية، بل وضعت يدها في يد أكبر عدو للغرب - إيران، ذات اليد الطولى في المنطقة، واستطاعت تخطي خلافاتها مع تركيا، وأقامت معهما تكتلاً جديداً في المنطقة. هذا التكتل الذي يزداد قوة وازعاجاً للغرب ، من خلال تعاونه في العديد من المجالات الحساسة، كمجال الطاقة النووية من خلال مشروع محطة "أكويو" النووية، بالنسبة لتركيا ومحطة "بوشهر" في إيران. ولا ننسى أنه من خلال إيران تمتد علاقة روسيا إلى دول أخرى كالعراق مثلاً، حيث الشيعة الماسكون بخيوط السلطة، وهي الدولة التي تطمح روسيا للعودة إليها واستعادة مكانتها فيها من خلال صناعة النفط وتوريد المنتجات الحربية والمدنية إليها.

ورغم علاقتها مع إيران، فإن روسيا تحافظ على علاقتها مع إسرائيل، ولا ترغب في الدخول معها في أي صراع سواء عسكري أو حتى سياسي، كما لا تود أن تصطدم بالقوى الغربية المتواجدة في سوريا، وهذا ما يفسر التزام روسيا بـ "ضبط النفس" عندما تتعرض سوريا للقصف من طرف أمريكا وحلفائها، أو عندما تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات لمواقع داخل الأراضي السورية، المتواجدة خارج المجال الدفاعي لروسيا، وتكتفي بالتنديد ومناقشة الحدث في مجلس الأمن.

خاتمة

لم تكن العلاقات الروسية الغربية يوماً مثاليةً، بل على الدوام مضطربة وتتخللها انفراجات سرعان ما تختفي، بسبب تعارض مصالحهما، ورغم ذلك فالطرفان في حاجة بصفة متفاوتة لبعضهما البعض. ويذكر التاريخ أن أول العقوبات الاقتصادية فرضها الغرب على روسيا تعود لمنتصف القرن السادس عشر. وخلال القرن العشرين تعرضت لعقوبات مختلفة عشر مرات، لكن هذه العقوبات سرعان ما كان يتم إلغاؤها بسبب ضعف تأثيرها على روسيا من جهة وتأثيرها على اقتصاد الدول المشاركة في الحضر عليها من جهة ثانية. فأوروبا لا يمكنها، على الأقل في الحاضر وفي المستقبل القريب، الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية وعلى رأسها الغاز الطبيعي. كما أنها في حاجة إلى السوق الروسية الضخمة لتصريف منتجاتها، المُوجهة بالأساس إلى الاستهلاك. أما الولايات المتحدة فهي، وإن كانت في الأوقات العادية لا تعتمد على مصادر الطاقة الروسية، فإنها تضطر في بعض الأحيان إلى اللجوء لروسيا من أجل قضاء غرض ما، ولو بصفة مؤقتة، كما حدث مؤخراً، فبالرغم من العقوبات الاقتصادية، التجأت واشنطن لشراء الغاز المسال الروسي، وإن لم يكن ذلك بصفة مباشرة، بل عن طريق دولة أخرى، وهي بريطانيا، حيث تم نقله بواسطة ناقلة الغاز الروسية العملاقة "كريستوف دو مارجري" إلى هناك، ومن ثم تم نقله بواسطة ناقلة غاز فرنسية إلى بوستون في الولايات المتحدة، لتوفير حاجياتها من هذه المادة التي قلت في خزاناتها بسبب ارتفاع الطلب عليها الناتج عن موجة البرد التي اجتاحت البلاد، ولا يُستبعد أن تلجأ في المستقبل لشراء شحنات أخرى. ولا ننسى أن الولايات المتحدة منذ العام 2000 تعتمد كلياً على محركات صواريخ الفضاء الروسية "إر د-180" لحمل صواريخها للفضاء، وهي لحد الآن لم تجد بديلاً لهذه المحركات. وهذا ما يؤكده قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي اضطر في يونيه / حزيران من العام 2016 إلى الموافقة على شراء مزيد من هذه المحركات.

روسيا بدورها في حاجة إلى التكنولوجيا الدقيقة لتطوير قطاعاتها الإنتاجية وخاصة قطاعي النفط والغاز، ولتصريف هذا المنتوج كذلك، وأفضل سوق لحد الآن للقيام بذلك هي السوق الأوروبية التي يزداد طلبها كل سنة. كما أنها في حاجة إلى مصادر التمويل والمستثمرين الأجانب على أراضيها. لكنها بخلاف الغرب، تتوفر على علاقات تجارية واقتصادية مع دول توجد خارج مجال التأثير الأوروبي أو الأمريكي، كالصين والهند وإيران وغيرها من الدول التي كانت لها علاقة بالاتحاد السوفيتي المنهار، وحتى مع الدول التي تحاول أن تفك الارتباط بالقطب الغربي. وهذا ما يجعل تأثير العقوبات التي يفرضها الغرب غير كاف، بل بالعكس تدفعها إلى البحث عن حلول داخل حدودها، من خلال نهج سياسة إحلال الواردات، وبالتالي تطوير قدراتها الانتاجية والصناعية، سيراً على نهج اتبعته في أغلب الأوقات التي تعرضت فيها لعقوبات اقتصادية منذ منتصف القرن السادس عشر إلى يومنا هذا.

فيما يخص التواجد الروسي في سوريا، فرغم نجاحها في تغليب موازين القوى لصالح نظام بشار الأسد، فإنه من الصعب عليها أن تعلن الفوز في هذه المعركة، بسبب تضارب مصالحها بمصالح القوى الغربية في المنطقة، وحتى بمصالح حليفتها تركيا. لكن في المقابل ثبّتت قدمها، وأسّست لتواجد طويل المدى بها، ولا خيار للغرب إلا التوافق معها وعدم تجاهل مصالحها.


المراجع

1. "القرم مقابل العقوبات: الخبراء يعلقون على مستقبل "الصفقة"، موقع صلوفا إ ديلا، 20 ديسمبر / كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول 19 / 01 /2018) https://slovodel.com/505294-krym-v-obmen-na-sankcii-eksperty-kommentiruyut-perspektivu-sdelki?utm_source=infox.sg&utm_medium=referral&utm_campaign=exchange

2. فلاديسلاف غوردييف، "الجريدة الألمانية تمنح تقيم "جيد" لمعطيات اللجنة الحكومية الروسية للإحصاء الخاص بالإنتاج الإجمالي المحلي لروسيا، موقع إر بي ك، 13 أغسطس/آب 2017 (تاريخ الدخول 19 / 01 /2018) https://www.rbc.ru/politics/13/08/2017/598fff7d9a794711c137fb46

3. أنجيلا ستيند، 2014، "لمذا روسيا وأمريكا لا يسمعان بعضهما البعض" نظرة واشنطن للتاريخ المعاصر للعلاقات الروسية الأمريكية، ص. 72، ترجمته من الأنجليزية يلينا للايان 2015 – العنوان الأصلي The Limits of Partnership U.S.-Russian Relations in the Twenty-First Century، https://books.google.co.ma/books?id=WkitBQAAQBAJ&printsec=frontcover&hl=fr#v=onepage&q&f=false

4. موقع كافكاسكي أوزل، "الرقم الحقيقي للضحايا المدنيين في الحرب في الشيشان غير مغروف"، 10 ديسمبر / كانون الأول 2004، (تاريخ الدخول 20 / 01 /2018) http://www.kavkaz-uzel.eu/articles/66196/

5. موقع غازيطا.رو، "إنهاء بناء قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في رومانا"، 18.12.2015، https://www.gazeta.ru/army/news/8029379.shtml، (تاريخ الدخول 20.01.2018)

6. موقع غازيطا.رو، "زخاروفا تؤكد العلاقة بين تقوية الدفاع الروسي ومنظومة الدفاع الصاروخي الامريكي في أوروبا"، 12.11.2015،https://www.gazeta.ru/politics/news/2015/11/12/n_7878401.shtml (تاريخ الدخول 20.01.2018)

7. موقع لينتا، "أوكرانيا ستذهب للناتو وعينها على روسيا"، 22.01.2008، https://lenta.ru/news/2008/01/22/nato/ (تاريخ الدخول 21.01.2018)

8. موقع باجنيط، "يوشينكو مرة أخرى يطلب الاتحاق بالناتو"، 31.10.2008، http://www.bagnet.org/news/politics/6040 (تاريخ الدخول 21.01.2018)

9. موقع لينتا، " ساكاشفيلي على خطى يوشينكو يطلب الاتحاق بالناتو" 15.02.2008، https://lenta.ru/news/2008/02/15/letter (تاريخ الدخول 21.01.2018)

10. بوابة حلف الناتو، الفقرة 22 من "الإعلان الختامي للاجتماع العالي المستوى في بوخارست"، 30.04.2008، https://www.nato.int/cps/ru/natohq/official_texts_8443.htm?selectedLocale=ru (تاريخ الدخول 21.01.2018)

11. وكالة الأخبار رويترز، "Russia army vows steps if Georgia and Ukraine join NATO"،https://www.reuters.com/article/us-russia-nato-steps/russia-army-vows-steps-if-georgia-and-ukraine-join-nato-idUSL1143027920080411

11.04.2008، (تاريخ الدخول 21.01.2018)

12. موقع إر بي ك، "زعيم حزب الأقاليم يؤيد اللغة الروسية ويقف ضد الانضمام لحلف الناتو"، 18.01.2010، https://www.rbc.ru/politics/18/01/2010/5703d8dd9a7947733180dc8e (تاريخ الدخول 21.01.2018)

13. موقع غالوب، Russian Language Enjoying a Boost in Post-Soviet States، 01.08.2008، http://news.gallup.com/poll/109228/Russian-Language-Enjoying-Boost-PostSoviet-States.aspx (تاريخ الدخول 21.01.2018)

14. مدونة نيسباكويني XXI فيك، "يطالبون براشينكو بمنع اللغة الروسية في المدارس الأوكرانية"، 11.05.2016، http://www.xx-centure.com.ua/archives/42880، (تاريخ الدخول 21.01.2018)

15. موقع بي بي سي، " بوتين يعد بالدفاع الدائم عن الروسيين في أوكرانيا"، 24.06.2014، http://www.bbc.com/russian/russia/2014/06/140624_putin_deauthorisation_ukraine_reax، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

16. موقع داسي كييف، "يانوكوفيتش يبهر: أملى الشروط على الاتحاد الأوروبي وطار إلى الصين"، 30.11.2013، https://dosie.su/politika/19114-yanukovich-udivil-prodiktoval-usloviya-evrosoyuzu-i-uletel-v-kitay.html، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

17. موقع بي بي سي، "زيارة للصين: يانوكوفيتش يتكلم عن استثمارات بالملايير"، 05.12.2013، http://www.bbc.com/ukrainian/ukraine_in_russian/2013/12/131205_ru_s_yanukovych_china، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

18. موقع سيفاستوبول، "عهد سيفاستوبول: نظال روسيا من أجل منفذ على البحر الأسود في القرنين 17 و18. غزو شبه جزيرة القرم: تاريخ سيفاستوبول"، http://sevastopolis.com/history/18.html، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

19. موقع رونيفيرس، "سيفاستوبول والأسطول الروسي"، http://www.runivers.ru/doc/d2.php?PORTAL_ID=7146&SECTION_ID=7165، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

20. صحيفة كامسامولسكايا برافدا، "منذ 50 سنة، سلم خروشوف شبه جزيرة القرم هديةً لأوكرانيا"، 18.02.2004، https://www.kp.ru/daily/23219/26731/، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

21. موقع فلوت2017، "اتفاقية بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا حول وضع وشروط تواجد أسطول البحر الأسود الروسي فوق التراب الأوكراني"، 28.05.1997، http://flot2017.com/file/show/normativeDocuments/579، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

22. موقع فلوت2017، صورة متحركة على يمين أعلى الصفحة الرئيسية، http://flot2017.com/index/priorities، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

23. وكالة الأخبار ريا نوفوستي، "الاستفتاء في شبه جزيرة القرم حول وضع الحكم الذاتي"، 16.03.2017، https://ria.ru/spravka/20170316/1489950964.html، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

24. وكالة تاس، "كيري: الولايات المتحدة لم تفرض بعد عقوبات على روسيا من أجل إتاحة الفرصة للمفاوضات" 07.03.2014، http://tass.ru/mezhdunarodnaya-panorama/1027488، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

25. موقع تمثيلية الاتحاد الأوروبي في روسيا، "اجتماع المجلس الأوروبي - تصريحات رؤساء الدول والحكومات حول أوكرانيا (06.03.2014)، http://eeas.europa.eu/archives/delegations/russia/press_corner/all_news/news/2014/20140306_ru.htm، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

26. موقع بي بي سي، "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يفرضان عقوبات على مسؤولين من روسيا وأوكرانيا"، 17.03.2014، http://www.bbc.com/russian/russia/2014/03/140317_eu_sanctions_russia.shtml (تاريخ الدخول 22.01.2018)

27. وكالة الأخبار تاس، "قائمة كل العقوبات ضد روسيا"، 06.09.2016، http://tass.ru/mezhdunarodnaya-panorama/1055587/8، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

28. وكالة ريا نوفوستي، "وزير خارجية فرنسا يقترح على روسيا "المناورات" في إطار ميكانيزمات الحظر"، 09.01.2018، https://ria.ru/economy/20180109/1512271261.html، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

29. وكالة ريا نوفوستي، " وزارة الخارجية الروسية تحدد عدد الشركات الروسية الخاضعة للعقوبات الأمريكية"، 05.03.2018، https://ria.ru/economy/20180109/1512271261.html، (تاريخ الدخول 17.04.2018)

30. جريدة لينتا. رو، خسائر روسيا والعالم بسبب حرب العقوبات تعادل ثلاث مرات الناتج الإجمالي لأثيوبيا"، 28.04.2017، https://lenta.ru/news/2017/04/28/losses/، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

31. موقع فيدوموستي، "الاتحاد الأوروبي يطالب روسيا بـ 1.39 مليار يورو في السنة تعويضاً لمنع تصدير لحم الخنزير"، 07.01.2018، https://www.vedomosti.ru/economics/news/2018/01/07/747131-es-potreboval-ot-rossii-139-mlrd-evro-v-god-za-zapret-importa-svinini، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

32 . "القرم مقابل العقوبات: الخبراء يعلقون على مستقبل "الصفقة"، موقع صلوفا إ ديلا، 20 ديسمبر / كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول 19 / 01 /2018) https://slovodel.com/505294-krym-v-obmen-na-sankcii-eksperty-kommentiruyut-perspektivu-sdelki?utm_source=infox.sg&utm_medium=referral&utm_campaign=exchange

33. "موقع صحيفة إزفيستيا، لافروف يعتبر العقوبات الأمريكية بلا معنى" 21.01.2018، https://iz.ru/698417/2018-01-21/lavrov-nazval-sanktcii-ssha-bessmyslennymi، (تاريخ الدخول 21.01.2018)

34. موقع يست بلوسي، "إيجابيات وسلبيات العقوبات ضد روسيا"، http://estplusi.ru/kategorii/dengi/item/97-sanksii.html، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

35. وكالة ريا نوفوستي، "وزير الاقتصاد الفرنسي يأمل في إلغاء تلعقوبات ضد روسيا" 01.01.2018، https://ria.ru/economy/20180101/1512065267.html?inj=1، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

36. وكالة ريا نوفوستي، "العقوبات ضد روسيا والتجارة العالمية" 32.11.2017، https://ria.ru/infografika/20171123/1509243542.html?inj=1، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

37. حكومة ماكرون "تصرف" ترامب وتريد أن تتاجر مع بوتين"، 04.01.2018،https://ria.ru/analytics/20180104/1512126722.html?inj=1، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

38. موقع bloomberg، "Europeans Tell Mnuchin the GOP Tax Plan May Break Treaties, Hurt Trade"، 11.12.2017، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

39. موقع إنترفاكس، "روسيا تقرر وقف بناء أنبوب الغاز"السيل الجنوبي""، 01.12.2014، http://www.interfax.ru/business/410431، (تاريخ الدخول 22.01.2018)

40. موقع بوليتروسيا.كوم، "إيجابيات وسلبيات العقوبات على روسيا"، 06.04.2016، http://politrussia.com/world/o-plyusakh-i-255/ (تاريخ الدخول 22.01.2018)

41. موقع إن تيفي رو، "في كوبنهاغن تحدثوا عن القذافي"،26.04.2011، http://www.ntv.ru/video/227842/ (تاريخ الدخول 22.03.2018)

42. موقع كرملين رو، "الندوة الصحافية عقب المباحثات مع الرئيس الأمريكي جورج بوش"، 15.07.2006، http://kremlin.ru/events/president/transcripts/23708 (تاريخ الدخول 22.04.2018)

43. موقع وكالة ريا نوفوستي، "الغرب: بوتين وإردوغان وروحاني يخططون للمستقبل. ترامب يخطط الهروب"، 05.04.2018، https://ria.ru/analytics/20180405/1517959635.html (تاريخ الدخول 18.03.2018)



  • محمد الكناوي
    صحافي متهتم بالشأن الروسي ودول الاتحاد السوفييتي سابقا.
   نشر في 17 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا