لم يكن يدري ما أرضه و حاله قبل أن يسقط رأسه في قرية بلا ماء و لا كهرباء. لم يكن يدري أنه سيعمل بحمل معول و ربطة قش في طفولته. لا دراسة و لا تعليم و لا قرأ و لا كتَب. تعلم القرآن في مسجد القرية بلا فهم و لا ادراك، اللهم حفظا بالعصى وفلاقة االفقيه، لم يتعلم خُلقا تعتز به نفسه و لكن تخلق بما يرضي عُرف قبيلته. يستبشر خيرا كل اسبوع عندما يمتطي هو و والده حمارين إلى السوق، يبيعون و يبتعون ما جمعوا من كد الأيام. سنين مرة عليه لم يرى ولامرة وجهه في المرآة بتمعن في ملامحه، لم يفعلها إلا خلسة أمام مرايا العربات في السوق كل أسبوع ومرة في زمن عندما يحلق شعره تحث خيمة الحلاق التقليدي الذي يجعل من رأسه ثقوبا تجري منها الدماء يردمها ببودرة بيضاء و كان الله في صبر المسكين بعد ذلك من شدة الألم. انتَهكتْ حياته، منذ البداية، عبثية هذه الحياة التي تظلم كثيرا من الناس، وتلح عليهم أن يتقبلوا تعاستهم بكل بساطة لأنه لا مكان يجمع جميع البشر في كفة واحدة. هذا تعيس و هذا سعيد من أجل توازن طبيعي غير منطقي، اللهم تفسيرات وجودية يجيء بها مُعتقدٌ يُطمئن القلب و لو قليلا.
لم يتعلم في مدرسة ولكن درس الحياة عن كثب وعاشر كثيرا من البشر، و تفهم الدرس و وعى بما احتاجته طفولته. ثم استودع خبرته لأولاده أن تكلف دراستهم و حنان طفولتهم. ذلك الشيخ الكبير الذي لا أحد يتذكر ملامحه كان بلا شك هو السبب في سعادة أناس آخرين. تزوج أولاده و أولاد أولاده، عاشوا بسلام و تركوه هو في دار العجزة التي كرهها و خرج إلى الشارع، يعيش على تسول بضع دراهم لضمان مأكله و مشربه.
-
Mohammed Guerrabالقراءة و الكتابة بالنسبة لي هروبٌ من عبثية العالم.