عندما نتحدث عن الإعلام العربي بعد الربيع الذي لم تذبل ازهاره حتى الان نتوقف عند مهماته ودوره وسماته، طبقا للفضاء الإعلامي الذي تمتع به بعد زوال ما يطلقون عنه خروجه من السيطرة الحكومية، غير أن الراجح بعد السنوات الماضية يشير إلى أن الإعلام الجديد لم يستثمر هذا الفضاء الواسع من الحرية، وإنما راح يهرول وراء المال السياسي الذي كرسته الأحزاب والقوى السياسية لخدمتها والتعبير عن أهدافها والتسويق لها.

وطبقا لهذا التوصيف فإن أبرز خصائص العصر الإعلامي الجديد دور الجماهير التي أصبحت هي نفسها من تصنع الخطاب لتكون مُرسلا وليست فقط مُستقبِلا كما صنفته النظريات الإعلامية، ليس لأن المواطن الصحفي صار شريكا فعليا في صناعة المحتوى، بل لأن الجماهير شكلت في مجملها كتلة دينية سياسية هائجة ومؤثرة، الأمر الذي صنعت معه إعلامها، وهو أعلام لا يؤسس وفقًا لمفاهيم المهنية والموضوعية.

وصارت الفوضى، وخطاب الحقد والكراهية التي تستهدف النفوس والسلم الاجتماعي مصدرا غنيا لمحتوى إعلامي يقدم خطابه كحل مقدس، بطريقة أن إعلام اليوم الديني ـ السياسي ليس مصدرا خبريا يقدم المعلومة، بل هو تجسيد لفعل قائم على استلهام بعض جروح التاريخ ورموزه.

كما أن انتقال الفعالية الإعلامية بعدالربيع العربي من مرحلة الإعلام المُحتكَر من قبل السلطة إلى إعلام متحرر من كل القيود وغير منضبط على صعيدي الكم والنوع، وجدت وسائل الإعلام العربية نفسها فجأة في مواجهة وضع جديد لم يعشه العرب من قبل، لا سيما التمويل الخارجي لمشاريع إعلامية، صحف، قنوات فضائية، إذاعات، مراكز بحوث، إعلانات مدفوعة الثمن، ومواقع.

واللافت في هذا المجال هو التركيز على طائفية الأمكنة التي كانت مسرحا للتفجيرات والأعمال العسكرية في إطار السعي لتكريس الطائفية في المجتمع العربي، فضلا عن وصف المقاومة في فلسطين مثلاً ضد الاحتلال بأنه إرهاب، في محاولة لتبرير احتلالها.

لقد أفرزت الأوضاع الجديدة بعد الربيع العربي عددًا من الظواهر تجسدت في البداية بحالة من الفوضى والانفلات الإعلامي عددًا هائلًا من الصفحات على مواقع التواصل و الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى صفحات المشهد الإعلامي العربي الجديد ـ لسهولة إنتاجها وتوزيعها.

ثُمَّ تكرر الصراع الإعلامي في التضييق، وحملات تكميم الأفواه، واستهداف الصحفيين بالاغتيالات والخطف، الأمر الذي انعكس سلبًا على حرية الرأي والتعبير وعلى انسيابية حركة الإعلام والصحافة وبما جعل من حرية الصحافة في الوطن العربي تمضي صوب منحدر خطير.

إن التوجه الطائفي والعرقي والديني لأغلب وسائل الإعلام العربية تحول إلى ظاهرة خطيرة في المجتمع،.

وهذه التحديات التي يواجهها العرب كان يفترض أن تكون في صدارة مهام وسائل الإعلام ، غير أنها اتخذت منحى آخر في انخراطها في الاستقطاب الطائفي والعرقي الذي أفقدها تأثيرها في التعبئة والتأثير في المجتمع.