الإصلاح السّياسيّ الأصيل في المملكة الأردنيّة. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإصلاح السّياسيّ الأصيل في المملكة الأردنيّة.

الدّيمقراطيّة المُثلى.

  نشر في 22 فبراير 2022 .

الإصـلاح السّيــاسيّ الأصيــل في المملكـة الأردنـيّة



بســم الحــقِّ المُغــيث


المقدمة

تحـيّةُ الـحقِّ والعـروبـةِ ،،

بسم الله الّذي به يخطُّ القلم ، والّذي به تنشرح الصّدور ، وبه يتجلّى العلم ، وبه يرفع الجهل ، وبه تعتزّ النفوس ، وبه ترفعُ المكانة ، وبه يرنو العلم رحاب السماء ، وبه يفيضُ السّلام ، وتنتصب العدالة ، وتستقيمُ العصا ، ويُنصر المظلوم ، وبعدُ ..


حَكَمَ المنطق ، واستقرت الشعوب البشريّة على ضرورة وجود سلطة ذات نفوذ تحكم الجماعة البشريّة ، بحيث توحّد السّياسة والمخرجات ، وتنظم وتدير شؤون الجماعة الدّاخليّـة والخارجيّة ، وتهتم بالجانب الاقتصاديّ والثقافيّ والتعليميّ لهذه الجماعة ، وتوفر فرص العمل للأفراد ، وتُأمّن لهم المعيشة الكريمة ، وتُتيح لهم الأمن والصّحة والسّكينة وتحافظ على التّقاليد وتحميها من الخدش ، وتصون الآداب العامة لهذه الجماعة . وهذه هي الخدمة العامة التي تقع على عاتق الدولة ، مقابل وجودها وحفاظًا على عنصرها الجوهريّ وهو الشّعب الذي يُمارس عليه العنصر الجوهري الثاني وهو السلطة .


لكن ما يُثير التّساؤل ، من هي الجهة صاحبة الحكم ؟ ، ومن هي الجهة صاحبة السلطة ؟ ، ومن يضع القواعد التي تلتزم بها السلطة ؟، ومن هو الرقيب على اعمال هذه السلطة ؟، وما هو مدى فعالية هذا الرقابة ، هل هي رقابة جزلة تحافظ على استقامة تصرفات هذه السلطة وتضبطها نحو الاتّجاه السليم وتمنعها من التّوغل والتّعسف ، او ليس هي إلّا مفهوم شكلي لا فعالية له ، يضفي صفة المشروعيّة على تصرفات السّلطة التّعسفيّة ؟


انقسمت آلية ممارسة السلطة والحكم ، إلى قسمين .. فالقسم الأول اتّجه إلى احتكار السلطة وتركيزها في يدّ الهيئات الحاكمة وتركيزها في يد هيئة واحدة ، والجميع يخضع لمخرجات هذه الهيئة وقراراتها وسياستها ، وهي التي تدير جميع جوانب الدولة السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والفنيّة والاجتماعيّة والتعليميّة ، والقطاع الخاص . وهذا ما سُميَ بمصطلح النظــام الشمـوليّ الذي جاء من الشمول ، اي شمول هذا السلطة واحتكارها في إدارة جميع جوانب الحياة.


وهنالك جانب آخر وهو تركيز الجانب السياسيّ غالبا فقط في يد فرد واحد معين او مجلس عسكري ، وهذا ما سُميَ بمصطلح النّظــام الدّكتاتوريّ أو السّلطويّ ، وكلاهما في قسم واحد ، وهو الذي يُجنّب الحكم عن الأفراد والشّعب ، أي يندرجان تحت قسم النّظم الغير ديمقراطيّة ، وهي التي تغلّب المصلحة الخاصة والفرديّة على المصالح الجماعيّة ، وهذا هو من أهم مقومات الظلم ، والبعد عن الحقّ ، التي تجعل من الشعب قطيع يخضع لسلطة متعسفة في يد هيئة واحدة لا رقيب عليها ، تتصرف وتضع المخرجات في جانب مصلحتها الخاصة ، وتستغل الشعب فقط من أجل مصلحة هذا الهيئة ، دون أيّ اعتبار واهتمام في نطاق المصالح الجماعيّة الساميّة.



ماهية الدّيمقراطيّة

وفي القسم الآخر ، تبرز العدالة والمنطق والحقّ وصون المصالح الجماعيّة العُليا ، وهي النظم الديمقراطيّة ، وزمام ايدولوجياتها هو منح الحكم للشعب ، اي ان تكون الكلمة العليا في الدولة وفي تحديد مخرجات الدولة وساستها وحدود تصرفاتها في متناول الشعب وإرادته ، وهذه هي العدالة ، لأنّ آثر هذه السياسة والتصرفات والقرارات والمعاملات والإدارة سينعكس مباشرة على الأفراد ، والمصالح الجماعيّة أُوْلى بالعناية من المصالح الشّخصية ، فذلك كلّه يقضي بأن يكون حكم ذلك في يدّ الشّعب لأنّه هو صاحب المصلحة الأولى في ذلك ، وهو المتأثر الرئيس من ذلك ، وهو صاحب المصلحة العامة والجماعيّة . فالحكم يكون في يدّ الشعب ورأي الجماعة السّليم والفعّال نحو سياسة رشيدة وعادلة .


فالديمقراطية كما أسلفنا بأنها تعني حكم الشعب ، أي ان يكون كل من السلطان والسيادة والسلطة الحقيقية والكلمة العليا بيدّ الشعب ، فالإرادة الشعبية تأخذ مكانة مرموقة وجليّة وسامية في الدولة . وهذا ما استقر عليه المنطق والعدالة كما تم الذكر آنفا ، وجاء اسلامُنا الحنيف واقرَّ هذا المبدأ ، فقال السّلامُ السّلامَ عند قوله سبحانهُ ( وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ) ، وذلك يدّل مكانة رأي الجماعة وإرادتهم ، لأنها ستقود إلى السلام والأيديولوجيات الصائبة والحقّ والحفاظ على الحقوق والحرّيّات العامة للأفراد ، وقال عليه الصّلاة السّلام : " إن أفضل الجهاد عند الله كلمة الحقّ عند سلطان جائر ." ، وقال سيّد العادلين سيّدنا عمر بن الخطّاب لشخص أراد أن يمنع أعرابيا يرد نقد الخليفة الجبل عمر : " دعّه يقولها فلا خيّر فيكم إن لم يقولها ولا خير فيّ إن لم أسمعها " .




صور الدّيمقراطيّة وصلاحيتها

والديمقراطيّة لها ثلاث صور ، كلها تحافظ على حكم وإرادة الشعب ، ولكن هذه الصور قسّمت على معيار آليّة ممارسة الشعب للحكم ، وفي دراستنا سنبحث في هذه الصور ، ونبيّن مفهومها وزمامها باختصار، ونوجّه البوصلة إلى الصورة السليمة والفعّالة التي تحافظ بشفافيّة على الإرادة الشعبيّة ولا تمسّ بل تعصمها من المساس بجوهرها ومكانتها وجليتها

وسَنُبيّن من خلال دراستنا على صورة الديمقراطيّة المتّبعة في النّظام الدستوريّ الأردني ، ونبيّن مدى فعاليتها وحفاظها للإرادة الشعبيّة ومكانتها ، ونبيّن الصورة الأكثر حفاظًا على حكم الشعب وإرادته وسموها ، نحو السياسة الرشيدة والحياة الكريمة والرفاهيّة للأفراد والسّكان ، ونحو العدالة والمنطق ، بعيدّا عن التّعسف والديمقراطيّة الشكليّة والشموليّة والدّكتاتورية المتسترة ..

ثبت أن الديمقراطيّة تُمثل سلطان الشعب وكلمته الساميّة ، لكن كيف سيمارس الشعب هذا السلطة ، فقسمت الديمقراطيّة على أساس هذا المعيار إلى ثلاث اقسام وهي : الديمقراطيّة المباشرة ، والديمقراطيّة غير المباشرة ، والديمقراطيّة شبة المباشرة . وسنُبيّن فحواها تبعًا .


الديمــقراطيّة المباشرة

تعني إن يمارس الشعب بنفسه هذا السلطة ، دون أي وسيط بينه وبين اتخاذ القرارات وممارسة سلطته داخل الدولة ، فالشعب هو الذي يدير شؤون الدولة بنفسه ويمارس كافة مظاهر السلطة . وهذا الصورة هي الصورة المثلى للديمقراطيّة ، بمقتضى أنها تضمن الفعالية الحقيقة للإرادة الشعبية وعدم تهميشها ، فالمباشرة هي أدق صور الديمقراطيّة بحيث تكون الإرادة الشعبيّة محضة وحقيقيّة ولا يتم تجاهلها واتخاذها ستارة على الممارسات السلطويّة والديكتاتوريّة تضفي عليها صفة المشروعيّة ، ولا تكون إلّا مشروعيّة صوريّة ، تُخفي تعسّف الهيئات وتوغلها واستغلالها لخدمة مصالح خاصة مستثنية للمصالح الجماعيّة العليا .

وعلى الرغم من مثاليّة هذه الصورة إلا أنّها تلاشت تقريبا ، وذلك بسبب ارتفاع كثافة الشعب السياسي داخل الدولة الواحدة ، وذلك يخلق صعوبات جسيمة في ظل الديمقراطيّة المباشرة ، فيصعب لثلاثين مليون مثلا أن يمارسوا سلطة واحدة وهم بهذا الكم ، وهذا كان سببا لتلاشي هذا النوع من الديمقراطيّة في أغلب الدول ذات النظام الديمقراطيّ . وكذلك بمقتضى أنّها تقدم مصالح الأغلبية على الأقليمة فمصالح الأخيرة ستكون عرضه للقمع والاستغلال في ظل تطبيق الديمقراطيّة المباشرة .



الديمــقراطيّة غير المباشرة ( النّـيابيّـة )

أما هذا الصورة ، فهي عكس الصورة الأولى تمامًا ، فهذه تقتضي وجود وسيط بين الشعب السياسيّ وممارسة السلطة ، بحيث يقوم هذا الأخير من ممارسة السلطة نيابة عن الشعب ، بحيث يتم انتخاب مجلس ممثل من الشعب كل فترة معينة ، ويقوم هذا المجلس من ممارسة السلطة واتخاذ القرارات والتصرفات والقيام بالرقابة والتشريع نيابة عن الشعب ، ولا يكون للشعب أيّ شأن حقيقي في السلطة غير اختيار الممثل كل فترة ، وهذا الممثل هو من يقوم بهذا التصرفات نيابة عن الشعب .

وهذا الصورة هي اسوء صور الديمقراطيّة ، فهي تُعرّض الإرادة الشعبيّة للتجاهل واتخاذها حاجبا يخفي التصرفات الديكتاتوريّة ، فهذا الصورة تُتيح الفرصة للهيئات بالهيمنة على الإرادة الشعبية عندما حصرتها بمجموعة صغيرة من الممثلين ، وذلك لعدم قدرتها الهيمنة على الإرادة الشعبية الحقيقية ، فهذه الديمقراطية تشكل خطر كبير على حكم الشعب وكلمته العليا ، فهي تظهر الإرادة الشعبية الممثلة بِعدد محدود من الممثلين وتقطع الإرادة الشعبية الحقيقة عن اتخاذ القرارات والتصرفات وممارسة السلطة ، فالشعب بعد انتخاب الممثلين ، لا يكون له أي كلمة حقيقية على الواقع العملي والسياسي ، فتبرز استقلالية البرلمان عن هيئة الناخبين ، وتنحصر الإرادة الشعبيّة في ممثلين الشعب الذي يسهل الهيمنة عليهم مقابل خدمات ومصالح خاصة ، وبتالي فساد الشؤون العامة للدولة ، وفساد الشؤون الاقتصاديّة والماليّة والسياسيّة والاجتماعيّة والإداريّة ...إلخ ، والإخلال في الرقابة البرلمانيّة ووظائف السلطة التشريعيّة وفساد جوانب الدولة كافة .



الديمــقراطيّة شبه المباشرة

إذا كانت الديمقراطيّة المباشرة هي الصورة المثلى للديمقراطيّة ، والديمقراطيّة غير المباشرة هي أشد تهديد على حكم الشعب وتوظيف الديمقراطيّة الحقيقيّة ، وبما أنَّ الأولى هنالك عوائق كبيرة جدا لتطبيقها وصعوبة في ذلك ، فإن الصورة المُثلى والصائبة والحقيقية للديمقراطيّة في الوقت الراهن هي الديمقراطيّة شبه المباشرة . وهذا الصورة فحواها اشتراك الشعب مع الممثلين عنه في ممارسة السلطة ، بحيث لا تحتكر هذه السلطة في يد الممثلين فقط وتهمّش الإرادة الشعبية الحقيقية ، فلا يقتصر دور الشعب في هذه الصورة على انتخاب الممثلين فقط ، فيبقى دورهم قائم وفعّال خلال ممارسة الممثلين للسلطة وتبقى الكلمة العليا للإرادة الشعبية الحقيقية ، بحيث إذا تصرّف الممثلين بشكل يتضارب ويتناقص مع الإرادة الشعبية ، تكون الإرادة الشعبية هي الأسمى وهي الأُوْلى .

فهذه الصورة هي الصورة الساميّة والفعّالة للإرادة الشعبية وحكم الشعب ، فهي تصون الإرادة الشعبيّة الحقيقة وتحافظ على مخرجاتها وتوظفها توظيفًا حقيقيا في السياسة العامة للدولة ، فهذا الصورة تبقي كلمة الشعب عاليًا وتحافظ على سموها .


ويتم توظيف الديمقراطيّة الشعبيّة عن طريق مشاركة الشعب السياسيّ مع الممثلين المنتخبين، في ممارسة السلطة ، وذلك عن طريق مظاهر الديمقراطيّة نصف المباشرة ، وما أُسمّيها بمعزّزات الإرادة الشعبيّة ، وهم الاستفتاء الشعبيّ ، والاقتراح الشعبيّ والاعتراض الشعبيّ ، وحق الناخبين في إقالة النائب ، وحلّ البرلمان .


ومقابل القول بأنَّ هذه المظاهر تتعارض مع النّظام النيابيّ ، إلّا أنّنا نرى بعكس ذلك تمام ، فالنّظام النيابيّ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإرادة الشعبيّة ، وهذا المظاهر تضمن فعاليّة الإرادة الشعبيّة وتعززها ، وبما انّ أثرها إيجابيّ على الإرادة الشعبيّة فمن المفترض والطبيعي أن يكون أثرها إيجابيّ أيضا على النظام النيابيّ . لأن كلاهما يتّجهان إلى تحقيق الإرادة الشعبيّة الحقيقية ، فالنظام البرلماني يحتضن تمثيل الإرادة الشعبيّة ، وهذا المظاهر تعزز فعاليّة وسمو ومنزلة الإرادة الشعبيّة وضمان حكم الشعب .



اما الآن فسوف ندخل إلى زمام بحثنا وهو نوع الديمقراطيّة المتّبعة في النظام القانوني الأردني ، وآلية إصلاح ذلك ، وصولًا إلى الحكم الصائب والعادل .


بادئ ذي بدء بأن موقف النّظام الدّستوريّ الأردنيّ كان بتبني النّظام البرلمانيّ فقد نصّت المادة 1 من الدستور على نظام الحكم في المملكة الأردنيّة ، فجادت بما يلي " المملكة الأردنيّة الهاشميّة دولة عربيّة مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزّأ ولا ينزل عن شيء منه ، والشّعب الأردنيّ جزء من الأمّة العربيّة ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي."


فهذا موقف واضح بقيام نظام الحكم في المملكة على النظام البرلمانيّ ، والّذي من أهم متطلباته تمثيل الإرادة الشعبية بواسطة برلمان منتخب ، فمن هنا وبدلالة هذا النّص الدستوريّ قد تبيّن لنا باتّباع الدستور الأردنيّ للنهج الدّيمقراطيّ ، وبصلاحية حكم الشعب ومكانتها العليا .


لكن هذا لا يكفي لضمان الإرادة الشعبيّة الحقيقيّة في ظل سياسة الدّولة ، فيجب تبنّي صورة للدّيمقراطيّة تحافظ وتصون وتضمن الإرادة الشعبيّة ومكانتها ، وإلا كانت الديمقراطيّة ما هي إلّا مفهوم شكليّ يضفي صفة المشروعيّة على التصرفات السلطويّة والديكتاتوريّة .


ومن خلال الفصل السادس من الدستور الأردنيّ ، يتبيّن لنا اتّباع صورة الدّيمقراطيّة النيابيّة (الغير مباشرة) كصورة متّبعه في النظام البرلمانيّ لتحقيق الإرادة الشعبيّة في ممارسة السلطة .


ومن الجدير بالذكر تبيان صلاحية هذه الصورة في تحقيق الإرادة الشعبية الحقيقيّة وتحقيق رسالة الدّيمقراطيّة السّاميّة ومحافظتها على المصالح الجماعيّة للدولة والشعب . فهذا الصورة هي اسوء صور الديمقراطيّة ، فهي تُعرّض الإرادة الشعبيّة للتجاهل واتخاذها حاجبا يخفي التصرفات الدّيكتاتوريّة ، فهذا الصورة تُتيح الفرصة للسلطة التنفيذيّة والجهات الأخرى بالهيمنة على الإرادة الشعبية عندما حصرتها بمجموعة صغيرة من الممثلين ، وذلك لعدم قدرتها الهيمنة على الإرادة الشعبية الحقيقية ، فهذه الديمقراطية تشكل خطر كبير على حكم الشعب وكلمته العليا ، فهي تظهر الإرادة الشعبية الممثلة بِعدد محدود من الممثلين وتقطع الإرادة الشعبية الحقيقة عن اتخاذ القرارات والتصرفات وممارسة السلطة .


فالشعب بعد انتخاب الممثلين ، لا يكون له أي كلمة حقيقية على الواقع العملي والسياسي ، فتبرز استقلالية البرلمان عن هيئة الناخبين ، وتنحصر الإرادة الشعبيّة في ممثلين الشعب الذي يسهل الهيمنة عليهم مقابل خدمات ومصالح خاصة ، وبتالي فساد الشؤون العامة للدولة ، وفساد الشؤون الاقتصاديّة والماليّة والسياسيّة والاجتماعيّة والإداريّة ...إلخ ، والإخلال في الرقابة البرلمانيّة ووظائف السلطة التشريعيّة وفساد جوانب الدولة كافة ، وظهور نتائج تتعارض وتتناقض تماما مع الإرادة الشعبيّة الحقيقيّة .


فإن كنا نسعى لإصلاح سياسيّ حقيقيّ وجذريّ وأصيل ، لا بُدّ أولا من توظيف الإرادة الشعبيّة الحقيقيّة في ظل سياسة الدّولة ، وان تُنصب في منصبها السامي والمرموق ، وذلك لا يكون في صورة الدّيمقراطيّة النّيابيّة التي تتيح الفرصة في الهيمنة على الإرادة الشعبيّة مقابل مصالح خاصة للنّواب.


ففي مجتمعنا الأردنيّ هنالك جهل سياسيّ في وظيفة النائب ، فإن دور النائب لا بل مجلس النواب ككل ، هو دور رقابيّ تشريعيّ بنص الدستور ، وهذا زمام النظام البرلمانيّ . لكن يظهر جليًا بأنّ افراد المجتمع يجهلون ذلك ، فهم يستغلوا النواب من أجل خدمات خاصة شخصيّة أو اقليميّة ،ويكون أغلب النواب صاغين لذلك من أجل خدمة ناخبيهم واكتسابهم في فرصة ترشّحهم للانتخابات البّرلمانيّة مرة اخرى ، وذلك له أثر جسيم على النظام البرلمانيّ والنّهج الديمقراطيّ ، لأن هذه الخدمات ستخلق علاقات شخصيّة مصلحيّة بين أعضاء مجلس النّواب والوزراء وغيرهم من أصحاب المصالح الكبرى في المملكة ،والذي بيدهم تقديم الخدمات للأفراد والناخبين ، ومثل هذه العلاقات ستُخلف ترهلًا في الدور الرقابيّ والتشريعيّ ، وبالتالي المساس بجوهر النظام البرلماني ، والقيمة السياسيّة للنائب في مواجهة السلطة التنفيذية محل الرقابة ، وهذا هو سبب من أسباب الفساد الرقابيّ والتّشريعيّ والدّيمقراطيّ في الأردن ،ومن أجل ذلك تم إنشاء مجلس المحافظة (اللامركزية) لاستقطاب جانب الخدمات من النطاق النيابيّ ، حتى ينفرد بوظيفته الأسمى البحتة ، ويحقق رقابة تشريعيّة فعّالة ، ذات مخرجات سليمة . وهذا يعد سببا واضحا لإمكانيّة الهيمنة على الإرادة الشعبيّة عن طريق خدمة المصالح الخاصة للنّواب.


ولكل مشكلة إصلاحا أصيلا جذريّ يسدُّ فاه هذه السلبيات والشخصنة ، ويكون ذلك في علاج الأصل والجذر ، فالإصلاحات الجانبيّة والجزئيّة لا يكون لها أثر ايجابيّ قوي على الجانب العمليّ والتطبيقيّ .


والإصلاح الأصيل يتجلّى في التّحول الدّيمقراطيّ وذلك في التّحول من صورة الدّيمقراطيّة النيابيّة الغير مباشرة إلى صورة الدّيمقراطيّة الشبة المباشرة التي تكون أكثر صور الدّيمقراطيّة كفاءة في الحفاظ على الإرادة الشعبيّة الحقيقيّة في ظل صعوبة توظيف الديمقراطيّة المباشرة ..


فإن الصورة المُثلى والصائبة والحقيقية للدّيمقراطيّة في الوقت الراهن هي الديمقراطيّة شبه المباشرة . وهذا الصورة فحواها اشتراك الشعب مع الممثلين عنه في ممارسة السلطة ، بحيث لا تحتكر هذه السلطة في يد الممثلين فقط وتهمّش الإرادة الشعبية الحقيقية ، فلا يقتصر دور الشعب في هذه الصورة على انتخاب الممثلين فقط ، فيبقى دورهم قائم وفعّال خلال ممارسة الممثلين للسلطة وتبقى الكلمة العليا للإرادة الشعبية الحقيقية ، بحيث إذا تصرّف الممثلين بشكل يتضارب ويتناقص مع الإرادة الشعبية ، تكون الإرادة الشعبية هي الأسمى وهي الأُوْلى .


فهذه الصورة هي الصورة الساميّة والفعّالة للإرادة الشعبية وحكم الشعب ، فهي تصون الإرادة الشعبيّة الحقيقة وتحافظ على مخرجاتها وتوظفها توظيفًا حقيقيا في السياسة العامة للدولة ، فهذا الصورة تبقي كلمة الشعب عاليًا وتحافظ على سموها .


ويتم توظيف الديمقراطيّة الشعبيّة عن طريق مشاركة الشعب السياسيّ مع الممثلين المنتخبين، في ممارسة السلطة ، وذلك عن طريق مظاهر الديمقراطيّة نصف المباشرة ، وما أُسمّيها بمعزّزات الإرادة الشعبيّة ، وهم الاستفتاء الشعبيّ ، والاقتراح الشعبيّ والاعتراض الشعبيّ ، وحق الناخبين في إقالة النائب ، وحلّ البرلمان .


ومن الضروري رفع مستوى الوعي عند أفراد الشعب السياسيّ بكافة الوسائل بأهمية ممارسة هذه المظاهر بمصداقية وشفافية ، وأثر ذلك على سياسة الدولة ، والجدير بالذكر بأن النظام الالكتروني والتكنولوجي الراهن يسهّل كثيرًا توظيف هذه المظاهر ويعززها ، ويقلل تكلفة ذلك ، على الرغم من الفجوة الواسعة بين تكلفتها ونتائجها الايجابية على الدولة والحفاظ على الجوانب الماليّة والاقتصاديّة ودعمها .


ومقابل القول بأنَّ هذه المظاهر تتعارض مع النّظام النيابيّ ، إلّا أنّنا نرى بعكس ذلك تمام ، فالنّظام النيابيّ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإرادة الشعبيّة ، وهذا المظاهر تضمن فعاليّة الإرادة الشعبيّة وتعززها ، وبما انّ أثرها إيجابيّ على الإرادة الشعبيّة فمن المفترض والطبيعي أن يكون أثرها إيجابيّ أيضا على النظام النيابيّ . لأن كلاهما يتّجهان إلى تحقيق الإرادة الشعبيّة الحقيقية ، فالنظام البرلماني يحتضن تمثيل الإرادة الشعبيّة ، وهذا المظاهر تعزز فعاليّة وسمو ومنزلة الإرادة الشعبيّة وضمان حكم الشعب .


وإلى جانب هذه المظاهر من الواجب توظيف استراتيجيّة ذات أهميّة كبيرة ، وهي عدم جواز ترشّح النائب الذي اكتسب عضويّة مجلس النّواب ، للانتخابات البّرلمانيّة مرة اخرى ، وذلك لتجنّب فرصة النائب في سعيه للخضوع للسلطة التنفيذيّة والجهات الأخرى سعيًا لتقديم الخدمات لناخبيهم من أجل التصويت له في الدورة الانتخابيّة اللاحقة . وذلك على نهج سياسة المادة ٥٩ فقرة ٢ من الدستور التي جادت بأن عضوية المحكمة الدستوريّة ٦ سنوات غير قابلة للتجديد ، وفلسفة ذلك تكمن في ضمان شفافية اعضاء المحكمة ومصداقية قراراتهم وذلك في حظر امكانية الخضوع وهيمنة الجهة التي تملك صلاحية تجديد عضويتهم عليهم .


الخلاصة ..

إن الاصلاح السياسيّ الأصيل والجذريّ في المملكة الأردنيّة يجب أن يكون في نطاق تحقيق الإرادة الشعبيّة الحقيقة انطلاقًا من النهج الديمقراطيّ ، وذلك يكون عن طريق التّحول من صورة الدّيمقراطيّة النّيابيّة الغير مباشرة إلى الدّيمقراطيّة الشبة مباشرة التي تعبر هي الأفضل والأجدر في الوقت الراهن والمجتمعات المعاصرة ، في المحافظة على مكانة وسمو الإرادة الشعبيّة الحقيقيّة العليا ، وتطبيق النهج الديمقراطيّ بصورة فعّالة وحقيقية ، بعيدًا عن المفاهيم الشكليّة التي لا تكون غير ستارة تُخفي التصرفات الدّيكتاتوريّة وتضفي عليها صفة المشروعيّة .


Conclusion..

The original and radical political reform In the Kingdom of Jordan must be within the scope of realizing the true popular will On the basis of the democratic approach,This is done by changing from an indirect form of representative democracy to a semi-direct democracy Which expresses is the best and most worthy in the present time and contemporary societies, in preserving the status and loftyness of the true, supreme popular will, and the application of the democratic approach in an effective and real way, away from the formal concepts that are not only a curtain that hides dictatorial actions and gives them legitimacy.


       شَـرِيف أنِيـس ربابعـه.

كُلّيـة القـانون – جامعـة اليرمـوك



  • 1

   نشر في 22 فبراير 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا