الأفلام الهابطة والواقع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الأفلام الهابطة والواقع

  نشر في 12 يناير 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


هل الأفلام تجسد الواقع أم أنها تصنع الواقع ؟ سؤال لن تحتار في إجابته كثيرا ً إذا ما سمعت أحد منتجي هذه الأفلام التي أصبحت وباء مجتمعنا المصري بأنهم يجسدون الواقع بحجة أنهم يلقون الضوء على السلبيات من أجل معالجتها .

وكأن واقعنا أصبح لا يضم بين جنابته إلا كل ما هو بذىء ومنحط أخلاقيا ً كتلك الأدوار التى نراها في هذه الأفلام وما تحمله من ألفاظ نابية لم نعهد بها أبدا ً في مجتمعنا .

وكأن مجتمعنا المصري خلى من النماذج الإيجابية والصور المشرفة من العلماء والأدباء والمخترعين والشباب المكافحين الناجحين , ولم يتبق لنا إلا هذه الصورة القميئة والتي يرون أن لابد  من إلقاء الضوء عليها لمعالجتها , وفي النهاية تخرج من الفيلم بلا أي رسالة أو معنى أو قيمة أو معالجة وتكتشف أنها ليست أكثر من مجرد عرض لراقصة وبلطجي ؟!!

وأصبحت تمثل القدوة للشباب والأطفال وأخذوا يقلدونها تقليد أعمي في الشكل والمظهر والمصطلحات المبتذلة .و من الملاحظ أيضا ً أن تجسيد تلك الأدوار السلبية لم يقتصر على الممثل الثانوي كما كان في الماضي ولكن أصبح يأخذ دور البطولة في الرواية ( البلطجي - المدمن - السارق) ليأخذ دور البطولة في واقعنا أيضا ً  .

وقد عمقت هذه الأفلام الفجوة الأخلاقية بين الأجيال ومازالت تتسع ومازالت الأخلاق في انهيار حتى تتوقف تلك المهازل تحت مسمى الفن , التي غيبت وشوهت معنى القدوة الحسنة للشباب والأطفال وستفرز لنا جيل بلا أخلاق بلا هدف وبلا معنى وبلا هوية .

وما أريد التأكيد عليه أن تواتر وتكرار عرض هذه الأفلام هو ما جعلها واقع وإقبال المنتجين على ذلك النوع من الأفلام هو ما جعلها واقع , فإن كانت من قبل تمثل فئة قليلة من المجتمع , أصبحت الآن تستشري بقوة في جزء كبير من المجتمع .

هذه الأفلام تشكل خطورة كبرى على المجتمع ليس فقط على المستوى الاجتماعي والأخلاقي بل وعلى المستوى الاقتصادي .

فالتغييب المتعمد للقدوة الحسنة للشباب وترسيخ قيمة العلم والعمل والعصف بالمبادىء والقيم وأنها أصبحت بالية في عصرنا هذا ولا تسمن ولا تغني من جوع , وأن الطريق غير المشروع والجريمة هو الأسهل والأضمن لتحقيق الثروة والغنى يعود بالسلب على الوضع الاقتصادي .

فكل ذلك ما هو إلا شحن سلبي للشباب يؤثر على إنتاجيتهم وفعاليتهم في المجتمع وزيادة معدلات الجريمة والبطالة واللجوء إلى المخدرات لتسكيين آلالام ذلك الواقع المرير , وبدلا ً من أن تستمثر الدولة نفاقتها في تطوير التعليم والصحة والاقتصاد , تتحمل أعباء اقتصادية في مكافحة الجرائم وإعادة تأهيل المدمنين . وبدلا ً من أن تبني الدولة المزيد من المدارس , تبني المزيد من السجون ودور التأهيل . وهنا تتأكد مقولة فيكتور هوجو " بناء مدرسة يغلق سجنا ً " .

ويمتد التأثير السلبي لتلك الأفلام على وضع السياحة في مصر ولنأخذ الدراما التركية  كمثال - مع التحفظ عليها - وعلى ما تقدمه من مادة هشة فضلا ً عن الدبلجة العقيمة للهجة السورية العامية التي زادت الوضع سوءا ً , فلم يتم عرضها باللغة التركية الأصلية والتي كان من الممكن أن يكتسب مشاهدي هذه المسلسلات لغة جديدة على مدار العام الذي يعرض فيه المسلسل !!! ولم يتم دبلجتها حتى إلى اللغة العربية الفصحى ليتسنى للمشاهد نطق الفصحى بشكل جيد .

ومع ذلك تقدم الدراما التركية صورة رائعة لبلادها , وقد يكون المضمون الهش يسعى فقط إلى عرض المعالم السياحية والمناظر الخلابة ومستوى التقدم والرقي والنظافة التي وصلت إليه بلادهم , ولا شك أنها دعاية ذكية للغاية يستحقون عليها التقدير وعادت بالإيجاب على السياحة في بلادهم .

ومن هنا يتبين لنا مدى خطورة تأثير هذه الأفلام على مجتمعنا في الداخل , فضلا ً عن الصورة السلبية التي تنقلها إلى الخارج وبالغ الضرر على السياحة التي تعد مصدر دخل رئيسي للبلاد .

ومن ثم يجب على صناع هذه الأفلام شيئين هما التخلي والتحلي , التخلي عن مكاسبهم المادية ومصالحهم الشخصية , والتحلي بمكارم الأخلاق وصناعة فن يليق بمكانة مصر وحضارتها , وخلق واقع جديد للشباب بتقديم القدوة الحسنة التي تعاني من تغييب ُمتعمد ومعالجة المشكلات الحقيقة للوطن بواقعية إيجابية , والخروج من دائرة النهاية الواقعية السلبية التي تثبط الشباب وتبعث إلى نفوسهم اليأس والإحباط , وتقديم صورة الشباب المبادر المتحدي لكل واقع مؤلم متسلحا ً بالعلم والعمل والإيمان والتأكيد على ضرورة العمل الجماعي وروح التعاون .

فإذا ما عقدنا مقارنة بسيطة بين ما تقدمه هوليود الغرب وهوليود الشرق (مصر) سنجد الفرق شاسع والمقارنة ليست في صالحها , ومن أروع الأفلام التي قدمتها لنا هوليود الغرب في نموذج الشاب المكافح الذي تحدى كل الظروف القاسية وكان مخرجه الوحيد منها هو العمل الدائم والمثابرة ليلا ً ونهارا ً هو فيلم (the pursuit of happiness) للممثل ويل سميث . 

الفن مسئولية كبيرة لما له من تأثير خطير على كل جوانب المجتمع ومهما اختلف عليه البعض أو اتفق فهو واقع ومستمر , فليكن واقعا ً إيجابيا ً ومشرقا ً .

الفن مرآة الشعوب , فعذرا ً صناع الفن مرآة مصر ليست مشوهة !


  • 1

   نشر في 12 يناير 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا