إلى متى يا زهرة المدائن تتوجعى ولا يشعر أحد بأوجاعك؟! إلى متى تصرخي وتنتفضى وتُقَابل تلك الصرخات المدوية ببعض الكلمات الباردة التي لا تحرك ساكنًا، والأفعال الزهيدة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع؟! إلى متى تنهارى وتسقطى وتنهضى وحدك دون أن تجدى مَن تستندى على كتفيه؟! إلى متى أيتها الصابرة الصامدة تتلقى السهام الغادرة والطعنات الغائرة دون أن تجدى مَن يتقيها عنكِ ويضحى لأجلك ويشد أزرك؟ّ! إلى متى ينزف قلبك ويتساقط أولادك وتُنتَهك أرضك أمام أعيننا والعالم مِن حولك في سبات عميق؟! إلى متى ستظل أيدينا مغلولة إلى أعناقنا أمام تلك المجازر الوحشية؟! إلى متى السكوت على جرائم الحرب التي تُرتَكب علنًا وقتل الأطفال والنساء والمسنين والمعاقين وقذف منازلهم بوابل من الصواريخ المتلاحقة وكأنها تمطرهم بها؟! إلى متى يقف اليهود حائلًا بين الفلسطينيين وبين حقوقهم في جو مِن الدعم والتأييد؟!
وكيف لتلك الأحداث الدامية أن تحدث فى المسجد الأقصى المبارك أُولَى القبلتين وثالث الحرمَين ومسرى نبينا -صلى الله عليه وسلم- ومعراجه؟! كيف لتلك البقعة المباركة المقدسة أن تتحول إلى بركة دماء وساحات للقتال؟! وكيف يدنس المسجد الأقصى على شرفه؟! وكيف يُستَهَان به على قدرة؟! ومتى ينتهى هذا الصراع الأزلى وتضمد الجروح ويأخذ كل ذي حق حقه؟! كيف يمكن لهذا أن يحدث في ظل الإحتلال الصهيوني الآثم الذى لا علاقة له بالإنسانية ولا ينتمى لأى ديانة سماوية؟! وأين المسلمون مِن أوجاعك الدائمة وصرخاتك المتلاحقة؟! أين الأشقاء في وقت المِحَن؟! ولِمَ كان كل نصيبك منهم هو الخذلان؟! هل أنتِ يوسُف حقًا وكل العالم اخوته؟!!
فمنذ أن بدأ الاحتلال الصهيوني الغاشم الذى بدد كل جميل وأرخص كل غالٍ وأزهق أرواح الأبرياء وسعى في الأرض فسادًا لم نرَ صفعة قوية على وجهه من قريب أو بعيد تزجره عن أفعاله المشينة وتقتص منه وتعيد الحقوق إلى أصحابها، بل تلعثمت الأصوات وتحشرجت وانخرطت في همس وظلام دامس ساعية بكل ما تملك للبحث عن مبررات لهذا السكوت.
أذكر على سبيل المثال لا الحصر الأنتفاضة التي حدثت عام 1987 عندما قامت بعض الدبابات الإسرائيلية بدهس مجموعة مِن العمال الفلسطينيين أثناء تأدية أعمالهم بصورة متعمدة؛ مما نتج عنه كثير مِن الشهداء والمصابين، وكرد فعل طبيعى قام الفلسطينيون بانتفاضة هزّت جميع أنحاء غزّة مطالبين بحقوق الأبرياء والأخذ بالثأر من الجبابرة القتلة، ولم تلقَ تلك الإنتفاضة إلّا زيادة وحشية الجيش الإسرائيلي الذى أصرّ على مواصلة التعامل بكل قسوة وعدوانية، وبكل الطرق التي لا تمُت للإنسانية بصلة، فأوقعوا العشرات من القتلى والجرحى رغم أن تلك الثورة لم يُستَخدَم فيها أي نوع من الأسلحة مِن قِبَل الفلسطينيين سوى الحجارة، وكأن لليهود الحق في كل ما يقومون به مِن قتل وتعذيب وانتهاكات دون أن يحق للفلسطينيين أن يقتصوا لشهدائهم أو ان يثأروا لأرضهم.
ومن الجدير بالذكر والأمر المخزى والمخذل أن يدين العالم هؤلاء الضعفاء العُزَّل الذين يواجهون الرشاشات والقنابل بالحجارة محاولًا القضاء على انتفاضة الحجارة بقرار سياسى على يد اتفاقية (إعلان المبادئ) عام 1993 بأوسلو.
فأين العرب والمسلمون من كل هذه الإنتهاكات المستمرة المتلاحقة؟! أين دور الحكومات والشعوب في مساندة الشعب الفلسطيني ونصرته وحماية المسجد الأقصى الذى يستغيث بالمسلمين ويدعوهم إلى التحرك لحمايته ؟! أين نحن من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا" ؟! ولماذا سيطر علينا الخوف والفزع من هؤلاء الغاصبين المُحتلين ونحن نؤمن بقوله تعالى (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين )
أما آن الأوان أن نتحرك ونلبى النداء وننقذ الأقصى الشريف؟! ألم يأن للمسلمين أن يفيقوا وينهضوا ويصطفوا حول الأقصى لحمايته وتحريره والدفاع عنه وعن إخواننا الفلسطينيين المُستضعَفِين الذين زُلزِلوا زلزالًا شديدًا؟!
لقد ازداد الأمر ظلمًا وتعقيدًا ووحشية، وبلغت القلوب الحناجر ولم تنجح أى مفاوضات للسلام مع هؤلاء القاسية قلوبهم، فاليهود منذ الأذل خائنيين للعهود لم يلزمهم عهد ولم تقيدهم كلمة ولم يستطيعوا العيش دون إعتداءات وانتهاكات وحروب وفتن.
فمنذ أن استوطنت تلك الشرذمة الأراضى الفلسطينية واحتلت أراضيها لم يذق الفلسطينيون يومًا طعمًا للسلام، ولا شعورًا بالراحة والأمان، ولم يروا إلَّا انتهاكات إنسانية ودينية تدمى القلوب وتقشعر لها الأبدان.
ورغم كل هذه الأوجاع فلن يهدأ الدم الفلسطيني المشتعل الثائر ولن يلتزم أو يخضع الشعب الفلسطيني لأى اتفاقيات أو مبادئ لا تعرف العدل ولا الإنسانية، ولن تُخمَد ثوراته بل ستبقى وبنفس الحماس المشتعل أو يزيد، ولن ينجح اليهود في إحباط الفلسطينيين وتثبيط حماسهم وتراخى عزائمهم، ولن ينجح القصف وأصوات الطائرات والقنابل في إسكات أصواتهم، ولن تُخيفَهم الطلقات النارية ولن تُعجزَهم، ولن تحول بينهم وبين دفاعهم عن أراضيهم، ولن تستطيع مشاهد الدمار والتخريب المتلاحقة أن تصبيهم باليأس أو أن تُطفئ النيران المشتعلة بقلوبهم منذ عقود.
وسيبقى الشعب الفلسطيني كالجبال الراسيات فى وجه أعداء الأنسانية مهما اشتدت به الشدائد ونزلت به النوائب، فسيبقى كما هو رمز للنضال والجهاد والبسالة، وستبقى غَزَّة العِزَّة والكرامة، وستبقى القدس عاصمة دولة فلسطين للأبد رغم أنف اليهود وأعوانهم.
فليستيقظ العالم، وليزأر المسلمون، وليعلم الجميع أنَّ ما أُخِذَ بالقوَّة لَا يُستَرَد إلَّا بالقوَّة، ونحن قوة لا يُستَهَان بها خلقنا الله أحرارًا وسنظل هكذا إلى قيام الساعة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
فادية صقر