الاستعباد المعاصر
هل نحن فعلا احرار؟
نشر في 01 يناير 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
جلب عصر الاكتشافات الجغرافية الكبرى النحس للزنوج الافارقة إذ أصبحوا السلعة الأساس في محور التجارة الجديد، وعلى سواعدهم بنيت حضارة جديدة امتزج فيها العرق والدم بالشر الذي سكن أناسا لم يتحرجوا في جعل إخوة لهم مجرد سلعة وآلات بخسة التكلفة، راسمين بذلك صورا لبشاعة الاسترقاق وبشاعة تجرد البعض من إنسانيته ليجرد بني جلدته من أدميتهم، وإن كانت هذه المحطة في تاريخ الإنسانية لا تنفرد بالسواد فالعبودية شر قديم متجذر في التاريخ وممتد في أبديته، فكم من حياة انطوت؟ وكم من روح انطفأت تحت نير الاستعباد؟ وهي تبحث عن جواب لسؤال خرج يوما من ثنايا الزمن: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟؟
فإنا نشهد في واقعنا المعاصر أشرس حملة للاسترقاق لا تستهدف وضع الأغلال على السواعد بل تسعى جاهدة وبكل الطرق الناعمة وغير الناعمة إلى وضعها على الأذهان والعقول، فيعز السعي إلى كسرها والتخلص من تسلطها، وإن كان الإنسان قد جبل على كره الانقياد والانصياع وانصرفت بديهته إلى السعي لكسر كل قيد يهدد حريته، فإن هذه الجبلة تتوارى حال خداعه وإيهامه انه يرفل في نعيم الحرية يفعل ما يشاء ساعة يشاء دون أن يتساءل لحظة عن قيمة هذه الحرية الموهوبة له.
والحق أن الحرية كما الحق لا توهب وإنما تأخذ إن لم تنتزع بكفاح مرير، والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل منا ويتحرى الصدق في إجابته: هل أنا حر حقا؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب أساسا وضع تعريف واقعي للحرية فهي تعتبر "إمكانية الفرد دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي على اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة. كما أنها تعني التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه"
فالشق الأول والرئيس في مفهوم الحرية هو حرية الإرادة والفكر، وبالتالي فالسؤال يجب أن يكون عن مدى حرية إرادتنا وفكرنا. والواقع أننا اليوم ابعد ما يكون عن تشكيل إرادة حرة بسبب هذا الكم الهائل من التضليل الممنهج والتوجيه المدروس للرأي العام استنادا إلى مناهج إدارة الحشود فتصبح كل إرادتنا وتصرفاتنا انعكاسا لإرادتهم ورغبتهم، ولمن يشتم بين السطور رائحة نظرية المؤامرة جانب كبير من الصواب والخطأ كذلك، مخطأ لأن الهدف من هندسة إرادة الجمهور اقتصادي بالدرجة الأولى قبل أن يكون أي شيء أخر ، فمُنَى التاجر أن يجعلك تشتري ما تحتاجه وما لست في حاجة له. ومخطأ لأننا من تأمرنا على أنفسنا بإصرارنا على ملازمة ركب التخلف الفكري والعلمي وشغفنا الكبير باستهلاك كل ما يورد لنا دون أن يكون لنا دور في سلسلة إنتاجه، ولا يتوقف إقبالنا على المواد الاستهلاكية بل أضحينا مدمنين على استيراد قيم غريبة عن هويتنا نسمح لها بتحويلنا لكائنات مشوهة تائهة رضيت بالعيش على هامش الحضارة عوض الإسهام في بنائها شعارنا الانحطاط والانقياد لكل مبهرج وهاج فارغ يقودنا إلى قعر سحيق حيث ننعم في الشقاوة بجهالتنا.
فأي حرية هذه تهدينا سُبُل الانحطاط، بدل أن تحملنا لمصاف بناة الحضارات؟
التعليقات
أي حرية هذه تهدينا سُبُل الانحطاط، بدل أن تحملنا لمصاف بناة الحضارات؟
ستمسي حرا عندما ترمي الاغلال بعيدا عن عقلك، اغلال الحقد والكراهية والاحكام المسبقة