المعادَلة الرئيسية للإنسانية
نشر في 14 يوليوز 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يحمِل الفرد الإنساني أثقاله على كتفيْه ويمضي نحو المجهول بلا كلل أو ملل، قد يتعب حينا، وقد يسقط أحيانًا أخرى، لكنَّه يعاوِد النهوض، فيستمرُّ في المسير نحو ساعته التي تقترب من نهاياتها لا محالة، هذا هو الإنسان باختصار: كائن مجهول الهُوية والانتماء – رغم ادعائه للعكس – راغب في السيطرة والسلطان، ومتأهب لكل ما من شأنه إسعاده، أو التقليل/تجنّب تعاسته.
لا مجال لجدال الإنسان أو الغرق في قضاياه، فهو متنكِّر، خافت الصوت، مقتنعٌ بضمير مضطرب، بأنَّ الحياة هبة له وحده، والوحدة هنا تعني خروجه من بطن أمِّه وحيدا، وعودته إلى بطن الأرض وحيدا، لهذا هو يعشق الوِحدة بأنانية مفرطة، فلا يحبُّ سوى نفسه، ولا يعشق سوى الخير لذاته، دون سواها من الأنفس والذوات.
لا مجال للجدل إذن: فالإنسان أنانيٌّ بطبعه، وما العلاقات التي تربطه بغيره سوى علاقات "قهرية" من أجل إشباع مطامعه هو وحده، لا مجال لمناقشة تلك الأطماع، فهي نابعة من حب السيطرة والتسلُّط المدفوعيْن بغريزة التميُّز، لهذا على المرء التفكير مليًّا قبل الانخداع بشعارات الأخلاق، الإنسانية أو التديُّن.
لطالما كان الإنسان ولا يزال قابعًا في كهوفه الجميلة الرائعة، البعيدة عن النُظم المختلفة الخلاَّقة، التي تحمل بين طياتها الكثير من لغط الأيَّام وأهوال التبريرات المنافقة، لطالما أحبَّ انشغاله بممالكه الخاصة الخالصة، تلك التي تعبِّر عن قيمه التي صنعها بمفرده، وجعلها أقرب إلى الوجود من قربها إلى الاندثار، لهذا نجد الإنسان منكفئا على ذاته في مجمل لحظات حياته، منكمشا على قضاياه في أغلب أيامه، لاعبا لدور المقاتل حينما يتعلَّق الأمر بنشاطات الذات في مواجهة قضايا الآخرين، وعنوانه في هذا كلِّه: فائدتي أوَّلاً وأخيرا.
لا أتحدث هنا عنِ البراغماتية، فهي تبقى نموذجا شريرا صغيرا للغاية مقارنة بما يحمل الفرد الإنساني في أعماقه من طمع وأنانية، بل إنَّها تبقى نذرا يسيرا حينما يتعلَّق الأمر بطموحات وأطماع الإنسان، فهي في آخر المطاف إماطة يسيرة للثام الغرور والتعنت، للتهوُّر وإظهار للقوة المفرطة.
الجميل في هذه المحطات البشرية، هو أنَّ النوع البشري يبقى تحت سلطان الصبغيات التي تتحكَّم في جسمه الشرِه، فقد ثار الجسم على العقول في أكثر اللحظات حساسية خلال تاريخ البشرية، وبصفته حاملا أمينا للروح الإنساني، فقد كانت ثوراته بمثابة صمامات أمان للبشري من أجل التقدُّم نحو غيره بخطوات ناعمة، فحفظ النوع البشري يتطلَّب وحدة حقيقية بينهم، وهذا ما عبَّر عنه الفيلسوف الجزائري ابن خلدون بـ: العصبية.
أماني كثيرة ترافق الإنسان في حياته، حبه الشديد يرافق كرهه الشديد جنبا إلى جنب، تطلعاته وآماله تزكيان حضوره ووجوده، قدراته تعطي لذاته المتهالكة في لحظات الضعف إيمانا رهيبا بالثقة المغروسة في صميم عمقه المعنوي، وكنتيجة لهذا كلّه، نجده يتحوَّل إلى كتلة ملتهبة من الطاقة التدميرية أثناء مواقفه الحاسمة.
يبقى الإنسان أهمَّ لغز في الحياة، لغز حاولت الديانات، الفلسفات، العلوم والثقافات، من مختلف الأساطير، الأشعار والحكايات فكّ طلاسمه، لكن لحد الساعة تبقى كافة تلك المحاولات بلا نتيجة مقنعة للعقول وحتى القلوب، تبقى تفتقد للجواب النهائي الحاسم، فالإنسان كمخلوق قد أثبت بأنَّه متمرِّدٌ عن القواعد والضوابط، غير ثابت ولا هو بمستقر حينما يتعلق الأمر بالمعادلات أو التعديلات، فهو غير خاضع للحتميات ولا للجداول الرياضية، لهذا يبقى الفرد الإنساني عبارة عن تركيبة خاصة، مجهولة المقادير والتقديرات، لا تحدها التحليلات والتفسيرات، مستعصيا عن العلماء، الفلاسفة وحتى المشعوذين والعرَّافات، تديره أهواء متبدلة باستمرار، وأجراس متحركة على الدوام، مما يؤدي إلى خروجه عن نطاق إمكانية التنبؤ بأفعاله، أفكاره وحتى اتجاهه وسرعته، لأنَّه بكل بساطة إنسانيٌّ بكل الصفات والمواصفات.
-
مزوَار محمد سعيدWriter - كاتِب - écrivain