.. في تلك الليلة تزينتْ بزينة الضائعون في الحياة كما تملي ثقافة المحيط و تمردتْ على جسدها، ثم قصدتْ مكانها المعتاد. لزمها أن تمر كعادتها بالقرب من مقهى الشعب، حيث الأخير يضع بمنطقه المتوارث أسس هويتها. في مقهى الشعب الكل يتقن التحديق في المؤخرات، محجبة يتمناها أتعس الجالسين في المقهى له زوجة صالحة، أما بعد أدان العشاء، يتمنى أخرى أن تقضي معه ليلة حمراء على شرف كبته الطبيعي الذي خُدش بقلة حياء تلك السافرة على حد تحديده لأنواع النساء. مرت كعادتها من حقل الألغام والقنص، لاتدري إن كانت تبالي بما يدور في أدهن أولائك الخائفين على بناتهم من الفتنة، الحارصين على عفة نسائهم، أما العازب فهو طليق البؤبؤ وقلبه متعلق بفتاة البادية العذراء المطأطأة الرأس، التي لا تعصي له أمرا وتصلي خلفه قبل أن يجامعها كما زعم المتزوجون الجالسين معه في المقهى نفسه عندما كانوا طلقاء أيضا. لا عجب في شيخ يقامر الورق ويلقي دروس الحديث على الباقين، ثم يخطف بصره في كل فرصة تسنح له أن يرى كذا مؤخرة، يتبعها استغفار ثم يواصل اللعب.

بالنسبة لها المرور من قرب المقهى، تلك الأمتار القليلة لا تكاد تنتهي وكأن المقهى رصيف الشارع العام. فتسمع أنواع الكلام وكأنها مقهى الشعراء. تحرش المارة من هنا و شعر المقهى من هناك و لا اختيار لها في ما تحب أن تسمعه. ينطلق داء المخيلات لدى الناظرين و مواضع الجماع كما تصورها المواقع الإباحية، وهندسات المفكرين وآراء المعبرين فيها كشكل هندسي قابل للتقسيم إلى أجزاء. تشعر ببطء خطواتها وهي تسرع بالإنفلات من السادة القناصة. هكذا إلى أن وصلت إلى آخر المقهى، احساس بالإنعتاق يثلج صدرها ويهدأ من ورعها، ليستقر تنفسها عند وقوف سيارة الأجرة لتأخدها إلى وجهتها، والأخيرة لا مشقة عليها فيها، غير أن في المقهى ثقافة و في الحانة يباع الهوى بالمقابل و بالمال تباح المحظورات وتشترى كقنينة النبيذ.