إرث الحرب.. ومستقبل اللا دولة..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إرث الحرب.. ومستقبل اللا دولة..!

  نشر في 20 مارس 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

إرث الحرب ومستقبل اللا دولة..!

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

الحرب بلا شك خسائر فادحة حتى لو تبعها شئ من مغانم أو مكاسب.. هذا هو شرع الحياة إن شئنا الإنصاف.. وقد جاء في أقوال الروائي الأمريكي فرانسيس سكوت فيتزجيرالد الذي ينتمي إلى "الجيل الضائع" بحسب تعبير إرنست هيمنجواي، وكان هنا يرمز لجيل أتم مرحلة النضج في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وعاش مرحلة الكساد الكبرى التي تبعت الحرب.. قال فيتزجيرالد: "إن الحرب تجر إلى الفقر، والفقر يحث على العمل، والعمل يورث الغنى، والغنى يسبب الشقاق، والشقاق يفضي إلى الحرب".. تبدو الدائرة محكمة إن صدق التعبير، وبمعايير العصر فعلياً، من يحاربون أو يحتربون هم الفقراء، ومن يستعدون للحرب تجدهم يتحركون بدأب تجاه خانة الفقر والعوز وربما الإضمحلال حتى الإنقراض..!

دائرة إحتفظت بهذا النسق عبر الأزمنة خلال الصراعات الكبرى على شاكلة الحرب العالمية الأولى والثانية، بل إنها وصلت بالعالم حالياً إلى مرحلة ظن فيها الأقوياء أن السلم والأمن المجتمعي يجب أن يكونا محاطان بالأسوار الخرسانية المصمتة كي تحميهما من أخطار الإختلاط والإندماج مع الأخر الفقير والمعدم، أو المختلف والمعلومة خطورته بالضرورة..!

أحسب أننا نعيش حالياً داخل أطر عنصرية تزداد إتساعاً، وربما قسمت العالم لأكثر من فسطاط، تلك العنصرية ربما ولدت من رحم إستقطاب مخيف وصل إلى درجة تحقير الأخر، ورفض الحوار وتغليظ ردة الفعل تجاه أي رأي أو فكر مختلف أو مغايير.. مبادئ مغلوطة على شاكلة العصبية القبلية والطاعة العمياء والفصل الطبقي الوقائي ربما تصلح لساحات الإحتراب والقتال وصروف الحروب حيث هناك حتمية للبقاء، وحيث الخلاف مع القادة يفضي إلى كوارث الهزائم أو الموت المحقق، وذلك مفهوم بالطبع.. لكن ظني أنها لا ولن تصلح أبداً لإقامة دول ومجتمعات أو تنمية شعوب، أو لتفعيل منظومة حكم ديموقراطي سليم.. وقد ثبت بالتجربة أن مثل تلك المبادئ أو النظم العسكرية أو شبه العسكرية قد جاءت نتائجها بالسلب والخراب على أمم وشعوب بمقدراتهم ومستقبلهم، الأمر الذي نعاصره حالياً، أو عايناه ونراه جلياً ونتابعه داخل أنماط مختلفة من أنظمة الحكم في دول العالم الثالث، ومنها دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص..

في عالم الكبار لا تحتفظ تلك الدائرة بنسقها كما كان الأمر في الماضي، حيث كانت المواجهات العسكرية هي قول الفصل بين البقاء والترقي أو الفناء والإندثار.. وربما لتشابك العلاقات الإقتصادية وتشعب مسارات الأنشطة التجارية وتقاطع المصالح المرتبطة بالتوجهات الإستعمارية المستترة، فطن الكبار إلى أنهم لا يجب أن يختلفوا، وإن تحتم الخلاف فلتكن الحرب إذاً بأقل الخسائر، أو بالوكالة إذا لزم الأمر.. هؤلاء يعلموا جيداً أخطار الحروب ومكاسبها، وهم من البراعة حيث يستطيعوا قطف العسل من أفواه النحلات دونما التعرض لأخطارها.. أما فيما يخصنا من الأرض التي كانت معمورة، فحكامنا يبدون وكأنهم في واد أخر.. لا يرون أبعد من ظلال عروشهم، و تجدهم يطربون وينتشون فقط للمديح والتزلف والرياء، أو لرنين ميداليات وأنواط البطولة الزائفة المعلقة بكثرة على أزياء عسكرية أنيقة يحرصون على إرتدائها دوماً أثناء وضع أكاليل الزهور على قبور الجنود..!

مفهوم الحرب والعسكرية ربما يجب أن يُعمل به فقط حين تقتضي الضرورة لمجابهة الأخطار وهذا شأن مؤسسي يختلف من ثقافة لإخرى ومن أمة لأخرى، والكل أجمع أن أفضل الجنود هو فلاح يدافع عن أرضه أو عامل يزود عن مصنعه حين يعيش في حرية ورغد وهدوء.. أما الترسيخ لها في أذهان العوام ومطالبتهم بالجاهزية لها على الدوام أو إستخدامها كفزاعة مجتمعية، أو مجرد الإتجار بفكرتها كنوع من التحفيز المضاد للمعارضة فهذا سخف يعود بنا مئات السنين للوراء، بل وأظنه يعطل أي مسيرة تنموية قد تحتاجها الشعوب لتصعد بها نحو بصيص من الأمل في التحسن، فالحرب لها تكاليف باهظة إنسانياً ومعنوياً، ومادياً أيضاً.. وهي في واقع الأمر لا ترتكز على شئ من الطبائع البشرية بقدر ما تنافرها كل المنافرة، وفيما عدا حالات الدفاع عن النفس والأرض، سنجد إن الإنسان لا يخوض غمرات الحرب بشكل وظيفي، لكن مضطراً فراراً من عار الناس أو عقاب نظام حاكم أو لسخط ثيوقراطي أو دفعاً لخطر يداهم حياته شخصياً، فتجده يقدم على موت محتمل فراراً من موت محقق.. أما من يحارب دفاعاً عن عقيدة أو أرض أو نفس، فستجده يجنح فوراً للسلم بمجرد إقتضاء الحاجة من تلك الحرب تجنباً لويلاتها وتبعاتها.. فمهما أوتي المرء من شجاعة فلا تصدق أنه يقتحم الحرب حباً في هذا، وكذلك لا تصدق من يحاول أن يقنعك بأنه يخوضها بنفس مطمئنة، هذا لأن الطبيعة البشرية تأبى بالفطرة التعرض للأخطار أو مواجهتها، وتجدها تنفر من دواعي الهلاك.. حتى الهمجيون من دعاة الحرب في الماضي السحيق كانوا يحرصون على تهييج طبائعهم قبل الحرب بطقوس تصل إلى حد الجنون بدق الطبول وقرع الدفوف والصياح والحركات البدنية العنيفة في محاولة للتغلب على ما بداخلهم من خوف فتأتي النتائج متفاوتة.. أما المتمدنون في هذا العصر فيحاولون التشاغل عنها وتجنب ذكر القتلى والإصابات والخسائر وكل ما يخلق فيهم الشعور بحقيقتها، بل يتمادى البعض ويجنح إلى سفاف القول وتوافه الحديث للإبتعاد عن الشعور بالمسئولية ودرأ غريزة الخوف داخله..

ومع هذا، ومهما كان في بعض الحروب من حتمية، فإن الإنسانية لا تعول كثيراً على إكتساب فضائل من آلات الحرب وعقائدها لما بهذا من صعوبات، وما بتبعاتها من مآسي.. فالأمم المتحضرة لا تلجأ للحرب إلا كأخر وسيلة لحل الخلافات، وأين هو هذا الخلاف الذي يربو الضرر فيه على أضرار الحروب المترتبة عليه..؟ إبان الحرب العالمية الثانية كانت أقوى بوادر الخلاف قائمة بين ألمانيا وبريطانيا، وتبين بعد مقتل الملايين وحلول الدمار والخراب بدول ومدن بأكملها بأن هذا الخلاف لا حقيقة له، حيث أنه كان مبني على توهم كل من الدولتين أنها قد تتعرض لهجوم من الأخرى في المستقبل..!

وربما ما يمنع حدوث حرب عالمية ثالثة اليوم، أو يعطل حدوثها هو أن الأمم القوية أصبحت لا تترك تمام الحرية لإحداها منفردة في الموازنة بين مقتضيات الحرب وموانعها.. ببساطة لأن الجميع يعلم أنه سيتحمل جزء باهظ من الخسائر حتى ولو لم يشارك بشكل مباشر، وقد بلغ إستحكام الروابط الإقتصادية وتقاطع المصالح بين تلك الأمم بأن مجرد شائعة عن وقوع حرب في أقصى المعمورة قد يُحدث إنهيار حاد في التوازنات داخل الأسواق المالية فتتخبط الأسعار وتهبط الأسهم مما قد يؤدي إلى إفلاس شركات ومؤسسات كبرى..  وربما سقوط أنظمة وحكومات..! 


  • 1

  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 20 مارس 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا