إن الوجود الطاغي لسيدنا موسى دونًا عن سائر الرسل يجعلنا نظنّ باديء الأمر أنه النموذج الأكمل الذي يُقدمه القرآن لنا لنحتذي به، وإلا فلمَ يكرره؟ لكنّ القرآن ليس دليلا إرشاديًا منفصلًا عن الحياة العملية، مهما حاولنا فصله عنها يبقى متجذرًا فيها!
القرآن يُقدم لنا أنفسنا ممثلين في شخص موسى عليه السلام، في خوفه وحيرته، في عجلته وغضبه.. واطمئنانه! إن موسى هو الممثل الأصدق لبشريتنا، موسي ينوب عن كل من أعيته الحياة بغموضها واختلال موازينها الظاهرة ونفد صبره على مالم يُحط به خُبرا .. موسى الذي يُعلمنا الله به أنه لا بأس أن نخاف وأن خوفنا ينتهي عندما يكتمل اليقين في قلبنا.
عرف موسى الخوف جنينًا في بطن أمه، ووليدًا تُرضعه أمه وتلقيه في اليمّ على خوفٍ من فرعون وملأه.
وشابًا يُصبح في المدينة ويخرج منها خائفًا يترقب، ونبيًا يناديه الله "أقبل ولا تخف" .. لأن الله أعلم به استبقه بلا تخف، لكنّ طبع موسى البشريّ كان طاغيًا فولّى مُدبرًا ولم يُعقّب عندما رأى عصاه حيةً تسعى! والله يصبر على بشريته ويُعيد عليه النداء "لا تخف، إنّي لا يخاف لديّ المُرسلون"
ورسولًا إلى فرعون وملئه
يخاف أن يكذبوه أو يقتلوه، ويطلب ببشريته أن يشد الله عضده بأخيه هارون، فيؤتيه الله سؤله! ثم يُصبحا خائفين معًا، فيخافا أن يفرط عليهم فرعون ويطغى. والله يُطمئنهما معًا بلا تخافا إنني معكما. ويعلمهما معًا -ويعلمنا معهم- أن المعية الوحيدة التي نستطيع أن نطمئن بها هي معية الله.
يُغالب موسى طبعه البشريّ، فيغلبُ تارة ويُغلب تارةً أُخرى! يوجس في نفسه "خيفة موسى" تلك الخيفة التي ألفناها منه لكنّ الله لم يزل صابرًا عليه يناديه " لا تخف، إنك أنت الأعلى"
مشهد أخير، أعظم من كل المشاهد السابقة وأولى بالخوف منهم! جمعان يلتقيان وقومٌ مُدركون ووعدٌ من الله ب"لا تخاف دركًا ولا تخشى" .. كنتُ أنتظر خيفة موسى ففاجأني ب"كلا إن معي ربي سيهدين".
مشهدٌ يختزل به الكثيرون هذه المسيرة الطويلة من الخوف والدعاء من ناحية موسى، والأمن والإجابة من ناحية ربه!
مسيرة يُنهيها موسى بيقين الذي خاف كثيرًا ليعلم أن معه ربه سيهديه، ليعلم أن الذي نجاه من الغرق ومن فرعون ومن القرية التي قتل منها رجلا ومن الحية التي أخافته ومن سحرة فرعون.. لن يتركه الآن!
-
زهرة الوهيديأكتب... لأنني أحب الكتابة وأحب الكتابة... لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا” رضـوى عاشور :)
التعليقات
ولطبيعة موسى عليه السلام وخوفه البشرى
والتى هى طبيعة بنى آدم جميعهم
وأجمل منه هذا التوطيف المحكم للقصص والآيات فى ثنايا المقال
سلمت يمينك ودام قلمك سيدتى
والى الأمام دائما
يقال ان الحقيقة تحررك ، فما بالك ان كانت هذه الحقيقة أن لا إله إلا الله. وعاها ابراهيم عليه السلام حيث يقول بعد ان ادرك ان لا كبير سيحميه ويكفيه خوفه الا الذي خلقه فهو يهديه.
اسف على إطالة التعليق لكن فرحتي بمقالك كفرحة طفل بفهم جديد، سلمت من كل سر ودام قلمك.