السجود من أهم المواضع التي يقترب فيها العبد من ربه ، ويتصل به ويستشعر وجوده ، ولذلك قال تعالى : ( كلا لا تطعه واسجد واقترب ) أي اسجد كى تكون في مقام القرب من الله جلّ جلاله ،كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء في السجود ".
ولما كان السجود هو توثيق العلاقة بين العبد وربه ، والتذلل ، والخشوع ، والخضوع ، والاستسلام التام لله ، وإظهار الإفتقار والحاجة إليه كان من المداخل الواسعة التي يدخل بها الإنسان إلى الله .
قال أحد العارفين : (دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا وجدت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والإفتقار فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمى في عتبته فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدى وأدخلنى ) مدارج السالكين
فالسجود من أعظم مواضع ظهور التذلل والإحتياج والخضوع التي تصل بك إلى الله ، وتجلب رضاه وإستجابته لدعائك ، فعظمة السجود تتمثل في أن همساتك في الأرض تقربك من صاحب الملأ الأعلى ، فيسمعك ويقربك ويتقبل منك .
كما أن للسجود فوائد أخرى كثيرة يجهلها كثير من الناس ، منها :
إن موضع السجود في الإنسان لا تأكله النار لحديث أبى هريرة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال :" إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونه ويعرفونهم بآثار السجود "
كما أن الساجدين لهم سمة خاصة ذكرها الله -عز وجل- في قوله تعالى : ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) فهذه السمة هي علامة يميز الله بها المؤمنين يوم القيامة ، فيعرفون بها ، وقيل هم المقصودون بقوله تعالى : ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) حيث تكون وجوههم يوم القيامة أنصع وأشد بياضاً ونورًا ، وقال بعض العلماء إن أثر السجود يكون في وجوه الساجدين في الدنيا أيضًا .
فضلًا عن أنّ السجود سببًا لمحو الذنوب وغفرانها ، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- :" إن العبد إذا قام يصلى أتى بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما سجد أو ركع تساقطت عنه ".
هذا ومن ناحية أخرى ، فقد أكدت الدراسات العلمية أن للسجود فائدة كبيرة للجسم ، حيث أن السجود يعمل على زيادة كفاءة الدورة الدموية بالدماغ ، وذلك لتزايد سريان الدم إلى المخ أثناء السجود ، إضافًة إلى أن إنطواء الجسم على نفسه أثناء السجود يساعد على توجيه الدم من الأطراف إلى الأعضاء الداخلية والمخ ، وأشارت هذه الدراسات إلى أن تكرار السجود يساعد في المحافظة على نظام التوازن التلقائى للدورة الدموية في المخ ، كما أكدت البحوث الغربية فوائد السجود دون أن يدركوا أن السجود ركن من أركان الصلاة ، وأفادت هذه الأبحاث أن جسم الإنسان يستقبل قدرًا كبيرًا من الأشعة الكهرومغناطيسية في حياته اليومية من خلال الأجهزة الكهربائية التي يتعامل معها ، فضلًا عن وقوعه تحت تأثير الإضاءة الكهربائية لفترات طويلة ليلًا ، وبذلك تكون الأجسام مشحونة بشحنات كهربائية مما يؤدى إلى الشعور بالصداع والكسل والضيق والخمول والالام المختلفة في جميع أنحاء الجسم ، ومن ثم فقد توصل الباحثون الغربيون إلى أن أفضل طريقة لتخلص الجسم من الشحنات الكهربية الموجبة التي تؤذيه هي أن يضع الإنسان جبهته على الأرض في إتجاه مركز الأرض أكثر من مرة في اليوم كما يحدث في السجود ، لأن الأرض سالبة ولذلك فهى تسحب الشحنات الموجبة الموجودة بجسم الإنسان ، وبهذا يحدث تفريغ الشحنات الكهربائية الضارة من الجسم .
فسبحان من فرض علينا ما ينجينا وينفعنا،
سبحان من كان السجود له رفعة وارتقاء وعلوا
سبحان مَن كان التقرب إليه نجاة ورحمة وغنيمة ، فلم يفرض علينا فرضًا ليعذبنا به ولكن لينفعنا ، ويدفع عنّا به الأذى وهو الغنى الحميد .
فما أحوجنا إلي الإكثار من السجود ، والتضرع لله ، والإستغاثه برحمته ! عسى أن يقبلنا ويتقبل منّا بفضله العظيم .
فالحزن يرحل بسجدة ، والفرح يأتي بدعوة
فاللهم أفراحًا تهوى بنا ساجدين .
فادية صقر