علاقة الحكيم مع الناس . العلاقات الاجتماعية من منظور الحكيم

يقول الحكيم ان علاقتك مع الناس مرتبطة بعلاقتك مع ربك ثم بعلاقتك مع نفسك ارتباط قد يكون كلي الى في حالات اختلاف الرأي أو الدين وغيرها من الأمور الحساسة التي يشترطها الطرف الآخر لتقبلك ولا يمكنك أن توافقه عليها قال الله سبحانه وتعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) سورة البقرة آية 120 .

ولكن في غير تلك الحالات وعندما تكون في مجتمعك تكون علاقتك بالناس مرتبطة بعلاقتك بربك وعلاقتك بنفسك وما يدور داخلك .

ولتوضيح ذلك يقول الحكيم مثلا : الطفل المصاب بالتوحد ليس له أصدقاء . وذلك ليس لأن الأخرين لا يكونون صداقة معه ولكن لأنه لا يريد تكوين صداقة مع أحد .

وبعكسه نرى طفلا في نفس عمره ونفس المكان يكون العديد من الصداقات وذلك لأنه اجتماعي ويحب من حوله .

وفي المثال نلاحظ أن شخصية كل طفل أثرت في تكوين علاقاته الاجتماعية ، وهذا المثال ينطبق على الجميع بما فيهم الحكيم الذي يعلم ان صلاح نفسه هو سبب محبة الناس وتقبلهم له .

وعلاقتك مع الله مرتبطة بعلاقتك مع الناس والدليلحديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض)[1].

والقبول مسألة غالبا لا يملك الانسان يدا فيها " والقبول هو الحكم الأول الذي يطلقه الناس على بعضهم فقد تحب انسان أو ترفضه بدون سبب وذلك هو القبول .

فاذا أحب الله عبده وضع له القبول في الأرض ولكن الأغلبية يبحثون عنه بعيدا عن مكانه فبدلا من محاولة كسب محبة الله ، يحاولون كسب القبول بالمظاهر واثارة اعجاب الناس ولفت الأنظار حولهم أو بالرياء فتجد من يدعي الكرم والأخلاق ليعجب الناس .

أيقن الحكيم ان الطريق لعلاقات اجتماعية ناجحة يبدأ من محبة الله ثم اصلاح النفس وطريقة التفكير وأن العلاقات الاجتماعية ستستجيب للإصلاح وتتغير للأفضل .

وقد وضح سبحانه وتعالى في كتابه الخصال التي يحبها في عباده ، قال الله سبحانه وتعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة وأحسنوا ان الله يحب المحسنين ) سورة البقرة آية 195 .

من هذه الآية وضح الله طريقا لكسب محبته وهو الاحسان وهو اعلى مراتب الايمان وأن تحسن معناه أن تعبد الله وكأنك تراه وأن توقن بأنه يراك ، فتقوم بالأعمال كما يحبها الله .

وهنالك آيات آخرى ذكر الله سبحانه وتعالى فيها طرق لكسب محبته قال تعالى ( فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين )سورة ال عمران آية 159 .

الله يحب من يتوكل عليه ويثق به ، ويحب التوابين الذين اذا ارتكبوا الأخطاء تابوا وعادوا الى الله مستغفرين ، ويحب المخلصين له من عباده اخلاص حقيقي من القلب .

ولدى الحكيم قواعد تحكم علاقاته الاجتماعية ، وهي السبب بعد الله في حمايته من شر الناس وتحميه من الوقوع في أزمات العلاقات الاجتماعية .

اول قاعدة هي الايمان بحديث الرسول صل الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال كنت خلف سول الله يوما فقال ( ياغلام اني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيئ لم ينفعوك الا بشيئ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيئ لم يضروك الا بشيئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي .

فاذا آمن الانسان بهذا الحديث تخلص من مشكلتين (الخوف _والاحتياج للناس) و هما سبب رئيسي لأمراض نفسية مثل الرهاب الاجتماعي والشعور بالدونية والذل للناس والتعلق المرضي الذي قد يطلق عليه البعض (الحب ) .

فاذا توكل الانسان على ربه واستعان به لن يصاب بالتعلق المرضي ولن يخاف من فقدان أي شخص وبعد ان يعلم انه لن ينفعه أحد الا باذن الله فلن يشعر بالدونية ولن يشعر بحاجته لغير الله وذا علم انه لا يستطيع أحد أن يضره فذلك يخلصه من الرهاب الاجتماعي والخوف من الناس .

وثاني قاعدة هي حسن تقدير الذات والتوازن في ذلك ، رحم الله امرأ عرف قدر نفسه فلا يصغر نفسه ولا يتكبر ولا يدعي العلم وهو جاهل ولا يتفاخر بما أنعم الله عليه فان الله لا يحب المتفاخر المتعالي على الناس قال الله سبحانه تعالى ( ولا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) سورة الاسراء الآية 37 .

وفي نصيحة لقمان لابنه قال الله تعالى (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور ) سورة لقمان آية 18 .

فاذا الانسان عرف قدر نفسه وان الله أعزه وميزه عن باقي المخلوقات بالعقل وانه خليفة في الأرض سيمتنع عن تصغير نفسه وتخلص من الشعور بالدونية ، واذا علم ان الله حرم عليه التكبر والتعالي تخلص من مرض نفسي منتشر ومصاب به الكثير وهو النرجسية .

خلاصة العلاقة مع الناس من حولك تبدأ من علاقتك بالله ثم علاقتك بنفسك وتنتهي بالاعتماد والاستعانة بالله والتوكل عليه وحسن تقديرك لنفسك والتخلص من التكبر ، واحتقار الذات وبناء شخصية متزنة لا ترضى الذل وتمتنع عن التكبر .