امرأة بلا قيد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

امرأة بلا قيد

  نشر في 18 نونبر 2016 .

اقتحمت عليه مكتبه في الشركة, حيث كان يجلس مع صبية حسناء. اقتربت منه... وعلى حين غرة, وبكل قوة انبعثت من قلبها المفجوع بخيانته, هوت يدها الغاضبة كيَدِ عاملٍ في منجم فحم..على وجهه المدلل الذي لم يخض نزالات الحياة القاسية.

صار يحدّق فيها باستهجان, رفعت أنفها بشمم وقالت: "تستحقها يا مخادع."

خرجت من المكتب وسط ذهول كل من رأى أو سمع قرقعة الصفعة على خد نائب مدير الشركة. الآن هي تشعر بالرضا,, إنّ شعور الانتقام من الظالم لذيذ, وكأنّ ماءً باردةً قد أطفأت نيران قلبها المحترق.

ركبت سيارة أجرة يقودها رجل خمسيني ذو نفسٍ خضراء. حرّك المرآة ليستطيع رؤية وجهها بالكامل, والتقت عيناه الوقحة بعينيها الغاضبة مرارا.

لا تريد أن تصبر وتُفوّت. صرخت بصوت حاد: "توقاااااااف."

ذُعر الرجل وسألها ما خطبها.

وبسرعة أخذت تضربه بحقيبتها الجلدية, ضربات متتالية وموجعة, وهي تسبه وتلعن سوء أخلاقه.

أنزلها في منتصف الطريق. طرقت الباب بقوة حتى كادت سيارته أن تنقسم إلى نصفين, وقالت: "أيها العجوز الوقح المتصابي النجس. أليس لديك أخوات أو بنات يركبن سيارات أجرة؟! اذهب عليك لعنة الله. لن أدفع لك قرشا واحدا. وإذا فتحت فمك الآن سأصرخ وأجمع الناس حولك وأفضحك."

وبمجرد أن أنهت تهديدها.. كان السائق قد ولّى أدباره هاربا من هذه المجنونة, كما وصفها.

دخلت البيت, فوجدت أخاها الجامعي قد ملأ المطبخ بالصحون والأكواب المتسخة, والمطبخ يعوم بالأوساخ والفوضى... الطعام ليس بالثلاجة وقنينة المشروب الغازي مفتوحة, وهناك شيء دبق على الأرض.

أحسّت بالدم يغلي في جسمها كله, من أعطى أخيها الحق بأن يعاملها كخادمة بلا راتب. ليس ذنبها أنّ والدتهم توّفيت منذ سنين, تاركة إيّاها في منصب ربة الدار عن غير رغبة منها...تطبخ وتكنس وتمسح وتغسل وتكوي...دون أن يمد لها أحد يد العون.

ذهبت إلى غرفته.. فتحت الباب دون استئذان.. نظرت له في تحدّ مخيف, وقالت: "ستذهب الآن وتنظف المطبخ وتعيد كل شيء في مكانه, وإلا سأحرق كل كتبك."

لم يستوعب عقله ما تقوله أخته التي تكبره بثماني سنوات. خاف من جسارتها المفاجئة عليه, وجد نفسه يقول: "حسنٌ."

في المساء... رنّ جرس الباب. ولأنها هي المسؤولة الأولى في الدار, فقد كانت مسألة فتح الباب منوطة بها في معظم الأحيان. فتحت الباب فوجدت وجها كريها تعرفه. إنّه جارهم أبو تحسين, وهو يدّعي الآن أنهم يرمون أكياس قمامتهم عند مدخل العمارة, ويطالبهم بدفع غرامة بصفته مسؤول لجنة البناية.

قالت باختصار: "لم نرمِ شيئا."

لكن, كأنه لم يسمعها. بدأ يزمجر مُهدّدا ومتوعّدا... عضّتْ على شفتها السفلى في غيظ. ثمّ صرختْ وعيونها تجحظ من الغضب:

"أيها الجار النتن الحقير. تأتي لتتهمنا برمي القمامة, وأنت تعلم جيدا أننا لسن نحن من يفعل ذلك. إنّ كل العمارة تعلم من الفاعل. لكنك تخاف من الذهاب إليه ومعاتبته لأنه مدعوم, فقلت لنفسك آتي لهؤلاء الأيتام لأن ليس لديهم من يسندهم. اسمع إن عُدْتَ واتهمتنا بتهمك الباطلة هذه, فأقسم بالله العظيم أنني سأؤذيك. وأول شيء سأفعله,, هو إخباري لزوجتك بسرّك العفن كوجهك... سأخبرها مع من رأيتك جالسا في المطعم ذلك اليوم, أيها الخائن الكريه المتسلط ..."

تراااااام. أغلقت الباب بقوة في وجهه, وهي تقول بصوت عالٍ: "أوباش."

اقتربت منها أختها الصغيرة ذات العشرة أعوام في خوف, وقالت: "اليوم هو عيد الأم. تفضلي يا أختي هذه الوردة, فليس لي ماما غيرك."

نظرت بحنان إلى أختها المسكينة. تناولت منها الوردة وأخذت منها شمّة عميقة.. فتحت كل مسام روحها الثائرة.

احتضنت أختها وقالت لها بصوت أم رحيمة: "شكرا يا حبيبتي. أولا..على الوردة. وثانيا على الإحساس الجميل الذي منحتني إياه الآن."


  • 14

   نشر في 18 نونبر 2016 .

التعليقات

أمل منذ 7 سنة
روعة
0
نور الكنج
شكرا على المرور العطر
basher Mohammed منذ 7 سنة
التجرد من المشاعر و التفكير بالمنطق و رؤية احتمال أن نكون على خطأ و لو كانت بنسبة قليلة من أهم أسباب حل المشكلات و راحة البال و البعد عن المشاعر السلبية


دمتي بخير
1
Rasha Zahran منذ 7 سنة
اكتر من رائع وصلتيلي احساسها في كل لحظة كنت بقرأ بنفس عصبيتها و لحظة ما تبدل احساسها مع اختها الصغيره .. حقيقي برافو
1
نور الكنج
أشكر مرورك العطر رشا :)
Amin Almitwaliy منذ 7 سنة
ما أصعب
تلك المعاناة اليومية التى تلقها تلك الفتاة
0
نور الكنج
الواقع الأليم
مقال رائع وكأنى الآن سعيد بشجاعتها
0
نور الكنج
شكرا على المرور الطيب
ترانا جميعا نكون بمواقف مثل هذه كل يوم ,,, لم نعد ندري من هو الصحيح منا ,,, نعلم جيدا اننا على حق ,,, لكنهم قد تجاوزوا حدود الخيال ,,, تحية لكي و لمقالكي الكريم سيدتي ,,, عندما قراْته و كاْني اعيشه
0
نور الكنج
معك حق إننا كلنل نمر بهذه المواقف وربما أسوأ!
شكرا جزيلا لمرورك الكريم أخ اسماعيل :) أسعدني تعليقك
اسماعيل المشهداني
تحية لكي مرة اخرى سيدتي ,,, انا ايضا مقيم في اميريكا - ولاية تكساس ,,, تشرفت و افتخر بحضوركي على هذا الموقع الكريم
نور الكنج
بارك الله فيك :) وتشرفت بمتابعتك لي
Afnan Na'es منذ 7 سنة
من أجمل ما قرأت ..
تُعجبُني "المؤثّرات الصوتيّه المُضافه" _إن صحّ التّعبير _... ك "تراااام" و "أوباش"..
كثيراً ما يجول ببالنا أن نفعل مثل فعلتها..
قصّةٌ رااائعه وشعورٌ مُرهف..
سلمت يمناك..
0
نور الكنج
تعليقاتك دائما مبهجة وقريبة لقلبي يا أفنان... دمتِ بحب وسعادة :)))
وأشكرك على متابعتك لي
نعم أنا أيضا أتمنى ان أفعل مثلها. لكن الموضوع ليس سهلا أبدا!!
عمرو يسري منذ 7 سنة
كم أتمنى أن أفعل مثلها و أبطش بأشخاص كثيرين في حياتي :)
0
نور الكنج
حقا. وأنا أيضا :)
أحيانا الخجل والتقاليد والواجب والمجاملة يقفون حائلا بيننا وبين تحقيق ذلك!

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا