" الوعي "
كلمة نستخدمها كثيراً في السنوات الأخيرة كـ نوع من أنواع الإستغاثة لاسترداد الكرامة و الحرية و فك القيود و الخروج من داخل الدائرة المغلقة التي فرضتها علينا الظروف و الأحداث
و الوعي في أصله هو كلمة تُعبر عن حالة يكون فيها العقل علي ادراك و تواصل مع ما يحدث من حوله و يمتلك القدرة من خلال أفكاره المنطقية علي التغيير أو التغير في اطار ما هو متاح
أما الحالة التي نحن عليها الآن فقد صار الوعي أشبه فيها بشبكة اتصال علي حسب تغير المكان ، متاح أو غير متاح ، شبكة ضعيفة أو شبكة قوية
و السبب الرئيسي ليس في تزييف الوعي علي مدار عقود فحسب بل أيضاً استرخاء العقل و إقصاء الكثيرين للوعي بداخلهم و استدعاء اللاوعي علي مدار قرن من الزمان ... أجيال خلف أجيال فـ كل منهم يُسلم الآخر الراية .. لـ بداية البداية التي لا يعرف أحد من أين نبدأها !
فلو انتقلت بذاكرتك إلي أوائل التسعينات ستري جيلاً في بداية ادراكه لكواليس الحياة .. جيل قد نشأ في أجواء هادئة نوعاً ما .. كنت تشعر وقتها بـ الحياة الأسرية البسيطة بكل جوانبها الاجتماعية التي لا تعرف شيئاً عن السياسة بتفاصيلها الخبيثة .. فتسمع آراء و أفكار مَن سبقونا الي الدائرة المغلقة من أجيال سابقة .. و حكايات عديدة و ربما بداخلها بطولات فريدة عن ما مضي ، ثورة ٢٣ و الظباط الأحرار ، نكسة ٦٧ ، اكتوبر ٧٣ ، معاهدة السلام ، حرب الخليج ، حتي الحديث عن السياسة كان يقتصر علي فصائل معينة و باقي الشعب إما مشاهد أو مستمع و أحياناً لا يسمع و لا يري
و في التاريخ كنّا لا نعرف إلا ما تعلمناه كمادة دراسية سواء كان .. حضارات ، دول ، ثورات ، حملات و هكذا الي أن نصل الي نفس اللقطة التي نحيا عليها الآن
فـكانت أقوي الأحداث المؤثرة مثلاً على مجريات الحياة كانت القضية الفلسطينية سواء انتفاضة أو مظاهرات عربية و السبب الرئيسي تلك التركيبة الانتمائية التي نشأت بداخلنا تجاه فلسطين و القدس و أهلها .
أو بمعني آخر كان المجتمع دائماً متاح أو غير متاح .. فـ لا يصنع حدث و لكن يتحرك و يتفاعل مع الحدث علي حسب الحالة العامة لـ شبكة الوعي التي يمتلكها
لتأتي الألفية الثانية بـأحداث ١١ سبتمبر و الغزو الأمريكي للعراق .. فتنتقل شبكة الوعي من مرحلة الاسترخاء أمام مسلسل أو فيلم أو مباراة أو قراءة جريدة أو مقال سياسي من باب المعرفة بما يحدث لا أكثر أو أي شيء آخر علي حسب الرغبة .. إلي مرحلة الانفتاح علي العالم و الآخرين من خلال وسائل عديدة متاحة للغالبية .. فـ يحدد كل جزء من المجتمع مسار وعيه علي حسب ما نشأ عليه أو ما يُشبع رغباته الرئيسية .. فـ اذا كان ما يحدث يتماشي مع أهوائي و رغباتي تُصبح الشبكة قوية و الحالة أنا متاح الآن و إن كانت الأخري فأنا غير متاح
ثم مرت عشر سنوات كلٌ فيها غنى علي ليلاه ليأتي بعدها الربيع العربي ذلك الحدث العظيم الذي لم يكن شبكة الوعي تستوعب توابعه عند الكثيرين نتيجة ما مضي عليها من عقود طويلة في الغير متاح
لتصل بعدها الغالبية الي حالة المتاح بشبكة وعي قوية لكن لا تمتلك القدرة على التعامل مع أعداء الثورات الذين تربصوا بها لاسقاطها منذ اللحظات الأولي .. و مع توالي الأحداث بدأت شبكة الوعى تضعف مرة أخري لـ عدد ليس بالقليل ثم عادت إلي طبيعتها الغير متاح لتحدث نكسات كارثية و نكبات انسانية لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها
الي أن وصلنا الي حالة يراها البعض هي الأسوأ علي الاطلاق ..... متاح مع شبكة وعي قوية تتابع و تعقل جيداً كل ما يحدث مع اغلاق الإتصال بـ الواقع حتي لا تضعف الشبكة فـ تتغير الحالة الي غير متاح ..... فهل أنت الآن متاح أم غير متاح أم الاثنين معاً على حسب مقتضي الحال الذي يُلقي فيه السؤال ؟! أنت وحدك مَن يعرف الإجابة ...... مظهر حَسن و جوهر سليم لإنسان مُكبل اليدين ينظر في مرآته
و في الحقيقة يا عزيزي لا تحزن من حالتك و تفائل ...... فكَم الوعي الذي اكتسبناه في تلك السنوات العجاف لم يكن ليحدث لولا ما كان من أحداث ...... فالحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ...... و لو لم يكن الوعي الذي أنت عليه الآن ما حاربك المبطلون ليلاً و نهاراً و تآمروا عليك من جهات الدنيا الأربعة
فلا تقلق و لا تيأس فكل يائسة ليس لها ثمرة .. فـ بذور الوعي قد غُرست و براعمه أنبتت و ثماره قريباً باذن الله .. و الأهم أن تكون حينها متاح فتحصد ثمار ما زرعت
-
ناشط بحركة 6 أمشيرإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ..... سأظل أكتب ما أومن به حتي أبني لهذا العالم مدينة من العدل جدرانها الحروف وأعمدتها الكلمات ..... يسكنها كل شبيه لها
التعليقات
سلمت
لي اضيف جملة ان لم يكن مانحياه من واقع يشكل وعيا متقدما فلا رجاء من اي عملية وعي اذن
بوركتم