ما بين المفكر والأديب يمكننا حصر قفزات أحمد خالد توفيق الإبداعية,فهو وإن كان مفكرا وصف من قبل البعض بأنه غير ناضج كفاية,وإن كان أديبا وصمه آخرين بالسرقة الأدبية وأنا منهم. إلا أن هذه المآخذ مردود عليها رغم ذلك.

قدم رواية رعب,فنصحه أحد المسئولين في المؤسسة أن يدعه من ذلك ويكتب أدباً بوليسياً. لكن مسئولٌ آخر هناك هو أ. أحمد المقدم اقتنع بالفكرة التي تقتضي بأن أدب الرعب ليس منتشراً وقد ينجح لأنه لونٌ جديد . ورتب له مقابلة مع الأستاذ حمدي مصطفى مدير المؤسسة الذي قابله ببشاشة ، وأخبره أنه سيكوّن لجنة لتدرس قصته ، وانتظر د. أحمد اللجنة التي أخرجت تقريرها بأن أالأسلوب ركيك ، ومفكك ، وتنقصه الحبكة الروائية ، بالإضافة إلى غموض فكرة الرواية. أصيب د.أحمد خالد بإحباط شديد، ولكن أ. حمدي مصطفى أخبره أنه سيعرض القصة على لجنة أخرى. وتم هذا بالفعل لتظهر النتيجة : الأسلوب ممتاز ، ومترابط ، به حبكة روائية ، فكرة القصة واضحة ، وبها إثارة وتشويق . إمضاء : د. نبيل فاروق.

ويقول الدكتور أحمد أنه لن ينسى لد. نبيل أنه كان سبباً مباشراً في دخوله المؤسسة .. وإلا فإن د. أحمد كان بالتأكيد سيستمر في الكتابة لمدة عام آخر ثم ينسى الموضوع برمته نهائياً ، لهذا فإنه يحفظ هذا الجميل لد. نبيل فاروق .

هذه هي القصة المعتادة,ويمكننا أن نستوضح نقطة أولى رئيسية متفق عليها من قبل الجميع,وهي أن أحمد خالد توفيق هو من أدخل التيار الخيالي إلى الأدب العربي,بعد فترة انقطاع استغرقت أكثر من ثلاثة قرون مثلت العصور الحديثة في التاريخ العربي. وكان هو ومن كان في صحبته (معية العراب) أول من أنعش وربما أسس لدخول أدب الرعب إلى العالم العربي,ومن ثم لحقه أدب الفانتازيا والخيال العلمي. من خلال السلاسل الثلاثة الأشهر له؛ما وراء الطبيعة,وفانتازيا, وسافاري. وبالرغم من توفر تجارب أدبية عديدة في العصور الإسلامية,إلا أنها فانتازية, وقطعا لا يمكن أن نصنفها بشكل أكيد على أنها خيال علمي كما يذهب البعض في قراءته لبعضها,ولكن أحمد خالد توفيق,رغم أنه له فضل في نشر الخيال العلمي بالعالم العربي,إلا أن فضله هذا موزع بالتساوي على ثلاثي الخيال العلمي في المؤسسة العربية الحديثة؛نبيل فاروق وأحمد خالد ورؤوف وصفي,إضافة إلى جيل من كتاب الخيال العلمي سبقهم إلى هذا اللون من الأدب بقيادة نهاد شريف رائد أدب الخيال العلمي في العالم العربي. ولكن لم يتوقف جهد أحمد خالد الأدبي في الخيال العلمي على سافاري فحسب,ومن ثم كان هناك (اليوتوبيا العربية) التي شملت خمسة أعمال تتشارك إلى حد كبير في نفس الثيم,وهي

-يوتوبيا

-السنجة

-في ممر الفئران

-مثل إيكاروس

-شآبيب

على الجانب الآخر,لم يغفل أحمد خالد توفيق الكتابة في الواقعية,ومزج بين الطب والأدب, وقد رصد حسن عادل المدون في ساسة بوست مجموعة من الأسماء لأعلام جمعت بين الطب والأدب ضمن مقاله (أدباء أطباء) مفتتحا المقال بهذا القول:- بعض يفسر الأمر بكون «الأطباء» من أكثر البشر تحملًا للضغط بشكل عام، وبذلك فأيًا كان الضغط الذي ستضع طبيبًا فيه فإنه سوف يعمل ويبدع، آخرون يفسروه بطريقة “الهروب من الضغط”، حيث الكثير من الأطباء بالفعل يُلاحظ امتلاكهم لمواهب مختلفة ومتنوعة، وهو ما قد يكون كمحاولة للهروب من ضغط العمل والدراسة، وأيًا كان التفسير فإن الأمر والظاهرة موجودة، وهو أن كثيرًا من الأطباء لديهم مواهب متنوعة، ومنها الأدب".

كما أنه ترك أثره الإنساني حاضرا في أدبه,وفي لقاءاته البعيدة,وكل هذا مزج بين أدب الرعب والأدب كأدب بعيدا عن الرعب,فيقول محمد الخشاب المدون بالجزيرة في مقال له عن الكاتب: "للرجل فضلٌ لا يمكن إنكاره، فالمطلع على تاريخ الأدب العربي في الحِقبة التي جمعت الأستاذ العقاد بالرافعي وطه والحقبة التي تربع الأستاذ نجيب محفوظ على عرشها يجد أحمد خالد توفيق أقرب ما يكون إلى الأخيرة، فالوضع الأدبي اليوم أكاد أجزم أنه كان ليسقط سقطة ولن تُقام له قامة بعدها غير أن العرّاب بواقعيته التي لامسناها في رواياته الأخيرة وعلى رأسها رواية يوتوبيا المُنقحة، استطاع الرجل أن يعيد للشارع بعض المجد الأدبي بالفصاحة والبيان واعتدال الكلمات وجزالة الأسلوب حديثًا مع ثبات الفكرة والرسالة."

يقول الصحفي الكبير حسام السكري:-

"أنتمى إلى القطاع الواسع من الناس الذين أدهشهم كم هذا الحزن عليه. ولكننى بالتأكيد لست من بين من أثار هذا الحزن حفيظتهم أو استياءهم أو ذائقتهم الأدبية ليصدروا حكما بالتفاهة على أجيال كاملة. أدهشنى الحزن وأوغلت فى أسبابه فاحترمت حزن المحزونين وصرت واحدا منهم.

فهم ما حدث لا علاقة له بأية مقارنات بين توفيق وبين غيره من الكتاب. والقول بأن شعبيته مرجعها أنه «كاتب ألغاز» لا يفسر هذا الحزن الجماعى العظيم الذى امتد من مصر إلى دول عربية أخرى. الأستاذ محمود سالم الذى يعتبر صاحب الفضل فى هذا النوع من الكتابة للناشئة إلى مصر. سبق الدكتور توفيق إلى الرحيل إلا أن الأثر لا يمكن أن يقارن.

هناك أسباب متباينة لتفسير انزعاج من انتفضوا بسبب الحزن على الرجل. منهم “دولجية” وجدوها فرصة للمزايدة على حب الوطن بتشويه الرجل الذى كانت جريمته الوحيدة عندهم هو أنه لم ينضم معهم إلى مواكب المهللين للسلطة. ومنهم المثقفون النخبويون الذين أزعجهم أن يخرج الناس عن وصايتهم فيقدرون كاتبا دون إذن منهم. موقف الكارهين لحبه يفسره فى النهاية رعب سلطوى من مجموعات اتفقت مراميها على وجوب ألا يبتهج الناس أو يرقصون أو يحزنون أو يرثون إلا بأمر أو إذن أو توجيه. ما عدا ذلك باطل وربما خيانة.

وحاول اللحاق بركب الحداثة المستحدثة مؤخرا في صور جديدة,فكتب (قصة تكملها أنت), وحظك اليوم التي لم ترق لي أي منهما,وفضلت حلقات الرعب كتجارب مغايرة تتمتع بقدر وافر من الأصالة." [العراب كان نقلة لا مرحلة / حسام السكري / الشروق].

قدم تجربة (هادم الأساطير) في هادم الأساطير وشربة الحاج داود ومحييها في ذات الوقت بأعمال مثل الحافة وموسوعة الظلام التي أستفاد منها وأفاد سند راشد دخيل.

ودعته أحلام مستغانمي,احتفلت جوجل بذكراه,وإن كان متأخرا للأسف,فلماذا لم تحتفي بحياته بيننا!. من التكريمات المتأخرة أيضا أنه فاز بجائزة الرواية العربية في 3 نوفمبر 2016 من معرض الشارقة الأدبي.

كما أنه ناقد قدم عمل جيد جدا,بل ممتاز,هو,أفلام الحافظة الزرقاء,و اللغز وراء السطور.

من أقواله

-لن أتحدث أكثر من ذلك لأن بلاط السجن بارد جدًا في هذا الوقت من العام، كما تعلمون.

-إن أشجع الشجعان فى التاريخ هم ببساطة أناس خافوا أن يبدو جبناء

-النجاح فى الزواج لا يحتاج أن تتزوج الشخص الصحيح، النجاح يتطلب أن تكون أنت الشخص الصحيح.

-لا أطيق دموع الأنثى إنها غزيرة وافرة، وكان يمكن أن تكون رخيصة لكثرتها ولكن دموع الأنثى هى الشىء الوحيد فى العالم الذى تزداد قيمته كلما كثر، إنها تشلنا معشر الرجال وتحيرنا وتربكنا.

مع ذلك تظل المدرسة الخيالية هي التي تمثل النقلة الأدبية التي أحدثها العرّاب أحمد خالد توفيق. هذه النقلة التي تحققت على ثلاث مراحل بدأ العرّاب الأولى وساهم في الثانية وأمتد تأثيره في الثالثة التي مازالت جارية إلى الآن.

المرحلة الأولى هي المرحلة التي بدأها العرّاب,وتحمل القدر الأكبر من جهده في إحداث النقلة,ولكن كانت هناك تمهيدات سابقة عليه إليها,ومساندات داعمة معه فيها,وهذا يعني أنها بدورها تنقسم لشقين. الأول يبدأ منذ أنيس منصور ومصطفى محمود ومحمود سالم.

هذه الفترة تمثل جيل كامل يعد هو الأول قبل ظهور أحمد خالد توفيق,وفيه ظهرت أسماء نتناولها بالتفصيل في مقال آخر.

وفي الثاني تبرز أسماء لها من الأوزان ثقلا هي الأخرى,مثل رؤوف وصفي وسند راشد دخيل وعبد الوهاب السيد الرفاعي. الشق الثاني هو المعني هنا حيث بدأ مع بداية المشوار الأدبي لأحمد خالد توفيق وصدور روايته الأولى مصاص الدماء وأسطورة الرجل الذئب عام 1993,وهي رواية رعب بدأت بها سلسلة ما وراء الطبيعة التي تعد سلسلة روايات الرعب الأشهر في العالم العربي. ثم رواية قصة لا تنتهي عام 1995 من سلسلة (فانتازيا) التي تعد أول سلسلة روايات فانتازيا بالعصر الحديث في العالم العربي. ثم نصل لرواية يوتوبيا عام 2008 رائعته في التي قدمها إلى الخيال العلمي وأتبعها بثلاث روائع أخرى. هم مرتبين على التوالي مثل إيكاروس 2015,في ممر الفئران 2016,شآبيب 2018.

أنتج أحمد خالد توفيق سلاسله الثلاثة ما وراء الطبيعة وفانتازيا وسافاري مع المؤسسة العربية الحديثة في الأعوام 93 و95 و96 على التوالي.

المرحلة الثانية هي التي بدأت مع تلامذة العراب,بالأخص فتى وفتاة,تامر إبراهيم وشيرين هنائي.

ثم أستمرت المرحلة لربع قرن (25 عام) مع كل كاتب صنع إسمه مع بداية العراب وفي شهرته وحتى وفاته في 2018.

جدير بالذكر أنه يمكن إعتبار المرحلة الثانية هي الشق الثالث من المرحلة الأولى التي بدأت مع العراب وأنتهت مع رحيله. لتبدأ المرحلة الثانية بعد غروب شمس العراب آملين في إشراق شمس جديدة,ولكني وضعتها هنا في الثالث لأعطي مكانة للوقت الذي برزت فيه أسماء كتاب كبار مثل (حسن الجندي - تامر إبراهيم - شرين هنائي - وائل رداد - أحمد مراد) وغيرهم نتناولهم في مقال آخر.

المرحلة الثالثة هي مرحلة ظهرت فيها أسماء بدأت أيام العراب ومازالت مستمرة بالظهور إلى الآن في تزايد يدعوا فعلا إلى الدهشة.

لفتت إنتباهي عبارة رائعة للكاتب الصحفي حسام السكري,يصف بها بعض أهم إنجازات الكاتب الكبير أحمد خالد توفيق,قائلا عنه:-

"فرد واحد قام بما لم تقم به مؤسسات الدولة دونما مقابل".

وأنا قد أكون مدرك للصورة الكاملة لما حققه أحمد خالد,إلا أن في هذا القول تعبير قوي عنها,وفيه إعلاء يستحقه الكاتب كونه علما من أعلام الأدب وأيقونة ثقافية خالدة في تاريخ الفكر العربي. وتقديرا لمكانته حظى بأحد الألقاب الفاخرة التي ستزين إسمه المنقوش في ذاكرة الثقافة العربية. إنه العرّاب.

يمكن تلخيص الإنجازات الهائلة التي حققها العرّاب على الصعيد الأدبي في أربعة مجموعات رئيسية.

1-الرؤية المستقبلية / نبوءات العرّاب

2-التأريخ وإبداعاته الأدبية

3-الثقافة الشعبية – المدرسة الخيالية

4-المقالات الفكرية ورؤيته النقدية ونشر القراءة