ما الذي يمنعنا من قضاء حاجاتنا؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ما الذي يمنعنا من قضاء حاجاتنا؟

مقدمة شاملة مختصرة لنظرية سيغموند فرويد في الشخصية. -الهو , الأنا, الأنا الأعلى- كتابة: رفيف الوهيبي -اخصائية نفسية من جامعة الملك سعود- في حالِ رغبتَ بالتواصُلِ الآمِن السريعِ معها, استخدم الرابِط: https://sarahaa.com/w/7446631

  نشر في 08 يونيو 2019 .

هل تساءلت يوماً,لماذا حينما تكون في أمسِّ الحاجة لشيءٍ ما, تمنع نفسك عنه رغم حاجتك الماسَة إليه؟

حتى يتضح التساؤل أكثر افترض معي ايها القارئ انك كنت تمشي في مكانٍ عامٍ وانت عطشان جداً،-بالطبع ستكون محتاجاً لشيء ما يروي عطشك!- ثم صادفت أحدهم في الطريق يحمل بين يديه كأساً مما تشتهي، ستجد نفسك غير قادِرٍ على أخذ الكأس منه بالإجبار، وستستحي أن تطلبه منه، إثر شعورك بوجود شيءٍ ما في داخلك يحملك على عدم أخذه منه, وعدم القيام بهذا التصرف الخاطئ غير اللبق!, أو ذلك الموقف الذي أعتقد كثرة مصادفته لنا، حينما نكون في جلسةٍ هامة، أو في اجتماع خاصٍ أو عامٍ هام أو في محاضرة, وتنشُدنا إشارات مثانتنا التنبيهية, طالبةً منا قضاء هذه الحاجة البيولوجية-اكرمك الله-,(تعتبر هذه الحاجة أحد حاجات فرع الحاجات الفسيولوجية الضرورية لبقاء واستمرار الكائن الحي, وهو فرعٌ من فروع شجرة الحاجات الأساسية في هرم ماسلو, وتسمى هذه الحاجة ب”الحاجة إلى الإخراج”, ويعد ماسلو الحاجات الفسيولوجية أحد أنواع الحاجات الدنيا, و تزداد دافعية الفرد لإشباعها- الحاجات الدنيا-في حال وجودها(تقدم الدافعية إشباع الحاجات الدنيا على إشباع الحاجات العليا, حيث ترى إشباعها أولى من إشباع الحاجات الأُخرى. وحيثُ ما يتم إشباعُ الحاجات الدنيا, ينخفضُ مستوى الدافعية لها, ويزداد مستواه لإشباع الحاجات العليا) لكن رغم حاجتنا الشديدة لقضائها, وتوتر كثرةِ طلب التخلص منها, إلا اننا لا نقضيها على انفسنا, بل ننتظر وقتاً, قد يطول ويقصر، ولا مانع من أن نتألم, حتى تصادفنا اللحظة المناسبة للذهاب إلى دورة المياه.

والآن اطلب منك يا عزيزي أن تحاول التعرف- تتساءل- على ذلك المُسيطر الذي منعتك من أخذ الكأس ومن قضاء الحاجة في مكانٍ عام, ومن العديد من الأمثلة التي قد تأتي في ذهنك أو أتت فِعلاً!

هناك العديد من المواقف البسيطة في حياتنا اليومية التي لا نلقي لها بالاً، أو قد نعطيها تفسيراتٍ بسيطةً عامة نُسكِت فيها اي تساؤلً قد يأتي في اذهاننا حولها, خشيةَ الوقوع في موقفٍ غامضٍ مُحير. قبل مُدة راود أحدهم مثل هذا التساؤُل، الذي قد يراود العديد منا، وغالباً ما يُهمل، لكن لحسن الحظ، قرر هذا إشباع فضوله بالبحث حسب قدرته عن أسبابٍ علمِيةٍ مقنعة تفسر ظاهرته -أو على الأقل تُفسر القليل منها-, ولأن مُشبِعهُ باحِثٌ مبتدئٌ في علم النفس فلقد قرر البحث عنها في بعض كتبه، ولسعد تساؤلهِ, وجد الباحث شيئاً من مبررٍ مقنعٍ لحدوث مثل هذه الظاهرة.

بين نظريات الشخصية في علم النفس، نظريةٌ مشهورة وضعها العالم النمساوي سيغموند فرويد حوالي عام 1920م، وتدعى نظرية التحليل النفسي والنظرية الدينمية، ونظرية سكيولوجية الاعماق، والتي بنتها خبراته في معالجة المرضى النفسيين، الذي إعتمد في علاجهم على وسائِل التنويم المغناطيسي والتداعي الحر، وتفسير الاحلام. نظرية فرويد نظريةٌ واسعة المفاهيم متفرِعَةُ الأفكار قبلها العديد من العُلماء والباحثين لمدة طويلةٍ نسبياً، وفي مقابل قُبُلِوها تعرضت للانتقاد من قِبلِ عددٍ من علماءٍ وباحثين آخرين في نظرياتٍ ومدارس نفسيةٍ مختلفة, نظريةٌ مثيرةٌ تستحق القراءة, والكتابة عنها, لكن مع الأسف لا يسع عدد أحرف كلمات هذه المقالة البسيطة المفتاحية, أن تقف على كل شواطئ مائها الصافي والعكر, لذلك أوردَتْ المقالة شيئاً من مفاهيم هذه النظرية الذي قد يساعدنا للوصول إلى الاجابة.

حتى يسهل عليك يا صديقي القارئ فِهم شيءٍ من نظرية فرويد في الشخصية الذي فسر ظاهرتنا تحليلياً، تخيل معي أن أمامك مجمعاً مُسوراً يسمى الشخصية، يحوي على ثلاث مباني, كل مبنى مصممٌ بشكلٍ مختلفٍ عن تصميم المبنى الآخر وله سماتٌ ومميزاتٌ تُميزهُ عن غيره.

أول مبنى من اليمين مبنى يسمى الهو ID ينقسم إلى طابقين الطابق الأول يحوي على مكونات النفس، وهي مكوناتٌ لاشعورية يولد كل فردٍ وهو مزودٌ بها، أي موجودةٌ فيه بالفطرة، ومنها الغرائز.

والطابق الثاني طابِقٌ مظلم يسمى الجانب الحيواني المظلم في الشخصية، ويعمل على تحويل الحاجات البيولوجية إلى توتُرٍ نفسي، يظهرُ بصورةِ رغباتٍ شهوانية، هدفها الأساسي هو الحصول على اللذّة بأفعالٍ غير منطقية غير عقلانية, ويتم اشباع هذه الرغبات عن طريق العمليات الأولية باستخدام الطاقة الغريزية، “هذه العمليات هي دليل الأمراض النفسية.”

مبنى الهو طاقته غير مستقرة ولا تسيطر عليه قوانين العقل والمنطق، وهو مصدر الطاقة النفسية الأول ومجمع الغرائز .

مثل حاجة الشرب وقضاء الحاجة التي أشرنا لها سابقاً.

والمبنى الثاني الذي يقع في منتصف المجمع, مبنى يسمى الأنا Ego، وفيه خبرات الفردِ التي تكونت لديه نتيجة تفاعله في بيئة اجتماعية وثقافية وتربوية واقتصادية معينة(هو المبنى الوحيد الذي يمكنه التواصل والتفاعل مع البيئة)، الأنا الوجه المعاكس للهو تماماً، مبنى تقوم عملياته على المنطق والعقل بشكل كامل، حيث انها تقبِض على حاجات الهو البلهاء الهمجية وتأسرها فيه مدةً مؤقته، حتى تقوم باجراء تعديلاتٍ مناسِبةٍ عليها, ثم تُشبِعها بناءً على المنطق والعقل والقيم، والأخلاق والتربية.

الأنا تسيطر على جماح الهو، وتُذعنه للواقع حيث أن هناك علاقةً عكسيةً بين الأنا والهو -ازدياد قوةِ الأنا يعني ضعف قوةِ الهو- , وظيفة الأنا حماية الفرد من الوقوع في المخاطر والمشكلات التي قد تهدده في عالمه الخارجي إثر إشابع رغباته بطريقة الهو الخاطئة، وذلك عن طريق إشباع رغبات الفرد وحاجاته بصورةٍ عقلانيةٍ منطقية تضمن حمايته وإبعاده عن السلوكيات الهمجية الخاطئة.

الأنا تعيد صياغة رغبات الهو بما يتوافقُ مع رغبات الأنا الأعلى( الضمير)،

وهي التي منعتنا في المثال الأول والثاني من أخذ الكأس بالإجبار، ومن قضاء الحاجة في مكانٍ عام.

أما المبنى الثالث والأخير مبنى يقعُ في يسار المجمع, ويسمى الأنا الأعلى Super Ego أيضاً يسمى الضمير وهو مصدر الدفع نحو الكمال, -على سبيل المثال: حينما نفشل في محاولة تحقيق أمرٍ ما, يراودنا شعورٌ داخلي بأنه يمكن أن ننجح في مُحاولةٍ أخرى، وقد نفشل في المحاولة الثانية ثم يراودنا نفس الشعور ونكرر المحاولة للمرة الثالثة والرابعة...حتى ننجح في النهاية أو نفشل، هذا الشيء الذي دفعنا لإعادة المحاولة هو الأنا الأعلى-، وهو الذي ينقلُ الأفكارَ والمعلومات إلى حيزِ الشعور، و يُعاقب على الأفكار الخاطئة، ويحدد الكيفية التي يتشكل بها سلوك الفرد أثناء قيامه بأدواره المختلفة في البيئة.

أيُ نقصٍ أو تشوهٍ في تكوين الأنا الأعلى يظهر أثرهُ على ضمير الفرد بنحوٍ مباشر، -لذلك يصادفنا في حياتنا أحياناً بعض الأفراد الذين يقومون بسلوكيات خاطئة فاضحة متدرجةٍ في خُبثها، ونستنكر سبب قيامهم بها، وأحيانا نتساءل أليس لهؤلاء ضمير يمنعهم عن القيام بهذه السلوكيات؟...أليسوا عاقلين؟ ألا يفكرون في عواقب سلوكياتهم؟...والكثير من التساؤلات-.

أخيراً عملية تكوين الأنا الأعلى عمليةٌ معقدةٌ جداً يبدأُ تكونها منذ مراحلٍ مبكِرةٍ من عمر الطفل إلى أخر عمره, بنحوٍ لا شعوري, ويتأثر تكونها بعواملٍ مختلفةٍ في حياة الفرد من عدةِ نواحي.

كل هذه المباني الثلاثة يعتمد عليها تكون شخصية الإنسان من وجهة نظر العالم فرويد في نظريته التحليلية، وهذه المفاهيم جزءٌ بسيطٌ جداً من نظريته.

شكراً صديقي القارئ على إعطاءِ مقالتي الأولى متسعاً من وقتك المهم. أتمنى أن تكون أصابت هدفها و راقت لك, وإن لم تنل على حسن إعجابك فقد يكون القادم أفضل منها, وإن أثارت أفكارُها فُضولك مثل ما أثارتني, فأنصحكُ بالإستزادتِ من بحرِها، في قارّاتِ كُتب بُحُورِ علمِ النفسِ العلميةِ الموثوقة، ولا تنسى أن تستمتع!

المراجع:

-الزغلول, الهنداوي, عماد, علي(2015). مدخل إلى علم النفس. الإمارات. دار الكتاب الجامعي.

فيديو عنها:





  • Rafif
    اخصائية نفسية مهتمة ببحوثِ ومستجداتِ علم النفس, وبالأدب والسرديات.
   نشر في 08 يونيو 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا