مسألة الغلو في الدين في هذا الزمن، تخللها كثير من التعقيدات، وأُريدَ بها المشكلات، وإفشاء الفساد، يتصدى كبار المفسدين للتكلم فيها من كل واد، لينصروا بها خبثًا ثاويًا في أعماق أفئدتهم .
هؤلاء يأتونك من حيث لا تشعر، بحيث يصيبك أحدهم سهمًا في منتصف جبينك لا يعقبه دم ظاهر لك، فلست تراه، ولا تشعر به...
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ} [سورة الأنفال:30]
فلا تتوقع أن يأتيك هذا المنافق قائلًا: أريد أن أشكك في دينك لتنسلخ عنه! أو: عفوًا أريد إضعاف إيمانك! بل هو أذكى من ذلك بكثير، فهو يتستر تحت جلباب الحرية، والحب، واليُسر، والرأفة والرحمة؛ ليسوّل لك فكره الرخيص .
الغلو: ( المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد) - ابن حجر، فتح الباري: (13/ 278).
فالغلو في الدين: مجاوزة الحد فيه سواءً بالاعتقادات أو الأقوال أو الأعمال .
لكن ليست هذه القضية المجردة عن أي غموض موضوعي، إنما الذي أردت تسليط الضوء عليه، هو أنه يكثر من المنافقين التلفظ بعبارات أمثال: الغلو في الدين، التطرف الديني -ومما شابههما-، تتلقاها مسامعنا منهم كثيرًا، واستطاعوا بنجاح أن يُبلّغوها الآفاق، ولا نجد عبارات من أفواه هؤلاء تنادي بالدعوة إلى التمسك بالدين، والتزوّد من العلم بقدر الأولى، فيا للعجب !
والنفوس بطبيعتها تنجذب إلى الكلمات الإيجابية، وهم يتغنون بالسلام والحب والحرية، ويسوقون في هذا الميدان الأحاديث والآيات القرآنية، ليحكموا قبضتهم على الجُهّال، والمراهقين، وأحيانًا طلبة العلم حتى! فهم يبحثون بحثًا واسعًا لأجل التمسك بأي دليل جليل؛ ليضعوا فكرهم الخبيث في قالب الموعظة،فهم يقولون كلمة حق أرادوا بها باطلًا؛ خادمين بذلك غرضًا بنفوسهم .
فهذا الذي يؤثر فيك بعذوبة حرفه، وبجمال علاقته مع خالقه وخلقه، تجد عليه بعض الخلافات اليسيرة، وتمضي الأيام إلى أن تكون كبيرة!
بحيث تدريجيًا، العابد، طالب العلم المجتهد، يبدأ يسب هذا العالم وذاك؛ لأنه بتحقيره لمكانتهم المُنيرة العالية، يُثبت مكانته المُظلمة السافلة، إلى أن يصل بسبّه إلى من هو يُعد من أشرف العلماء السابقين، فهو يصعدُ منبرًا للمنافقين، يتكلم فيه بجرأة ويطعن من في زعمه من المتشددين، ويحاول سحر الناس بسذاجة عقله مستعملًا لطيف الألفاظ وجميلها؛ ليقع خبث صنيعه على من يقع .
إذا حللنا الموقف، هو استطاع دخول قلوب الناس، وتمكّن من كسب ثقتهم، ولم تكن هذه الخلافات اليسيرة، وسِيمة وجهه ملحوظةً لديهم، فيرون أنه أحسن الناس في عصره، بحيث لا يدركون الهيئة التي أظهرها، والتي هي في الأصل حقيقته، فلو ظهرت لهم من قبل، لما نظروا إليه حتى .
فيرى الناس أن هذا هو المعتدل، وأن الملتزم بالدين على الوجه الذي يرضي العظيم -سبحانه- ما هو إلا متشدد !
فتفشى مبدأ (محاربة الغلو) في المجتمع حتى صار مستفحلًا، ومن الناحية العقلية المنطقية، إذا كَثُر التركيز وطال على جهة، فلا بد أن يحدث خلل بالجهة التي تقابلها، فيجب أن توزاي كفة الميزان أختها، أو على الأقل تتقاربان، فإن لم يحدث هذا؛أورث خللًا في الكفة الأخرى .
ولهذا لا شعوريًا وتدريجيًا يهون عليك أمر كل عاصٍ، بينما في فؤادك تبدأ مشاعر استنكار -وربما شيءٌ من الاستقباح- للمتديّن المستقيم بالرغم من عدم غلوّه، في ظاهره وفي خلوّه .
فيغدو هذا الطفل البريء، بعد عدة سنوات، شابًا اكتسب ما اكتسب من المعارف والمبادئ، تجده عند مسألة التدين ينفر كل النفور، بينما يستهين بكبائر الأمور!
ولا تثريب عليه، كيف وقد نشأ في مجتمع منافق داعٍ بكل ما أوتي من قوة وعتاد إلى مسألةٍ ظاهرها أنها شريفة، وباطنها المكر والخديعة .
ختامًا، فليكن الوعي ظلنا الذي نستظل به، فالموجات المعاصرة تكاد تعصف بالمجتمع لولا فضل الله عليه، فهي ساكنة هادئة تتلذذ الأعين عند النظر إليها؛ لطهارتها الظاهرة، ولكنها تخفي في قاعها المظلم المخيف ما الله به عليم .
-
لمىلا يهم الكم بقدر ما يهم الكيف، فلا تتفاخر بكثرة سيلان حبر قلمك فهو ربما هدر، وربما حتى شاهد عليك، فاهتم (بماذا) تكتب لا (كم) تكتب.
التعليقات
بارك الله تعالى فيك اختي الكريمة…….وثقل ميزانك بما تفعله من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا
وأسأل الله تعالى أن يجازيك علي عملك هذا خير الجزاء..
لك جل تقديري واحترامي
إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك خطوات ثلاث هي:
1/ هدم الأسرة
2/ هدم التعليم.
3/اسقاط القدوات والمرجعيات.
*لكي تهدم اﻷسرة:عليك بتغييب دور (اﻷم) اجعلها
تخجل من وصفها ب"ربة بيت"
*ولكي تهدم التعليم: عليك ب(المعلم) لا تجعل له
أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره
طلابه.
*ولكي تسقط القدوات: عليك ب (العلماء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم اجعلهم مثاراً للإختلافات
حتى لايسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد
. ( وهنا ملتقانا في مقالك الرزين )
فإذا اختفت (اﻷم الواعية)
واختفى (المعلم المخلص)
وسقطت (القدوة والمرجعية)
عندها تسقط الأمة بسقوط فكرها