العنصرية وانفجار الشارع الأمريكي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العنصرية وانفجار الشارع الأمريكي

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 01 يونيو 2020 .

العنصرية وانفجار الشارع الأمريكي

هيام فؤاد ضمرة..

واهمٌ من يعتقد أن العنصرية غابت في يوم من الأيام عن فضاء أمريكا، فكل محاولات أمريكا لأن تتجمل وتحسن صورتها الملوثة بالعنصرية لم يتجاوز حدود الأولوان القابلة سريعا للذوبان في محلول العنصرية ذاتها، فامتيازات البيض ظلت تتصدر كل مواقع الحياة وحقوق المواطنة وقوانينها، امتيازات تعليمية، واجراءات قضائية، وحقوق ملكية، وفرص هجرة.. وغيرها، ظلت تمارس تمايز حصري يتخير البيض من أصول أوروبية بروتستانتية بشكل خاص، ما عدا ذلك ظل على هامش الحقوق إلا من تميز بعلمه وعبقريته وشكل مكسبا للجنسية الأمريكية.

وهناك رؤية توصلت إليها هيئة الأمم المتحدة وشبكة حقوق الإنسان أن التمييز في الولايات المتحدة الأمريكية يكاد يتخلل جميع جوانب الحياة ويطال كافة الأعراق غير البيضاء، ويكاد لا يمر وقت بسيط إلا وتطفو على السطح بوادر تمييز واضح عند غالبية الأمريكان، حتى محاولة إدخال شخص أسود إلى البيت الأبيض لم يتجاوز الحالة التجميلية المتعمدة لتتبرأ من تهمة العنصرية سرعان ما تساقطت كذرار الغبار، فمصطلح ما بعد العنصرية في الألفية الثالثة التي حاولت جاهدة الخروج من خلالها عن صورتها النمطية المتعنصرة بانتخاب رئيس ذو بشرة سوداء، إلا أنه برز هناك تهديدا ارهابيا أبيض ضد الأقليات العرقية من الأمريكان كرد فعل على دخول أوباما البيت الأبيض

قتل الشرطي الأبيض للمواطن الأمريكي الأسود بدم بارد حد الصقيع رغم صراخ المتواجدين ليس بالحادثة الوحيدة في الاستهانة بحياة وحقوق السود وأصحاب الأعراق غير البيضاء، فالسلسلة طويلة ومتكررة تخرج علينا بين الحين والآخر بممارساتها البشعة.

فالنظرة المختلطة بفكر العبودية ما زالت معششة في أدمغة البيض رغم مرور ما يزيد عن المائة عام ونيف على إلغائها، لأنه فكر متعمق فيهم إلى الجذور، كون التنميط العنصري ما زال يشكل قاسما مشتركا لغير البيض، يحرمهم بالمزاولة من حقوق كثيرة يظهرها البيض ضد السود بوسائل مختلفة، على الأخص في مجال الشرطة، وتظهر صوره جلية بمظاهر استهداف ممنهج يمارسه أفرادها ضد السود بدم بارد راجع للنظرة النمطية نحو السود.

في حادثة مقتل المواطن الأسود بطريقة قاسية للغاية من قبل شرطي عنصري، أثارت غضب المواطنين الأمريكان وحفيظة العالم أجمع ذلك الذي أشبع العالم سمعاً عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وفيما الآخر لا يكاد يتلمسها في مهدها، وكان طبيعياً أن تموج شوارع عدة مدن بالمتظاهرين المحتجين على خلفية هذه الجريمة البشعة، فمهمة رجال الأمن المعهودة هي الحفاظ على الأمن وعلى حياة المواطنين، وليس قتلهم تحت أي ذريعة وخاصة ان القتيل كان مستسلما للشرطي ومقيداً ولم يكن بحاجه لأن يختنق تحت ساق الشرطي المجرم الذي من المفترض أن يلقي القصاص المناسب كقاتل، وكون الجريمة حدثت أمام حشد متصايح من المواطنين، ينذر الشرطي بأنه يعرض حياة المواطن للخطر وأنه يوشك على لفظ أنفاسه، لكنه تجاهل النداءات رغم أن الشاب كان تحت سيطرته التامة، وأفراد من الشرطة متواجدين بالمكان، إلا أنه استمر الضغط بركبته على عنق الشاب بكامل ثقله مدة طويلة وكأنه استراح إلى وضعيته فوق الشاب المنبطح على بطنه ووجهه على الاسفلت، مشلول الحركة كلياً نتيجة وضع الأصفاد في يديه، لم يتخذ الشرطي خلالها واجبه المعتاد بسوق الشاب نحو عربة الشرطة أو أن يقرأ عليه حقوقه كما جرت العادة في أمريكا حتى زهقت روحه وتوقفت أنفاسه،

بشاعة المشهد وتفاصيل الحادث الذي صور من قبل المواطنين، وتناقلته وسائل التواصل الإجتماعي أثار غضب الشعب الأمريكي، واجتاح الغضب مدن عديدة في أمريكا، وفقدت الجهات الأمنية السيطرة أمام هيجان المتظاهرين واتهام السلطات بالتهاون بأرواح السود والملونين والتجاوز عن قصاص الشرطة المتستهنين بأرواح المواطنين.

وصل المحتجون الغاضبون إلى مشارف البيت الأبيض متجاوزين حاجزا أمنيا فشل في منعهم، مما وضع ترامب في ظرف عصيب وهو يواجه ما واجهه الرؤساء العرب حين انفجار ربيع شعوبهم، وبدا ارتباكه واضحا وهو محشور كالفأر بالمصيدة حتى شعر بأنه أوشك على نهايته، مما جعل رجاله يقتادوه إلى نفق سري أسفل البيت الأبيض على الأقل لمدة ساعة مرت عليه كالدهر، حتى تم السيطرة وتفريق المتظاهرين بواسطة الكلاب المدربة ورجال الحرس الرئاسي، وكأن الله أراد أن يذيقه ما أذاق مثله من الحكام المستبدين، لتأتي تغريداته في إشادته لقوات حراسته الرئاسية مضحكة والمتظاهرون يدرون مدى الرعب الذي أوقعوه فيه حتى لو لمدة قصيرة، وعلمته أن سياسة العنصرية لن تجدي معهم بعد اليوم.

الإعلام الأمريكي مجبر على ممارسة الكذب على المتظاهرين لأن الحكومة الأمريكية تضغط على الإعلام لمنع نشر كل شيء في محاولة منها للظهور بمظهرالمسيطر على الوضع بغية عدم تعرض صورتها كدولة قوية للاهتزاز.

جورج فلويد.. سيظل إسما نابضاً داخل الضمير الأمريكي، وسيعيش هذا الإسم في الذاكرة الأمريكية السوداء إلى ما شاء الله، واليوم ليس كالغد يا أمريكا، فهذه الذاكرة من شأنها أن تضخم الإنفجار بأي وقت رغم استنفار ونزول الحرس الوطني إلى الشوارع الأمريكية على أمل السيطرة، وهذا مؤشر واضح على أن وهم القوة العظمى تعريه غضبات الشعوب، وخاصة أن نسبة الذين زجوا في السجون الأمريكية من السود بلغ 43% رغم أن السود يشكلون ما نسبته 13% من مجموع السكان وهذا دلالة واضحة على ما يقابلوه السود من صعوبات العيش بكرامة وأمان واكتفاء، والأغرب أن تمثيلهم في مجلس الشيوخ فقط بسيناتورين لا غير من أصل مائة عضو، مما يجعل حقوقهم لا تجد منافذها القوية داخل مجلس الشيوخ.

فالسود لم ينسوا حادثة الكنيسة في مدينة تشارلستون للسود حين دخل شاب أبيض وفتح النار على المتعبدين فقتل تسعة من المتواجدين بما فيهم عضو مجلس الشيوخ الأسود لولاية ساوث كارولينا، وكانت سبقت هذه الحادثة سلسلة من الحوادث العنصرية الخطيرة ضد الملونين

وترامب لطالما أطلق تغريدات عنصرية بالغة الخطورة مما عرضه للمساءلة القانونية، ومثل على خلفيتها أمام القضاء، إضافة لتهم أخرى عرضت مصالح أمريكا للخطر، وطالب مجلس النواب بناء عليها بعزل الرئيس ترامب، لكن لأن التصويت هو الذي يحدد عزله أم بقاءه فقد تخطى ترامب حكم العزل، إنما شخصيات عالمية كثيرة وصفت ترامب بالعنصري والإقصائي وأن سياساته أعطت ضوءا أخضر للشرطة بانتهاك الحس الإنساني مع السود.

قد لا نجاف الحقيقة إن توقعنا أن يتسبب ترامب في تفكيك الولايات الأمريكية مثلما فعل غورباتشوف بتفكيك الاتحاد السوفييتي، فمن بدايات عهده كانت دلائل تصرفاته العنصرية والاستبداد والعنجهية والاستكبار الأحمق بادية بشكلها القوي على قراراته، إضافة إلى فشل سياساته البغيضة التي باتت واضحة لمحللي السياسات، وكل جهوده لاكتساب رضى المقترعين على اعادة انتخابه ما زالت تبوء بالفشل، فليس من الطبيعي مطالبة رئيس دولة لأنصاره الخروج في تظاهرات ضد اجراءات الحظر الصحي في مواجهة كورونا مع ارتفاع أعداد نسبة المصابين بصورة خطيرة.. فغرابة الموقف أن يتجسد انعكاس الواقع أن جاءه الرد من الشارع الغاضب بمظاهرات ضده شخصياً، من خلال هجوم المتظاهرين على البيت الأبيض حيث يتواجد هناك شخصياً.

حان الأوان يا أمريكا أن تحدثي التغييرات الفاعلة في القوانين والأحكام والممارسات والقرارات بما يجسد على أرض الواقع مبدأ العدالة والمساوة بين المواطنين الأمريكيين، وفي قضايا دول العالم الخارجي حيث تم اختيارك كراعي سلام لا راعي استسلام وتنازلات عن حقوق وأوطان، وليخرج رئيسك الحالي من طوق عنجهيته البغيضة المتحامية بفريق من الكلاب المدربة على نهش البشر(حسب تغريدته في شكر الحرس والكلاب المدربة التي فرقت المتظاهرين عن محيط البيت الأبيض)، فترامب الذي عودنا على الخروج عن التوازن السياسي والأخلاقي في قيادته الأمريكية صار لزاما إعادته إلى خط السكة الطبيعي.



  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 01 يونيو 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا