المرأة الفلسطينية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المرأة الفلسطينية

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 15 نونبر 2022 .

المرأة الفلسطينية

**هيام فؤاد ضمرة**


سيدة نساء الأرض قاطبة وملكتهم المتوجة فوق رؤوس الأشهاد، بطلة فريدة من نوعها تهتز لها فرائص الأعداء، سيدة الطهر والعفاف بانصهار، سيدة الوعي والعلم والصلاح، سيدة التضحيات والصبر على الكلم والفقد، سيدة الوطن والأرض والزرع والإزدهار، سيدة النضال والتصدي والصلابة بكل إبهار، امرأة بملايين النساء تختال في تاريخ الأمم قاطبة، يخشاها العدو اللدود، ويحترمها الصالح والطالح، الصديق والعدو، حتى المستبدين الطغاة.. هي دهشة هذا الزمان تحسبها أيقونة لكل أصناف الأنوار.

إمرأة قوية عنيدة عصية على الإنكسار، واجهت موجات متتالية من الأزمات والصدمات، ودخلت معترك الصراعات دون تردد، فقد حمَّلتها قضية وطنها مسؤولية فوق العادة علمتها معنى الصبر والتضحية والكفاح بشتى الوسائل والوسائط، بحيث تأقلمت مع كافة ظروف الشدة والمحاصرة والمسؤولية الإنسانية لتحقيق جانبين من جوانب حياتها، جانب النماء وجانب الانتماء، لاستشعارها عظم مسؤوليتها في خوض الدور وأنها معنية بالنزول إلى الميدان لتخوض في ساحة الورى والكرامة.

لهذا فقد بدت من القوة بما تتطلبه الظروف التي وضعتها في موقع التفاعل، فتتصدر مشهد التحدي والمقاومة بكل شجاعة، وتتصدى بقوة وعزم لجنود عدو مدججين بالسلاح الحديث، لا تهابه ولا يهتز لها طرف أمام استخدامه العنف والظلم، هي دون أي مبالغة امرأة الكبرياء التليد، من تعتد بفلسطينيتها وعروبيتها وانتمائها لأرض وطنها العربي الفلسطيني.

تقف مستنفرة بالواجهة من الصفوف الأولى، تتصدى بمواجهة مباشرة بصدر مفتوح ويد معفرة بالتراب تقبض على أحجار، رغم أن عدوها يرفع بوجهها سلاحه، تستهين بتدججه وكثرة عتادة، لا تخشى بحضورهم بشكل جماعات تحمي ظهور بعضها يدعمون عدوانهم باتباع العنف، تدرك تماماً أن عدم انتماء هؤلا ء الجنود لهذه الأرض يجعلهم أشخاصاً هُشاً جبناء ترتعد أعماقهم وتتزلزل فرائصهم، يتلبسهم الخوف حد الارتجاف والتبول على أنفسهم، يهرعون بالهرب بأسرع مما يستطيعون حين يستشعرون ضعفهم أمام قوة هؤلاء النسوة الحرات المتمسكات بحق الأوطان.

فمجرد أن تطلق النمرة منهن نظراتها الغاضبة التي تثقب الحجر من عينين تقدحان إصرراً، تخر قوى الجندي منهم، وترتخي همته، وتهتز فرائصه، تسلخ عنه انتماء كذوب لأرض ليست أرضه، ليدرك أن التضحية بحياته وسلامته غير مجدية وصاحب الأرض لا تهمد له ثورة ولا يستسلم لواقع وجوده كمحتل، مما يجعله سرعان ما يتخلى عن فكرة البقاء بفلسطين لتحقيق حلم واهٍ هش، والعيش على شفا انهيار أمني مخيف ينذر بالنهاية والاقتلاع، ويجعله مشروعا للموت لا محالة، فما من شيء يدعوه لأن يعيش في مكان ينعدم فيه توفر الأمن، فالتهديد مستمر، والفلسطيني يأبى أن يستسلم ويرضى بالأمر الواقع، وهو ما يدهش العدو مبدياً استغرابه، متسائلا لم هؤلاء القوم مختلفون، يهون بثقافتهم الموت من أجل الدين والأرض والشرف، فيدركون أن دراساتهم خادعتهم، لأنهم ابتنوا توقعاتهم على ما في طبعهم هم لا على ما في طبع الفلسطينيين.

امرأة تزاحم المناضلين بطريقتها، وتقف شوكة بحلق عدوها تدميه، تمارس عليه القهر وجبروت المقاوم العنيد، لا تخشى لحقها لومة لائم، ولا يخيفها تمثلهم القوة وهي تدرك جيدا أن لا قوة كقوة الداخل النفسي الذي يفتقدوه، ولا أثر يذكر لدعم أعداء من عالم الغرب تكاثروا ليعززوا وجود محتل بغيض هش يدعي القوة، ولا تضعف أمام ممارسات عدو كائد محتل لأرض الوطن، يمارس القمع والعنف والاعتقال بلا هوادة ظنا منه أنه قادر على كسر عزيمة شعب مؤمن بحقه بوطنه، ومؤمن بعدم شرعية الاحتلال الغاصب،

احتلال غريب لا ينتمي للوجود الشرق أوسطي ولا يحترم حقوق إنسان ولا حقوق نساء ولا حتى حقوق طفولة، يتساوى كل العرب أمام تقديراتهم الخبيثة، وإن مارسوا غباء التطبيع بمهانة والتواء، عميان يتحسسون بخوف موقع أقدامهم، ويسيرون وهم مذعورين يتلفتون يمنة ويسرة ويدهم لا تفارق الزناد.

ابتسامة المرأة الفلسطينية والقيد يدمي معصميها أثناء الاعتقال تشل في الجندي الإسرائيلي المحتل قواه، وتصيبه بصدمة تتداخل بالدهشة تلازم أحلامه ليلا فينهض مفزوعا مذعوراً تختنق صرخاته بين جدران غرفته.. إنه دائم السؤال مع نفسه: كيف يكون الفلسطينيون شعبا لا يقهر ولا يستسلم للذلة والإنكسار رغم ما يقع عليهم من قصاص جماعي ومن مظالم ومن معوقات حركة، كيف للمرأة الفلسطينية أن تكون بهذا الامتشاق بشرف الأحرار وهي المرأة التي لا حول لها ولا قوة؟..

كيف يتمكن الفلسطينيون بعمومهم من الصمود كشعب يمارس عليه كل أشكال التنكيل والقتل؟.. ما الذي يجعله لا يتنازل عن أرضه ووطنه مهما مورس عليه من تضييق عيش وضغوط أحوال؟.. ومهما قسى عدوه بالعنف والاعتقال، فالفلسطينيون يواجهون أحكاماً جائرة مبالغ في مدة الحبس وظروفه، معاملة لئيمة مُبالغ في تدنيها، ورغم ذلك يقفون بشموخ وقوة لا تعادلها بالدنيا قوة داخلية عنيدة لا تخشى بأس، ولا تركع لذل أو تقبل برجس من غريب محتل.

لا استغرب أن ينال المقاوم الفلسطيني والمرأة الفلسطينية خاصة احترام شعوب العالم لإرادتهم الحرة، ولعزيمتهم الصادقة القوية في النضال، وقوة إيمانهم بإمكانية التحرير.

فالمرأة الفلسطينية ما توقفت حركة نضالها، ولا همدت لها همة في المواجهة والتحدي والوقوف بقوة أمام ممارسات الاحتلال اللا إنسانية، فامرأة حرة أبدا لا تقبل سياسات دولة احتلال غير أمينة تتعامل مع منتسبي دولتها بعنصرية مطلقة.

وحدهم دول الاستعمار الكائد لا يحملون مشاعر بشرية طبيعية، ولا يحترمون حقوق إنسانية يرفعون شعارها كأكذوبة تستعرض بريقها ولا تقتحم مضمونها، يمارسون دعم الظلم وانتهاك حقوق الإنسان، ويكيدون للعرب على وجه الخصوص لأنهم في مراحل سابقة من التاريخ كانوا أسياد العالم، وأهل العلم والحضارة والقوة فوق قاراته الخمس، حين كانت دول أوروبا وأممها ما زالوا يعيشون التخلف بكل أشكاله حد الهمجية.

هي دول أغرقت نفسها في وحل عنصريتها واستغراقها في العبث والسكر، فزادهم الله انخراطا بعبثية المعاملات حتى صار القتل عندهم يمارس على سبيل التسلية أو توثيقا مثبتا للقوة المفتعلة، ولولا مكائد دول الاستعمار ما نجح اليهود باحتلال فلسطين، ولا البقاء فوق تراثها حتى هذا الوقت، ولولا مكائدهم وتدخلهم بسياسات دول الاسلام ما داسوا دولهم ولا أمعنوا بمثل ما أمعنوا بتخريبها والسيطرة على قراراتها.

من غرائب ما تحمله المرأة الفلسطينية من مزايا القوة والوعي، قدرة الجدة الفلسطينية على احتواء الأحفاد فكريا وتربويا، وتعليمهم معنى الوطنية وواجباتها نحو تحقيق تحرير الوطن والانتماء لأرض فلسطين، وحثهم على النضال والمواجهة بقوة وعزيمة صادقة، تماما كما فعلت جدة منى الكرد من مدينة يافا، فالجيل الجديد ما زال على قيد انتمائه ووفائه لوطنه،

فالدم الفلسطيني لا يُراق من إهمال وجبن، بل إنهم بنوا بداخلهم مصنعا للبطولة والشهامة فهم أمة مضطرون أن يواجهوا محتل سارق لوطنهم، مطلوب منهم مواصلة الكفاح من أجل مقاومة الاحتلال لأن مقاومته مسألة وجودية، فالفلسطيني خلق للنضال ولديه امكانيات عالية تسند قامته وتجعله أهلاً للمقاومة والتصدي.

العدو الصهوني أبدا لن يهنأ له عيش فوق أرض اغتصبها من أهلها، ومارس على شعبها الظلم والقهر والفصل العنصري والقتل الهمجي، على نفس المنهج الذي مارسة الأمريكان أصحاب الأصول الأوروبية الدموية التاريخ، من إبادات جماعية غير إنسانية للهنود الحمر، فالطبيعة عند ذوات الدم البارد طبيعة عدوانية لأقصى مراحل العدوانية، لهذا تقف أوروبا على مشارف انهيار مجتمعاتها وهي تسمح بقبول المثلية بمجتمعاتها وإدخالها ثقافة مجتمعية في مناهج تعليمها، وكأن اهرض يقودهم لمجتمع الإنحراف ليذوبوا بأعماقه.

أيتها المرأة الفلسطينية المذهلة، من يتشرف كل عربي بتقبيل أياديك الطاهرة لكونك الأكثر ثراءا بمبادئك وسيادة شخصيتك، لأن ملامحك تحمل صفة الكبرياء، فبه تتجملين دون مساحيق زيف ولا ألوان خداع، أيتها الشفافة بطهرك العفية بقواك الراضية بأحوالك..

بأي رداء عزة تختالين، تتمايسين بكبرياء الشموخ، فتغار منك نساء الأرض قاطبة، لم لا تغار والنور يتفشى بمظهرك برواحاتك كما إقبالاتك، العزة تتفجر من ملامحك نور يدعمه أنوار، لم تزل قدمك ولم تخلعي عنك كبرياء الطهر رغم هول كل الإعصارات التي هاجمت قلبك، رغم تكاثر الإنهيارات، رغم انطعاج العرب على صدمات التهديدات، رغم انبعاج هيكلهم وبياتهم في خانات الدعارة السياسية قبالة كاميرات تصور فيهم الابتذال لوحات عار تؤطرها مجمل السخافات.

ضربت أروع الصور والأمثلة بقوة الإحتمال، احتملت لحظات الفراق حين ودعت أبناءها الشهداء إلى أحضان الحور العين، صبرت على الفقر ولم يهنها فراغ أمعائها ولا ملابسها البسيطة، فقد كانت قامتها أطول من أن ينالها الريح فيسكر عودها.

يا ثوبها الذي طرزته أنامل الفن في جلسات الاعتداد، لتضع فيه نقشات من زهور وقناديل تضيئها النجوم توارثتها عن الجدات، فاختلطت فيها الحكايا والمواويل ونبضات الأغنيات، يا ستي يا من رسم الزمان على وجهك البلوري عناقية الزهر كأنها أعمدة تشكلها

يشرفني ويشرف كل عربي ومسلم ومسيحي أن تكوني أنت رمز الأم المناضلة في وطننا العربي من مشرقه حتى مغربه.. وأن يكون لثوبك الطاهر أغنيات بصوت البلابل تعلقها حناجرها على أغصان باسقات، فيا جدائلك الأنيقة تكتبها في دفاتر الشامخات.

ورمز المرأة الفلسطينية التي تقدس الحياة في ظل الحرية والعزة والكرامة .



  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 15 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا