في غرفة دهماء كئيبة،زادتها شدة البرودة غمة و قتامة...أخرج هاتفه النقال...لمس أحد أزراره، فأضاءت شاشته، و انبعث منها نور كسر طغيان القتامة...ولج قائمة الصوتيات، ليستمتع بسماع بعض الأغاني، لعله ينسى كآبة و وحشة المكان و لو لحين...اختار أغنية بلهجة وطنه...فشعر و كأن كلماتها موجهة له...فأخذ يرددها، محاولا تقليد صوت المغني في تأثر بالغ بالكلمات و اللحن...فجأة غرغرت عيناه بدموع طال سجنها بزنزانة ما بمقلتيه و هو يعيد مقطعا من الأغنية: ( يا الغايب فبلاد الناس شحال تعيا ما تجري ...ديك وعد القدرة و لى زمان و إنت ما تدري...)، كلمات أيقظت فيه شعور ندم حاول دفنه مرارا في مقبرة قلبه، و زادت من آلام روحه المنكسرة، و جعلته يخرج عديد المشاعر و العواطف التي أرغمها على السبات !
أيها المغترب في بلاد الغير، متى ستظل هكذا لاهتا وراء السراب؟ الأرزاق بيد الله، قد يكون رزقك الوفير في وطنك الذي تخليت عنه و أنت لا تدري!
إنه معنى الكلمات التي أعاد سماعها،لتشعل فيه الحنين و الشوق لوطنه، و ليتذكر تغريد الطيور و ثغاء الغنم و صراخ إخوته الصغار في الصباح،و رائحة الرغيف الساخن المنبعثة من فرن طيني عجيب، و دفء كأس الشاي بالنعناع، و حنان أمه و قسوة أبيه و أشياء أخرى...فراودته فكرة العودة...
فكرة سرعان ما احترقت، عندما تذكر دعوات والديه له كلما بعث لهما بمبلغ مالي، يعينهما على مصروف المعيشة...رمى هاتفه النقال بعيدا... وغط في نوم عميق !!