محامي تأخير - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

محامي تأخير

قضايا للتقبيل

  نشر في 14 أبريل 2016 .

بموجِب نظام الضّرر والإضرار فأنا وأنتَ هو المُدّعي والقارئ الذي قدْ يروقُ له ما أٌقولُ هو المُدَّعي أيضاً،لأنّ كلّ قوانين العالم تَحرصُ على أن تُشرّعَ لهذا الجانب ما يضمنُ بقاءَه رأسَ هرمِ القضايا التي يرفعها الإنسانُ ضدّ الأناسيّ الآخرين أو الشخصيّات الاعتباريّة التي غالباً ما يقومُ من هم مسئولون عنها بالإضرار بالمستفيدين عن قصد أو عن غير قصد وتلحَقُ المُساءلة بالصّفة المعنوية للمؤسّسة أو الجهة المتسبّبة في هذه الشكوى بعدَ أنْ أتاحَ العالمُ اليوم للمساكينِ أن يتألّموا بصوتٍ مسموع ..

تُشكّلُ الدعوى القضائية والحقوقيّة ضدّ الأحداث الذي تُسمَعُ وتُرى في عصرنا هذا أداةَ تنفيسٍ لكثيرٍ من المهضومة حقوقهم على المستوى الشخصي،فتجدُهم رازحينَ تحتَ ظُلمِ أربابِ الأعمال لهم وحَيفِهم عليهم وعلى طبيعة الوظائف التي يطلبونها منهم ومعَ ذلك لا يتردَّدونَ في التلويح برفع قضيّة رأيٍ عام أو دعوى حُسبة على شبابٍ خرَجوا عن الأدب واللياقة السلوكيّة في حيٍّ بداخل مدينةٍ وسَطَ فنزويلا،وهيَ ـ أي الدعوى القضائية والحقوقيّة ـ ورقةُ يانصيب وبطاقة ضَغطٍ يستخدمها أهل النفوذ ضدّ ذوي النّفوذ المُضاد كي يكسبوا مآربَ لهم أو يتراجَعَ أحدُ الطرفين عن خطوة استحلّها أو ليُسجّل فريقٌ نقاطاً إضافيّة في قيادة دفّة النّشاط المجتمعي والمدني المُخدّر بالشعارات الديموقراطيّة ..

كلُّ الأمور التي يعجزُ الوسط الثقافي عن تحديد إطار نظري واضحٍ لها يُحيلها بشكل غير مُباشر للخطّ القضائي الموازي لشفاء غليلِ الناس من حُبّهم للانتصارات في أروقة المحاكم،وأغلبُ الأمور التي يُصرّح أي قانون بأنّها مُتاحةٌ للتقمّص الحقوقي والقضائي يُهرَعُ الذين يشعرونَ بها بأنوفهم الاستشعاريّة النفّاثة ليستغلّوا كلّ فرصة تسنح ويركبوا كلّ موْجةٍ تثور ويُطلقوا عَزمَهم على رفع قضيّة أو تجهيز صحيفة دعوى ويمضي الوقت ولا يقطعونَ وادياً ولا يبرحونَ مكانَهم عازمينَ دونما نيّة ومُؤمّلينَ دونما عمل ..

كلّما فتَحَ الحقّ باباً ليلِجَ فيه الضّعفاءُ والمظلومين زاحَمَهم على شُرفاتِه قبلَ وصولهم إليه المُكتنزونَ شحماً ولحماً ومالاً “ووِاسِطةً” ولم يُبقوا لهم سوى مُنعرَجاً ضيّقاً يموتُ أغلبهم قبلَ أن يَخرَجَ من نهايته بائساً نادماً أن صدّقَ دعايةَ التّخفيضات ومناداة التّوزيع المَجّاني،فانشغلَت المؤٍسسات القضائيّة في بلداننا العربيّة بجلسات لقضايا رفعها حِزبٌ ضدّ الحكومة وادّعاها قومٌ ضدّ نادي رياضيّ وأسّسها رئيسُ تحرير ضدّ وكيل وزارة إعلام،واستُغلّت الإمكانيّات الحقوقيّة في إثباتِ اتّهامٍ معنويّ ضدّ كاتبٍ لكتابٍ لم يتوقّع منه الاشتهار إلا أنّ الطّريقَ للشهرة لا بدّ أن يمرّ بطريق المحامي،وانبرى المستشارون والقضاة والمُحلّفون للتسابق نحوَ النّظر في قضايا لا تجلِبُ لصاحبِ “الدُّكان” ديونَه من زبائنه ولا تُعيدُ البنتَ الصغيرة التي هرَبَ بها أبوها وتركَ أمّها تذرفُ الدّموعَ أمامَ قسم الشرطة على ناصية الحيّ ..

تُحَلُّ مسائلُ عويصة وكبيرة ومتشعّبة رغم عدم أهمّيتها في وقتٍ أسرع من البتّ في قضيّة يرفعها صاحبُ بيتٍ على مستأجرٍ مليء لم يدفع الإيجار ولم يخرج من البيت،وتُقضى الأمور في مشكلاتٍ بينَ صُحفٍ يوميّة وأصحابِ شركاتٍ تضرّروا من انتقاد كُتّابها في لمح البصر وبحكمٍ قضائي غير قابلٍ للنّقض أو الاستئناف بينما تُراجعُ الزّوجة ذات المحكمة منذُ خمسة أعوام ولم تحصل على ورقة تُثبتُ بأنّ زوجها الذي يشرب الخمر ويستخدم المخدّرات ويمتهنُ السّرقة ويتعدّى عليها بالضّرب ولا ينفقُ عليها لا يصلُحُ زوجاً لها ولا يحقّ له الاستمرار معها في زواجٍ هذه أوصافه وتلكم نتائجُه ..

قضايا إثباتِ النّسب المرفوعة في البلاد العربيّة تفوقُ قضايا التحرّش الجنسي في ولاية مثل “شيكاغو” باعتبار النسبة في السكان ولكنّ الغريب في الأمر أن سيرَ قضايانا العربيّة في إثباتِ نسبِ أبناءٍ هُم أبناؤنا أولاً وأخيراً تسيرُ سيرَ السّلحفاة وقضايا التحرّش الجنسي التي تُعتبر من طبائع تلك البلاد الغربيّة تنطلقُ انطلاقَ سيّارة الإسعاف في نفس المدينة ويتمّ تنفيذُ الحكم بين عشيّة وضحاها وفق تعاليم قوانينهم وقواعد تشريعاتهم وينصرفُ المتحرّشُ غارماً والمُتحرَّشُ بها راضيةً مُنتشيَة ..

وبينما تأخذُ الموضوعات المُختلقةُ من بعض الأذكياء في افتعالِ قضايا الاختلاف الفِكري والتّباين الديموقراطي المزعوم قصَبَ السّبق في وسائل الإعلام العربي وتطوّع المحامين وتضامن الشّارع،تبقى قضايا مُتشابهة في الموضوع والمضمون والمُتضرّرين والمتضرّرات تنتظر دورها في مُجرّد النظر الذي قد يحينُ بعدَ أن يُدفنَ المُدِّعي في مقابر الفقراء وتمرُّ “أربعينُه” وتنتهي عدّة زوجته ويضيعُ أولاده في الشوارع ولا يزالُ الوضعُ على ما هوَ عليه ..

لا أدري لعلّي في يومٍ من الأيام أستطيعُ أن أجدَ محامياً يساعدني على رفعِ قضيّة ضدّ قضيّةٍ أخرى دخلَتْ على خطّ قضيّتي المرفوعة قبلها عندَ نفس القاضي فعطّلت كلّ القضايا المنظورة لديه ومنها قضيّتي ممّا أضرّ بي وبقضيّتي فأطالبُ صاحبَ تلك القضيّة بتعويضٍ على ما لحِقَ بي من ضررٍ نتيجةَ عدم اختياره للوقت المُناسب لقضيّته وأطالبُ المحكمة بتعويض نتيجة عدَمِ العدلِ في مواعيد القضايا وأطالبُ القاضي بتعويضٍ نتيجةَ تأخيره لقضيّتي دونَ مبرّرٍ أقتنعُ أنا به،أو يُسجَنُ الجميعُ وأحكمُ أنا في قضيّتي بأنّ البيّنَة على من ادّعى واليمين على من أنكر ..

بذلكَ التصرّف قد أفتحُ طريقاً لبعض المُحامين “خاليي الشُّغْل” ليكونوا من فئة “مُحامي تأخير” الذي يَلجأُ إليه من تأخّرتْ قضاياهم ليرفع لهم دعوى أخرى تُساعدُ في دفعِ عجَلة قضيّتهم الأساسيّة للأمام وتكونُ مُمارستهم لهذا النوع من “المحاماة” بمثابة الدّرجة البدائيّة في تدرّج المحامي نحوَ مراتب متقدّمة في “التلاعب” بالقوانين والدخول والخروج من أنصاف الثغرات وأرباع العثَرات،ويجدُ هؤلاء العاطلين عن العمل من خرّيجي الحقوق والقانون بابَ رزقٍ يشترونَ ببعضِ عوائده مَظلّةً يستظلّونَ بها من الشّمس وهم يلتقطونَ زبائنَهم أمام المحاكم ..

إنّما جُعِلَ التّقاضي لرفعِ الضّرر لا أنْ يكونَ هو الضّررُ بعينه،فأيّ منا يتمنّى أن تكونَ له قضيّة في المحكمة ولو كانَ فيها مُدّعياً؟ وأيٌّ منّا يتمنّى أن يصرفَ نصفَ راتبه في مواصلاتٍ ذهاباً وعودة لقاعات المحاكم ومكاتب الشّرطة ومواقع المحامين ولو انتصرَ في الأخير؟ وأيُّ ضررٍ سيُرفَعُ بعدَ أن تقَعَ الفأسُ في النّخاع ويصلَ الألمُ للقلب وتأكلُ السنون من الوجوه وتتعطّلُ المصالح والقضايا من تأجيل إلى تأجيل؟ ولو كانَ لي من الأمر شيءٌ لجعلْتُ في كلّ حارةٍ قاض يُجاورُ العُمدة ويقضي بين المُتخاصمينَ على فتحِ النّوافذ والمُختلفينَ على قطعة أرض ويفصلُ بين الأزواج في مسائل الطلاق والعشرة الزوجيّة ويأمر بحبسِ الشباب المعتدين على مبادئ الدين والحياء والسلوك ويُحيلُ القضايا الكبرى للمحاكم الرئيسيّة ..

ولكنْ قبلَ إصلاح قضاءٍ ـ يحتاجُ النّاس إليه ـ لا بدّ من إصلاحِ نفوسٍ هي التي تتقاضى ويُتقاضَى عندَها فلا تأخذُ القضيّة حجماً أكبرَ مما تستحقّه لأنّ رافعَ الدعوى من الوزن المُثقل أو أنّ المُتّهمَ فيها ممّن لا يمكنُ التّصريح بألقابهم أو لأنّ الرأي الإعلامي قدْ يفسدُ مصالحَ كُبرى للمؤسّسة القضائيّة إن هي تأخرِتْ في البتّ في قضيّة حادثِ سيْرٍ لسيّارتينِ لم يُصَبْ فيه أحدٌ بأذى لكنّ سيّارة تلك الشخصيّة كُسِرَتْ “شمعتُها” الأماميّة،ففي الاهتمام بأن تكونَ النّظافة من اعتبارات الدّنيا قبلَ النّزاهة طريقٌ لإحقاق الحقّ ورضا المُتقاضينَ وإشاعة العدْلِ الذي من أجله أُنشِأتْ وزاراتُه وأُقيمَتْ مَحَاكمُه ..



   نشر في 14 أبريل 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا