لا تعلِّقوا فشلكم السياسي على كمنجة الستاتي
نشر في 14 أبريل 2018 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
يتعرض الفنان عبد العزيز الستاتي، أشهر مغنٍ للنمط الموسيقى الشعبي بالمغرب، منذ أيام، لحملات تشويه وهجومات تشهير، من خلال بث مئات التدوينات وتركيب فيديوهات بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف منتمين لأحزاب سياسية، أبرزها المصباح والجرار، وذلك بسبب مشاركته في نشاط سياسي، نظمته مؤخرا شبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار.
عبد العزيز الستاتي، المغني الشعبي البسيط للغاية، والذي يعرفه الشعب المغربي ويحظى باحترامه التام، وجد نفسه ضحية تصفية حسابات سياسية، وسط شوشرة إعلامية كبيرة، ليس لاقترافه لجريمة كبيرة، بل لمشاركته في ندوة "حول الفن والثقافة"، من طرف من يتهمون السلطة بالمغرب بقتل السياسة، والتعددية الحزبية، وخلق الحزب الواحد، في حين أنهم يستهدفون كل من يحاول الإقتراب منها، أو بالأحرى، ممارستها بخلاف أجندتهم الحزبية والسياسية.
ورغم أن الفنان عبد العزيز الستاتي، صرّح لوسائل الإعلام بأنه لا علاقة تنظيمية له بحزب التجمع الوطني للأحرار، إلا أن منشورات التشويه ظلت تطارده، وتبخّس من مساره الفنّي، الذي وإن اختلفنا في تقييمه، فلا يمكن أن ننكر بأنه يندرج ضمن تراثنا الموسيقي الشعبي، الذي أطرب المغاربة على مدى سنوات، وسلّط الأضواء على العديد من الظواهر الإجتماعية المعقدة، في زمن الشيخات العصيب، قبل ظهور وسائط الشوسل ميديا، التي سهّلت عمليات الإيذاع والنشر.
وكما يجمع الفنان عبد العزيز الستاتي، حول أنغام كمنجته الموسيقية، مختلف الأعمار والأجناس، فإنه في هاته المرّة أيضا، أقبل عليه من فرقتهم انتماءاتهم الحزبية ومشاربهم الإيديلوجية، غير أنهم لم يلقوا إليه بأموالهم ونقودهم، وإنما رموه بسهامهم عن قوس واحدة، إنتقاماً من حزب أخنوش، الذي يبدو أنهم لم يقدروا على مجاراته، وقعدوا في قاعة الانتظار يتهجمون على كل من يقترب منه.
وكنا ننتظر من الأحزاب السياسية، بعدما أعلن حزب التجمع الوطني للأحرار عن برنامج "مسار الثقة"، ونظم مؤتمرات وندوات، أن تبادر هي الأخرى إلى المنافسة بمشاريع وديناميات مماثلة، لكن حالة الجمود التي أصابتها بعد نتائج تشريعات سابع أكتوبر، وإعفاء بن كيران من تشكل الحكومة، لا تزال ساريةَ المفعول، رغم توالي أحداثٍ كبيرة هزّت الرأي العام الوطني كثيراً، ورمت بشظاياها على المنتظم الدولي أيضاً.
ورغم ذلك، لم تجد أحزابنا المغربية، وشبيباتها وناشطوها بمواقع التواصل الاجتماعي، أن ينتقدوا شيئاً من حزب أخنوش الذي يقود قطاعات مهمة بالبلد، وتقع تحت تصرفه النسبة الكبيرة من الميزانية المالية للدولة، والذي يتحرك في الآونة الأخيرة كثيراً، سوى إستضافة شبيبته لمغنٍ شعبي، كان عن قريب محتفاً به في مختلف المحطات، خصوصاً بعدما تحدّث بإيجابية عن في الحكومة في برنامج إذاعي، قبل أن ينقموا عليه كل ذلك، ويسفهوا شخصه ومساره الفني.
المهاجمون على الفنان عبد العزيز الستاتي، أظهروا تنكرا بالغا لتراثنا الموسيقي الشعبي، الذي كان مساهما كبيراً في عمليات تحرر وطننا من الإستعمار، كما أن بعضهم تنكروا لماضيهم القريب قبل البعيد، حيث نسوا أو تناسوا كيف بالأمس كانوا يستقبلون على منصاتهم شباباً حظوا بشهرة مؤقتة، ليروجوا حملاتهم الإنتخابية، علماً بأنهم لا يمكلون أي مسار فنّي أو غنائي يقارن بالفنان عبد العزيز الستاتي.
لقد أظهرت هاته الشوشرة الإعلامية، أن أزمتنا السياسية في المغرب، تتجاوز كثيراً معيقات السلطة، ولو أنها كبيرة حقاً، وأكدت أنها تعيش فقر الأخلاق بالدرجة الأولى، حيث ينعدم التنافس الشريف، وتخوض مختلف الأطراف في نقاشات لا تنفع المواطن في شيء، سوى أن يفقد المزيد من الثقة، حتى يصل سريعاً جداً لمرحلة اليأس، التي تعقبه فترة الحرق، التي لا تنفع فيها أية خطابات رسمية أو وعود حكومية.
إننا بالفعل، بعيدون كثيرا عن ممارسات السياسة النظيفة التي تقوم على المشاريع الحقيقة التي تلامس هموم الشعب، ولا تشغله في هوامش تعثّر الانتقال الديمقراطي الذي خدعنا به هو الآخر، بحيث عشنا زيفه لبعض الوقت، قبل أن تعود إلينا حكومة هجينة، ارتمى في حضنها من كانوا بالأمس يتهمون بعضهم بأفظع الاتهامات، في تحالف بشع، يثير الشفقة على وطننا الغير السعيد، للأسف.