يقول الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل انه لا يمكن للمرء أن يصنع حذاءا بإتقان إلا إذا صنعه بإخلاص ، فالإخلاص هو علامة الإنسان النزيه والصادق وهو سبعة أعشار العمل لان الحياة بدونه وقاحة هذا ماكنت أظنه وأنا في الخامسة من عمري حينها كنت على اقتناع جازم أن الإخلاص موجود وان الإنسان بطبعه مخلص حتى وان كذب أو كره ، كنت اعتقد أن الرجل يخلص لزوجته ويكتفي بها وحدها ولايرى على الأرض أنثى سواها ، وكنت أظن أن الصديق الذي سأختاره من بين الآلاف لن يفارقني وان العالم كله ملك لي ، ومع مرور الزمن كبرت وأدركت أن الزوج الخائن والصديق الزائف والإنسان الحقود والابن العاق والأخ العدو جميعهم علموني أن الحياة مدرسة قصيرة وحينها فهمت معنى التجاهل والجنون والصمود والتفاؤل والأمل والنسيان...

  ذات يوم سالت جدي عن طريقة بلوغ السعادة في زمن قلت فيه السعادة وانقلبت فيه المفاهيم فحدق بي طويلا وقال : حين لاتحبين مكانا ما استبدليه باخر فلربما ينشرح صدرك وتتهلل أساريرك ، حين تملين ابتكري أفكارا جديدة وحين تحسين بالإحباط اقرئي بشغف ففي القراءة راحة صادقي نفسك وكوني اثنين انت وانت ولاتبحثي عن الاخلاص في نفوس مريضة وارواح ميتة حينها أحسست أن الإنسان هو من يحدد أهدافه ويسعى إلى تحقيقها ويحاول أن يكون معطاءا ، محبا ، ناجحا وان يعيش حياته بكل تفاصيلها العميقة دون قيد أو شرط له وحده بعيدا عن اخلاص مقيت مادامت حياته قصيرة وزائلة وهمومه عابرة ، فنحن لايمكننا أن نعطي حياتنا مزيدا من الأيام ولكننا نستطيع أن نعطي أيامنا مزيدا من الحياة بإخلاصنا وحبنا لأنفسنا وللغير مهما كانت خيانتهم لنا مؤلمة .

  فالحياة لن تقف أبدا على رضا وغضب احد علينا أو إخلاص زائف من احدهم لأننا ببساطة لم نخلق لنداري خواطر العابرين على سكة أيامنا .