د. وليد سيف : الرغبة في تملق المجتمع تجعلنا نقدم فنا تابعا لا سابقا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

د. وليد سيف : الرغبة في تملق المجتمع تجعلنا نقدم فنا تابعا لا سابقا

أمل ممدوح

  نشر في 24 مارس 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

                                          


          لست ضد المدارس الخاصة للسينما
     نحاول تنقية مفاهيم الطلبة مما شابها من                             مفاهيم رجعية رديئة

عن الورش السينمائية :
   أي فرصة لتعليم الفن في أي مكان هو أمر مفيد
      لدينا مشكلة في التفكير "الاستريو تايب"


حاورته : أمل ممدوح


     يقول إرنست ليفي الموسيقار السويسري "ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال"، فكان لقاؤنا معه كأحد صائغي جدية تشتهيها الحالة الإبداعية، قال في مقدمة كتابه "أسرار النقد السينمائي" أنه طالما فر من التدريس لكن التدريس دائما ما كان يطارده، الهم الحقيقي والتعاطي الجاد ملمح لن يخطئه تتبع مواقفه وحديثه، هوناقد وكاتب أدبي وأستاذ ورئيس قسم النقد السينمائي والتليفزيوني بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون وأستاذ السيناريو بأكاديمية الإعلام الدولية وأستاذ السينما التسجيلية بأكاديمية أخبار اليوم ويقوم بتدريس مبادىء الكتابة السينمائية في الجامعة الكندية، وأيضا أستاذ السيناريو في المعهد السينمائي المغربي..المعهد الحكومي الوحيد بالرباط، بدأت علاقته بالتدريس الأكاديمي بمحاضرات عن السينما العربية في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو أثناء دراسته للدكتوراة، قدم الكثير من ورش السيناريو في مهرجان زنجبار في تنزانيا وفي بوركينا فاسو بمهرجان الفيسباكو وغيرها ويقوم حاليا بالإعداد لأول دورة تدريبية للسيناريو بالمملكة العربية السعودية، كان رئيسا للمركز القومي للسينما ولقصر السينما وله العديد من الكتب السينمائية والنقدية كما له كتابات روائية .. مع د. وليد سيف كان لنا هذا اللقاء عن الدراسة السينمائية.


1 ـ موهبة الفنان تدار من عقله..هل تتفق معي ؟

نعم أتفق .

2 ـ فما الذي تقدمه الدراسة لتهيئة العقل والكيان الفني؟

الدراسة حقيقة لها دور في تهيئة العقل الفني لكني أعتقد أن دورها الحقيقي يكمن في تبني المواهب الحقيقية ، فأنت تعمل على تنمية عقول ووعي عدد كبير من الطلاب وتمدهم بمعلومات أساسية، لكن المفروض أيضا أن تنمي القدرة الإبداعية لدى الموهوبين منهم فلا أحد في الدنيا يعلم أحدا الإبداع ، ففي تدريس السيناريو مثلا ليس الهدف فقط إعطاء معلومات أو تعليم قواعد بل أنك حين تجد موهوبا حقيقيا تعرف كيف يمكن تطوير موهبته والجوانب الناقصة لديه ومعرفة الأشياء المقيدة التي تحتاج للانطلاق، فالالتزام بالقواعد لا يقدم فنا جيدا بل إن الفن الجيد هو لحظات الانطلاق الحقيقية مع الخيال المحكوم بالفهم والمعرفة.

                 على من يدرّس الفن أو السينما تجاوز كل الأفكار الروتينية


3ـ ما العقبات التي تواجهها الدراسة لدينا لتقوم بدورها ؟

هناك مشكلات أساسية لدينا قد تبدأ بالإمكانيات كخلو بعض القاعات من البروجكتور أو خلل الصوت في بعض الأجهزة أو تعطل اللاب توب أحيانا، لكن الأمر أيضا يتحسن تدريجيا في الأكاديمية وإن ظلت مواقع أخرى في الثقافة الجماهيرية أو غيرها تعاني دوما من نقص الأشياء، الشيء الآخر هو الأستاذ نفسه؛ فمدرس السينما ليس مجرد شخص يعرف قواعد هذا الفن بل يجب أن يكون لديه خبرات كثيرة جدا حياتية وفنية وتجارب شخصية، بالإضافة للأهمية الشديدة للمشاهدة، فلا يجوز لدارسي السينما ألا يشاهدون سينما وهي مشكلة موجودة حيث تحدّث الطلاب عن كلاسيكيات في السينما المصرية والعالمية لم يشاهدوها، وهو أمر هام جدا بجانب أهمية مشاهدة السينما المعاصرة، فلم يعد من الملائم أن نكتفي في التدريس حتى اليوم بالحديث عن صلاح أبو سيف ويوسف شاهين، فمع أهميتهما الكبيرة لكن هناك من أتى بعدهما ويستحق الدراسة والتوقف مع تجاربه مثل جيل عاطف الطيب وداوود عبد السيد وغيرهم، وفي السينما حقيقة لا يوجد انفصال بين الفكر والتكنيك، فالتقنيات تتقدم جدا والأفلام التي كنا نراها في الماضي وننبهر بها قد نراها اليوم ونستشعر بها عيوبا تقنية واضحة، فالأجيال الجديدة إن فكرت كالأجيال القديمة فلن تصنع سينما جيدة، وبالطبع حين ترى فيلما قديما لا تراه بعين اليوم بل بعين زمنه، والسينما بالذات يختلف فيها الإيقاع من زمن لزمن، فنفس المخرج الذي قدم فيلما منذ 10 سنوات لو قدمه اليوم فسيقدمه بإيقاع مختلف، شيء آخر أود الإشارة له وهو القوانين، بعد حديثنا عن الطالب والأستاذ والمستلزمات اللوجستية، فنحن محددين بقوانين صارمة خاصة في الدراسة الأكاديمية وخاصة في القوانين الجديدة الخاصة بنظام الساعات المعتمدة، والكم المحدد من التخصصات والمواد المعينة الذي يربك الطالب في اختيار قد لا يكون يمتلك القدرة عليه بعد، ولم يتسنى له التعرف بعد على المواد، مما يؤدي لاختيار غير مناسب لمواد لا يستفيد بها وإن نجح فيها، فتدريس الفن عموما يحتاج قدر كبير من المرونة والتجاوز عن اللوائح الصارمة ودراسة مواد لمجرد إكمال النصاب، فعلى من يدرّس الفن أو السينما تجاوز كل الأفكار الروتينية كعدد مرات الحضور أو المواقف الشخصية من الطلبة المختلفين والتعامل مع طالب الفن كمشروع فنان متحرك.

4ـ لدراسة السينما شقين: نظري وتكنيكي، فما تقييمك لمحتوى كل منهما في الأكاديميات السينمائية في مصر؟

الجانب النظري مهم جدا لكنه يجب أن يتوازى مع الجانب العملي والمشاهدة، والجانب العملي ضعيف، بينما يجب تدريب الطالب في مجال تخصصه من البداية،لأن من كان قويا جدا في الجانب النظري وضعيف في الجانب العملي سيكون كمن له رأس كبير وعضلات صغيرة، فالجانبين يفترض أن يسيرا بالتوازي معا، فالطالب يجب أن يجرب أدواته وينمي عضلاته بجانب عقله حتى لا يجد نفسه يملك أفكارا كثيرة جدا ولا يمتلك آليات تطبيقها لأنه لم يتدرب على السير خطوة خطوة. والأمر لا يتوقف على منهج محدد فالمنهج في النهاية يتحكم فيه الأستاذ، تماما كإيقاع الفيلم..لدي موضوع يُروى لكن مهارتي في الوقوف عند الأماكن الهامة لا المناطق المملة والأستاذ الجيد من يملك التفريق بينهما، أيضا الطالب عندنا في مصر مثقل جدا بأعمال وتكليفات طوال العام ينشغل بها عن التعلم وهي نفس المشكلة بالنسبة للأستاذ المشغول بكم آخر من الأوراق مما يستهلك وقتا وطاقة ويقلل الوقت الفعلي المبذول في العملية التعليمية، فالطالب لدينا مشغول بفكرة النجاح الذي يحوله نسبة كبيرة من الأساتذة لوحش مخيف، فأزمة التعليم في مصر عموما وفي السينما خصوصا هي الإمتحان. كذلك فإن معظم الجهات التي بها مشروعات أفلام يكون هناك تدخلا شديدا من الأستاذ المشرف رغم أن ذلك عكس دوره الذي يتطلب بالأساس إتاحة مساحة أكبر للحرية، الأمر الذي لا يشعر الطالب في النهاية بالانتماء لمشروعه الذي يمثل رؤية المشرف لا رؤيته.


5ـ قمت بالتدريس بداخل وخارج مصر فما ملامح هذه التجربة وأهم ما لاحظته من فروق ؟

التجربة المغربية ممتازة جدا، فلديهم حالة من الانفتاح على سينما العالم وخبراتها، فمثلا أنا أول أستاذ عربي من خارج المغرب يدرس لديهم وأعني في المعهد السينمائي المغربي في الرباط وهو المعهد الرسمي الوحيد، حيث كانوا دائما يجلبون خبراء من إيطاليا وفرنسا وألمانيا، أيضا هم حريصون على الاستفادة من ثقافة وتراث السينما المصرية وهي حالة جيدة من السماحة خرجت بها المغرب عن استشعار التعالي من السينما المصرية لدى بعض الدول العربية ومبادلته بتعال آخر ، إلا أن نفس الحساسية لدينا في صعوبة الاستعانة بأستاذ آخر من نفس الجامعة أحيانا، فقد أصبح لدينا شوفينية غريبة في كل مكان وحالة انغلاق للأماكن على نفسها وهي حالة خطيرة لذا فأنا سعيد أنهم في المغرب يكسرون ذلك، من جهة أخرى فإن لديهم إمكانات جيدة جدا، فالقاعات مجهزة جيدا ولديهم استوديو كامل ووحدات تصوير ومونتاج كاملة وغير ذلك، أما على مستوى الطالب، فالطالب عندنا في مصر يتميز بوقوفه على تراث سينمائي غزير فهو يفهم سينما بشكل جيد ولديه جيناتها، أما الطالب هناك فيمتاز بالثقافة اللغوية التي تجعله أكثر انفتاحا على الفيلم الأوروبي، ففي فصلي عشرة طلاب يجيدون لغات متنوعة ما بين فرنسية وإنجليزية وأسبانية إيطالية وألمانية رغم أنهم خريجو مدارس حكومية عادية، وبالإضافة لدراستهم هم يثقفون أنفسهم بجهودهم الذاتية، بالتالي فإن مشاهداتهم للأفلام متنوعة وبلغاتها الأصلية مما يجعلهم منفتحين على سينما العالم، بالإضافة إلى أن في المغرب يتم باستمرار تصوير أفلام أجنبية إلى حد استقبال الملك بنفسه في بعض الأحيان لوفود التصوير الأجنبية، فلديهم بلدة تسمى"ورزازيت"هي مدينة سينمائية مفتوحة بأكملها للتصوير وكذلك مراكش مما يحقق حالة رائعة من الاحتكاك وفرصة هائلة لتدريب الطلبة في الأفلام العالمية ويخلق حالة من الانفتاح، مما يجعلني أتوقع تقدما كبيرا للسينما المغربية في الفترة القادمة.

6ـ هل وجدت فروقا في ثقافة التلقي بين الطلبة في مصر وخارجها ؟

الطالب في مصر مثقف سينمائيا بثقافتي الفيلم المصري والأمريكي لكن الطلبة في المغرب أكثر انفتاحا على الفيلم الأوروبي، وبرغم معرفتهم الكبيرة بالفيلم المصري إلا أنها تتضاءل عاما وراء عام خاصة مع قلة عروض الفيلم المصري الذي أصبح تقريبا لا يعرض في دور العرض المغربية، كما أن الإقبال على المسلسلات المصرية هناك صار ضعيفا جدا بعدما صارت المسلسلات العالمية تدبلج باللهجة المغربية، كذلك فإن الثقافة الأوروبية في حد ذاتها تجعل تذوقهم للأفلام مختلفا، فلم يحبوا مثلا فيلم "المومياء"ولم يلمسهم لكثرة مشاهداتهم لأفلام من هذا النوع ، لكنهم في المقابل انبهروا بفيلم "إسكندرية ليه" وأثار لديهم هتماما وجدلا لأنهم شعروا أن هناك عينا سينمائية بجانب حالة مصرية خاصة.

         موت الأمل يكسر أشياء في الفنان ونحاول تنقية المفاهيم الرجعية


7ـ ألم يسترع انتباهك أننا كنا كذلك في وقت سابق ؟

أوافقك جدا، وقد شبهت المغرب بمصر في الثمانينات شكلا وموضوعا في حالة الشغف وحالة الأمل فأسوأ ما في الحياة موت الأمل، والخطير أن لدينا حالة من يأس التحقق، فالطالب هناك رغم عدم غزارة فرص العمل والقلق من المستقبل لديه على الأقل أمل أن يعمل، أما لدينا فالسائد توفر العمل لمن كان والده منتجا مثلا أو ما شابه ذلك، وهذا يكسر أشياء كثيرة في الفنان تجعله لا يعتمد على موهبته بل يبحث عن أشياء أخرى.

8ـ هل تؤثر ثقافة الجمهور المتلقي للأفلام على الحالة الابداعية؟

هناك منظومة مؤثرة والتعليم جزء منها ويجب أن يتواكب معه إعلام موضوعي وثقافة جادة وتنمية مجتمعية، فالتعليم وحده غير كاف، وما يفعله الإعلام من حالة نفاق واضح للرأي العام شيء في منتهى الخطورة، ففكرة أن هذا الفيلم مسف وهذه المشاهد عارية وهذا كلام معارض في وقت لا يجوز فيه المعارضة، كل هذا في الحقيقة ضد الإبداع على طول الخط، فإذا كان المبدع يعمل في هذا المناخ فإن الطالب سيكون ابن هذا المناخ، ومهما حاول المدرس توجيهه للطريق الصحيح ستظل دوما هناك قوة تجذبه للطريق الآخر، أراها مرحلة سوف تمر لكن وجودها مؤثر مع الأجيال ومفسد لما نحاول أن نبنيه، فنحن نحاول تنقية مفاهيم الطلبة مما شابها من مفاهيم رجعية رديئة يجب ضبطها كفكرة أن الفن نظيف أو رسالة اجتماعية أو أنه عمل ثقافي، فحتى لو أن الفن ثقافة لكنه ليس عمل ثقافي بل عمل إمتاعي أولا والمتعة لها درجاتها المختلفة، فهناك متعة بمعنى التسلية والدهشة والانبهار وأخرى بمعنى أن أفكر وأخرى بمعنى التأثير على وجداني.. فهي درجات، أيضا فكرة الرغبة في إلغاء نوع من الفن لحساب نوع آخر فكرة غير سليمة، فعلينا تفهم مثلا أن لا عيب في أن يكون هناك فن تجاري جيد، فكرة الرغبة في تملق المجتمع صارت في منتهى الخطورة وتجعلنا نقدم فنا تابعا لا سابقا، مما يؤثر في مستوى الكتابة ويسبب تراجع التعبير عن الرأي تخوفا من الهجوم، فالحقيقة لقد أصبح ولأول مرة في تاريخ مصر رقابة الجمهور أشد من رقابة الدولة وأن الأفلام التي تتيحها الرقابة قد يعترض عليها قطاع كبير من الجمهور، مع أن من ضمن الأهداف الرئيسية للفن كسر التابوهات الثلاثة( الدين، الجنس، السياسة) فكيف تحقق ذلك وأنت مقيد بها، والمشكلة أن من يصنعها المجتمع لا الدولة، ليكون لدينا حالة انفصام بين ذلك وما يحدث في الشارع والمجتمع من سلوكيات، هناك مشكلة حقيقية أيضا في أننا أصبح لدينا تراجع في الإقبال على السينما وخاصة السينما التي لها طابع ثقافي، وإن ظل توزيع الأفلام التجارية جيدا، لكن فيلما كفيلم "الأصليين"مثلا انصرف عنه الناس، الأمر الذي يدخل المبدع لحالة من السعي لإرضاء الجمهور لا الإبداع.

9ـ ماذا عن هذا التأثير في المغرب؟

هم لديهم بلا شك تيار ديني رجعي وهم أيضا مجتمع محافظ لكن هناك نسبة جيدة من المجتمع تقدمية بسبب ارتباطهم الشديد بالغرب سواء بسبب الثقافة الفرنسية السائدة أو الحدود القريبة من أسبانيا، فبالتالي فتأثير المجتمع المحافظ يظل محدودا.

10ـ ما رأيك بالمدارس الخاصة للسينما التي انتشرت مؤخرا ؟

لست ضد ذلك ولا حتى ضد الكسب من ورائها، وبالتأكيد هي تخاطب شريحة معينة قادرة على الدفع وبالتأكيد تقدم فائدة ما في محيط ما لجمهور ما، وهناك من يتعلم لديهم بجدية ويتخرج منها أناس ناجحون يقدمون مشروعات جيدة، وهذا هو الفيصل فلا مشكلة فمن يريد أن يعلم أو يتعلم أو ياخذ شهادة فليفعل وهو أمر موجود في أمريكا، الكل يأخذ شهادات لكن الفيصل هو العمل والنجاح، أما الحديث عن فرض قوانين للمنع أو وضع العراقيل فالحقيقة القوانين ليست من ستضبط الأمور بل النجاح هو الفيصل والناجح من سيستمر، وحتى لو كان من يدرسون دون الكفاءة يظل الأمر خاضعا للرغبة.

11ـ هل يلجأ الخريج الأكاديمي لمثل هذه المدارس ؟

يكون أحمقا إن فعل، بما أنه دارس للسينما وخريج أكاديمي، إلا لو هناك شيء ما خاص أو أستاذ معين سيستفيد منه في هذا المكان، فمثلا ابني وهو بمعهد السينما قسم إخراج سمع عن ورشة تمثيل جيدة فأحب خوض التجربة لأنه عرف أنهم سيدربوهم على جوانب روحية وأساليب تأملية، فاستفاد منها..لكن هذه ورش.


                        المدارس الخاصة للسينما تعويضية وليست تكميلية


12ـ ألا يمكن أن تكون هذه المدارس تكميلية لدارس السينما ؟ أم تراها تعويضية فقط لمن لم يدرسها ؟

لا ليست تكميلية أبدا ولا أظن أن دارس للسينما يلجأ إليها، لكنها فعلا تعويضية لمن لم تكن لديه فرصة لدراسة السينما، وقد يقدمون بذلك خدمة جيدة خاصة وأن هناك من لا يقبلون في المعهد العالي للسينما رغم جودة إمكانياتهم بسبب محدودية العدد المطلوب للدفعة في كل قسم وهو عشرة طلاب لكل قسم، فطاقة المعهد لا تحتمل، فلك تخيل تقدم المئات.

13ـ وماذا عن الجانب التكنيكي فيها هل يفوق المعاهد الأكاديمية ؟

لا فأنا أعتقد أن الإمكانيات المتاحة حاليا في معهد السينما إمكانيات جيدة جدا ويصعب أن يتغلب عليها معهد خاص حتى لو كان مجهزا جيدا وخاصة في ضوء تجديدات جرت في المعهد.

14ـ هل نحتاج للمزيد من التخصص في فروع الدراسة ؟

لا أظن هناك نقص في فروع الدراسة فهي كافية لكن لا ما نع من الاستعانة بخبراء من خارج المكان وهو ما لا يحدث كثيرا،فلدينا كفاءات لكن السوق يستقطبها دون التدريس، فمثلا سمير سيف أفضل أستاذ إخراج في مصر وإن لم يرأس يوما قسم الإخراج لكنه اليوم لديه ارتباطات لا تتيح له التدريس.

                         قلة البعثات مؤثرة وبناء المدرس الشيء الأهم


15ـ هل لقلة البعثات تأثير في المستوى العلمي والإبداعي؟

من المؤكد أن الميزانيات تقل وبالتالي تقل البعثات، لكن أيضا المسألة تتراوح بين مسؤول وآخر، فهناك مسؤول يوفر في البعثات كتوفير للنفقات وآخر يرى أن عليه إنفاق ما تبقى من ميزانيته في منطقته الأحق، فعقلية المسؤول تختلف من واحد لآخر، وقلة البعثات مؤثرة بالفعل لكننا في نفس الوقت علينا الاعتراف أننا الآن دولة تمر بظروف اقتصادية صعبة. لكن أيضا هناك المنح التي تقدم من الدول الأجنبية للطلبة المصريين، وهذه المنح في الحقيقة تحتاج عادة لجهد وتفكير في كيفية توظيفها وإيصالها لمن يستحقها.

16ـ الورش السينمائية وقد زاد انتشارها.. هل تراها ظاهرة مفيدة أم مفسدة ؟

قد أكون متطرفا في رأيي هذا لكني أرى أي فرصة لتعليم الفن في أي مكان هو أمر مفيد حتى لو كان قليل الفائدة، فوجود شعاع ضوء في كل منطقة لتعليم السينما وتعليم الفنون هو أمر ينير الحياة،على سبيل المثال في إيران هيئة شبه رسمية لها في كل محافظة من محافظات إيران المائتين فرع ينتج كل عام 10 افلام قصيرة فيصبح لدينا سنويا 2000 فيلم قصير على الأقل، فلو كان منهم 50 فيلم جيد فهذه نهضة، أي 50 مشروع مبدع وفنان متحقق، وقد حاولت حثيثا تنفيذ مشروع مشابه في مصر ، ففكرت في مشروع المائة فيلم حين كنت مديرا لقصر السينما وتوقفت بسبب الاعتمادات المالية وحاولت عمله حينما كنت مستشارا لهيئة قصور الثقافة لشون الإنتاج السينمائي، لكن المشروع تعطل أيضا بسبب الأجور والميزانيات، وحاولت عمله حين رأست المركز القومي للسينما بإنتاج عشرة أفلام قصيرة في العام لكنه كذلك لم يتم للأسف.

17ـ ألا ترى تغيرا في خام الفنان الحالي بالمقارنة بأجيال مضت ؟

لا أرى أن شيئا تغير في الفنان، هناك مواهب كثيرة جدا لكن المشكلة في أمرين أولهما زيادتنا العددية حيث الكثرة تقلل الفرص وتخلق حالة من التزاحم الذي له دوما سلبياته فالأجواء غير مناسبة، ثانيهما أن كثير من فنانينا تحققوا في فترة كانت فيها الدولة تنتج أفلاما وهذا في فترة الستينات خاصة والتي شهدت أكبر قدر من الأعمال الفنية والسينمائية الجيدة وقد تربى فيها أيضا أجيال جديدة صنعت مشروعات، أما اليوم فالدولة رفعت يدها عن الإنتاج السينمائي، ومن السبعينات وحتى اليوم لم يحدث أن أنتجت الدولة فيلما سوى فيلم "المسافر"ولم تدعم سوى مجموعة من الأفلام عام 2012 في مسابقة الدعم التي لم تتكرر والتي نتج عنها خمسة أفلام رائية من بينها "لا مؤاخذة"و"رسائل البحر"و"عصافير النيل" و20 فيلما قصيرا، فبالطبع غياب الدولة مؤثر جدا، ولا يتحقق هذا الخام إلا من خلال السوق الذي له شروطه ومنافسته الصعبة فالمشكلة ليست في الفنان نفسه بل في المناخ، وإن كان هناك استثناءات في بعض الأعمال المستقلة لكن تظل الفرص ضيقة جدا ، ولدينا نماذج استطاعت تحقيق إبداع جيد رغم ذلك كمحمد حماد في فيلمه "أخضر يابس" وعمرو سلامة ومحمد دياب وكلها مواهب كبيرة.

18ـ ماذا تقترح لتطوير تدريس السينما في مصر؟

سؤال صعب، لكني أرى الشيء الأهم هو بناء المدرس..بناء الإنسان فنحن لدينا مشكلة في بناء الإنسان، فالمدرس لدينا مثقل بالهموم الاقتصادية والشخصية، يستنزف في أمور الحياة ولكي تدرس مادة تتعلق بالإبداع يجب أن تكون مهيأ ذهنيا، كما يجب أن يتوفر لك أفلام حديثة وسينماتيك ومكتبة أفلام متنوعة، كذلك نحن ينقصنا الاطلاع على تيارات السينما الحديثة، وقد كان لدي أثناء تحضيري لمهرجان الإسماعيلية مشروع أساسي لبحث أو دراسة عن التيارات الحديثة في السينما في الأفلام القصيرة والتسجيلية وهو موضوع شديد النقص في مصر حيث عادة ما نعمل على الكلاسيكيات بينما نحتاج لمتابعة جيدة لما يتم من تطوير حالي للغة السينما ومدارسها واتجاهاتها.

19ـ ما اقتراحاتك لطالب السينما لتعويض أي نقص في العملية الدراسية ؟

يجب أن يشاهد الكثير من الأفلام وأن يتابع الاتجاهات المختلفة في السينما وأن يجرب أدواته، وقد كسرت كاميرا الديجيتال عائقا كبيرا كان بالنسبة لجيلنا مثلا بينما الآن كل من بيده كاميرا يستطيع أن يجرب بها فيلما مهما كانت إمكانيات الكاميرا، فقط يجب أن يدرك أن الأساس هو الفكرة، جرب أفكارك في حدود إمكانياتك، صور مواقف ولقطات، فكنز أي مبدع ثلاثة أشياء: مخزون ذكريات شخصية، حكايات الحياة التي لفتت نظره، جمل الحوار الموحية التي التقطتها أذناه، هذه وقود مشروعاته الفنية وزخمها.

20ـ أخيرا .. ما ملاحظاتك على أفكار الطلبة من تدريسك للسيناريو ؟

نحن لدينا مشكلة في التفكير النمطي"استريو تايب" فمن يقدم فكرة جيدة يقلدها الباقون باختلافات طفيفة، وهو أمر خطير، بينما على العكس وجدت تنويعا في المعهد السينمائي المغربي وتنويعات في الأفكار وطرق التفكير لكل منهم، فمنهم من لديه أفكار للسينما التجارية ومنهم من يميل للسينما التسجيلية ومتأثر بالسينما الروسية وهناك من تركز في مشروع معين للفيلم التسجيلي عن رياضة معينة، فكل منهم لديه تركيبته وأفكاره، ليكون المهم هنا كيف تستوعب هذه الأفكار لا أن تعدلها، فالسيناريو ليس مجرد قواعد بل المهم التعامل مع روح الكاتب، السيناريو ليس تكنيك بل إحساس نابع من المبدع يكون استيعابك له أكثر ما يساعد.


( تم نشر الحوار في مجلة الفيلم )



   نشر في 24 مارس 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا