وثنية الكلاب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

وثنية الكلاب

مقالة ترجمتُها للكاتب الإسباني خافيير مارياس منشورة في يونيو 2016 في صحيفة إلبايس

  نشر في 01 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

عندما دخل أوباما البيت الأبيض قبل ثمان سنوات [من تاريخ نشر المقال]، واجه مشكلةً غيرَ متوقعة، أشدَّ من عِرقه أو ديانته غير المحددة: لم يكن عنده كلب. فلزمه أن يقتني واحداً بسرعة، إذ في الولايات المتحدة توصلوا منذ زمن إلى قناعة عبثية مفادها أن من ليس عنده كلب شخص سيء. وإسبانيا بلد يدّعي أنه مناهض للأمركة، لكنه يقلد باستخذاء كل التفاهات التي من هناك تُصدَّر، ولا يقلد واحدة من الأشياء الحسنة أو الذكية. في الشغف بالكلاب (وفي الجملة بكل الحيوانات، سواء كانت مؤذية أو لا) بلغْنا معدلات جنونية، وفوق كل شيء، أصحاب الكلاب يريدون أن يفرضوها علينا –نحن الباقين- شئنا أم أبينا. قرأت أنه يوجد في مدريد وحدها أزيد من مئتين وسبعين ألفاً مُحصًى، رقم على ارتفاعه لا يعدو أن يمثل سوى أقلية من المدريديين. هذه الأقلية، انسجاما مع الفكرة الأمريكية الخرقاء بأن وثنيِّي الكلاب يحظون بتفوق أخلاقي وشهادة بأنهم من "الأخيار" (ومن ضِمنهم هتلر)، ما فتِئت تعتدي وتطالب بـ"حقوق" شتى لكلابها. ومسألة "حقوق" الكلاب من أكبر السخافات (المنتصرة) في عصرنا. فالكلاب ليس لها حقوق ولن يخطر لها أن تطالب بها. ومن ينصّبون أنفهسم "أمناء" عليها هم أشخاص، في الغالب مالِكوها، يريدون الحقوق لأنفسهم، نوعاً من الامتياز الإضافي. أما الحيوانات فتفتقر للحقوق بالضرورة، وهو ما لا يمنع من أن يكون لدينا واجبات تجاهها، وهذا شيء مختلف. أحد تلك الواجبات ألا نسيء معاملتها مجانا، بالتأكيد (لكنها إن هاجمتنا أو كانت ضارة لنا فلدينا الحق وحتى واجب الدفاع عن أنفسنا منها).

أصحاب الكلاب ينادون الآن بأن يُسمح لها بدخول كل الأماكن تقريباً: إلى المقاهي، والمطاعم، والمتاجر، ومعارض الفنون، والمتاحف، والمكتبات، وكذا بأن تُخصص لها منتزهات... صرّحت إحدى الشغوفات: "أنا لا أدعم أماكن لا يُسمح لي أن أدخلها مع عائلتي" (بدون تعليق). "سواء ذهبت مع كلابي أو من دونها". (أظن أن ذلك ينطبق على حد سواء على الخنازير البرية، والأفاعي، وأشبال النمر.) هي ومتحمِّسون آخرون يحتفلون بأن مؤسسة البيت المشتعل [للعروض الثقافية، في مدريد] صارت تفتح أبوابها للكلاب، ولا أدري إن كان المعرض الوطني للنقش قد حذا حذوَها (حيث أُقيم معرض للوحات مصارعة الثيران لغُويَا وقد تُلوعِب بها وزُيِّفت إلى درجة أن ظهر الرسام "مدافعاً عن حقوق الحيوان قبل أن يوجَد المصطلح" (!). أما فيما يتعلّق بي، فإنني أعرف أيَّ أماكن لن أطأها مجدَّداً، من باب الاحتياط. أنا لا أُعادي الكلاب، التي عادة ما تكون ظريفة وإضافة إلى ذلك فهي غير مسؤولة عن أصحابها. غير أني لا أستسيغ أن أكون في مطعم محاطاً بها. فليست جميعها مهذبة، ولا جميعها نظيفة وخالية من الأمراض، ولا جميعها تقاوم قضاء حاجتها حيثما عاجلتها، وكثير منها تنبح في أي وقت لأي سبب.

غالبا ما لا يقنع مالِكوا الكلاب بواحد، وإنما يسيرون بثلاثة أو أربعة، وكل منها يحتل بحبله الممدود الشارع بأسره ويمنع مرور المُشاة. وعلاوة على ذلك فإن حيازة كلب ترف. فالعناية به باهظة جداً واستعباد، بدءً بالأكل الخاص وانتهاءً بنفي القمل عنه، والزيارات المستمرة للبيطري، والغسل وتمشيط و"جزّ" الشعر على أيدي خبراء، بل وحتى العلاج "النفسي" الذي يحتاجه كثير منها لأنها "تتوتّر"، تفزع عند سماع الجرس، تفقد اتزانها في شقق ذات أمتار قليلة وفي مدن غير مجهّزة لتكاثرها الفائض. وحدّث ولا حرج عن بُرازها الذي تنثره في طريقها؛ مهما فُرِض على أصحابها أن يلتقطوه، في عملية مقزِّزة نسبيا، فلن ينعدم أبدا من يمتنعون عن الرضوخ لمهانتها. إنني لا أعادي الكلاب، كما أقول، لكن أناسا كثرا يعادونها، ويخافونها، ولا يطيقونها. ويُراد فرض الكلاب على هؤلاء أينما ولَّوْا، حتى بينما يأكلون.

من ضمن هؤلاء كان روبرت لويس ستِفنصون، الذي كتب سنة 1879: "اضطربت بسبب نباح كلب، الحيوان الذي أَرهَبه أكثر من أي ذئب. جليٌّ أن الكلب أكثر شجاعة، وإضافة إلى ذلك يسنده الإحساس بالواجب. فلو أردى أحدٌ ذئبا، لتلقى تهاني وإشادات؛ لكنه لو أردى كلبا، سترفع الحقوقُ المقدَّسة للملكية والعاطفةُ عقيرتهما وتطلبان جبر الضرر... إن النباح الحادّ والقاسي لكلب بحد ذاته لَتعذيب شديد... في هذا الحيوان الجذاب شيء من قسيس أو قاضٍ... عندما أسافر على قدميَّ، أو أنام في العراء، أمقُت الكلاب بقدر ما أخشاها". كل هذا يُنسى، بالفعل: فحسب حجم الكلب وفصيلته، فإن من يسير به يحمل سلاحا. فإذا كان ممنوعا التجول بمسدسٍ أو سكين ذي طول معيّن، فلا يُفهم كل هذا التساهل مع بهيمة تطيع مالِكَها، الذي يمكنه أن يُطْلِقَها على من شاء. ذات مرة سّبني جار ذو مزاج عكر، بلا سبب، عند باب العمارة. ردّ فعلي العادي كان أن أواجهَه. لكن الرجل يمسك بكلب ذي مظهر متجهّم، وبأمر من صاحبه كان سيدافع عنه وإن لم يكن على صواب. وهذا هو الطبيعي، إذ ليس من شأن الكلاب أن تفحص هذه التفاصيل، وإنما أن تطيع من يغذيها ويرعاها. فكيف لا يكون هذا خطراً محتملا... توجد في مدريد الكلاب التي ذكرت، لذا لا أريد أن أتخيّل كم عدوّاً كسبت في إسبانيا بهذه الأسطر. وليس لأحدهم أربع قوائم، متيقّن من ذلك.


  • 1

   نشر في 01 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا