من ذا يسرقنا في وضح النهار؟
من ذا يسرقنا في وضح النهار؟... هيام ضمرة
نشر في 02 يونيو 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
من ذا يسرقنا في وضح النهار؟... هيام فؤاد ضمرة.........
نتعرض كبشر كثيرا للسرقة خلال رحلة حياتنا، تسرقنا الأيام والسنين وتستهلك عمرنا ومن ثم عافيتنا، وتسرقنا نفسنا من نفسنا ونحن نبحث لها عما يرضيها ويحقق لها ما تصبو إليه، وتسرقنا أحلامنا فيما نحن نجري خلفها ونتعقب خطاها لنمسك بتلابيبها، فالحياة تبدو لنا رحلة مشاغلة كبرى، كلما كبرنا وزاد نضجنا تزداد بنا تعمقاً أو نزداد بها تشبثاً، وتتعاظم أمواجها لتضرب شواطئ خطانا وتحرك الأرض تحت أقدامنا فيختل توازننا، وإذا نحن نتخبط وسط معاناة كؤود، نغرق بها أو هي تغرقنا وتغرز خطانا في وحل الشقاء وأنفاسنا في لهاث العناء، تلوكنا بين طواحين الزمن فنغدوا ممزقي العافية تعاركنا الأمراض وتعركنا الأحداث الجسام... هي الحياة تسرقنا فيما نسلم لها رقابنا، ونركع بين يديها مستسلمين لمشيئتها، تسرقنا ونحن ننظر في عينيها متوسلين رضاها، وقبولنا في عالم لا يداهننا ولا يخفي عنا مقاصد شروره، ولا يزيف حقيقته، فيما الإنسان يحارب الإنسان، وينافسه في كثير مواقع بلا شرف ولا رحمة، وفيما الإنسان يغدر بالإنسان مستأثرا نفسه بما يراه هدفا لمصلحة
حقا من طبع الأرض أن تدور وتدير حولها عالماً زاخراً بالأحداث، لكن الانسان هو نفسه الذي لا يتغير ولا يتطور إلا في شكله وشكل حياته، وهو كذلك نفسه في فعله وردود أفعاله نحو أخيه الإنسان، شريكه في إعمار الأرض كما هو مفترض، لكن الغريب، بل الأغرب كيف أن الإنسان إذا ما سقطت عنه قوانين الأرض تحلل من الانضباط واخترق أنظمة الإنسان للإنسان، والإنسان للإنسانية، فيتحول إلى ما هو أشد توحشاً من الوحوش المفترسة، فيمارس من الوحشية ما يفوق قدرة التصور البشري، ينسى أن له وجود مؤقت لن يتعداه وإن فعل المستحيل، حياته ليست إلا فترة زمنية محدودة ويمضي نحو قضاءه مسلوب الارادة، فلا يبقى له من أثر سوى فعله، إن أحسن الفعل فسيذكره التاريخ بالخير، وإن لم يحسن فعله ذكره التاريخ بالسوء، فهو بالنهاية مجرد أثر ايجابي أو سلبي، أو يغادر الدنيا كما دخلها بلا أي أثر يذكر، وهنا الطامة الكبرى، فكيف يوجدك الخالق في أرض المعمورة فتكون فيها كما لم تكن يوماً، وتكون فيها صفراً لا يحفظ له مكانة
الانسان خلق بمواصفات تميزه عن باقي المخلوقات، تؤهله لدور الإعمار كونه الأقدر على السيرورة والأقدر على البقاء وفق منظومته الانسانية وضميره الإنساني، فيتطور التطور التدريجي التراكبي الطبيعي، فتنهال عليه الالهامات العقلية كالقطر المنثال على الكينونة الابداعية وفق تداعيات أخيلية يتبدى أثرها على قرائح متوقدة بالخيال وبالعطاء، ستثير فيك فاعلية العطاء إلى أقصى البعيد
وأي كان شأن الانسان نحو ذاته أو نحو الانسان الآخر المشابه، او الآخر المختلف، فهو إذا ما ملك السلطة ارتدى في هيئتها غير ردائها الحقيقي، وتملكه الوهم بكل زخم فانتفخ كالبالون وانتفخت بالتمرد أوداجه، معولاً على قدراته الذاتية ومن ثم على قدرات من يناصروه من أهل القوة والجبروت، فالنفس الجانحة في داخلها ثورة جامحة، في طبعها الشراسة بحكم طابعها المعقد، فماذا لو كان الانسان معقداً في تركيبته النفسية ففي هذه الحالة حسب ما يراه أديبنا الجاحظ واصفا اياه بالمستدير الجوانب، نصفه حقيقي ونصفه الآخر خيالي، فالأسطورة ولدت مع الانسان، عقله المتخيل يهيم بأفق الخيال البعيد، فيرى الأسطورة غذاء روحي يضبط فلتانه عن الأنظمة الاجتماعية الانسانية.. فهو في أصله إنسان متوحش تضبطه حاجته للحياة الاجتماعية فيمتثل لقانونها في التعايش ويرضخ له وبذلك تنتظم فيه انسانيته
أشد ما يرهب بالانسان اتخاذه القرار المتفرد وغير المنضبط بقانون أو نظام جماعي، هنا يتحول صاحب القرار لحالة انتشائية ذاتية تخرجه عن المألوف، حينها هو معرَّض للخروج عن الضوابط المتعارف عليها قانوناً، ولهذا يوجد الحاكم الاستبدادي، والمسؤول الظالم، وصاحب القرار المتحكم بالرقاب.. التسيب من الضوابط التي تحكم التجمعات الإنسانية معناه تسيب عن الإنسانية نفسها.. فليس ما يخيف الإنسان إلا الإنسان، وليس ما يضر الإنسان إلا الإنسان، فالطبيعة لها غضباتها لكنها لا تساوي شيئاً أمام غضبات انسانية متفلتة عن قانون الجماعة أو المجتمع
جمال الإنسان بإنسانيته، وروعته تتضافر بالرحمة والقنوط، وأسوأ ما يخرج عنه الجحود، وأصعب ما ينتظره اليأس والكآبة بسبب ظلم الإنسان للإنسان.. أما عبودية الإنسان فتكمن بالطمع والاستحواذ على كل شيء، وآلة عبوديته المال، وأمام مطامعه يصبح وحشاً ضارياً يكشر عن أنياب تقطر دماً قانياً
فماذا بعد يا إنسان وتيارات الزمن تداهمك وتعمق انعزالك وتغرقك في قاع النرجسية؟ فأي نجاح هذا الذي يمكن أن تحققه مستأثراً به وحيداً؟ وأي نوم ذلك الذي يخمد على لحنه ضميرك الميت؟ فماذا قدمت لغيرك وللبشرية وإن توقف على جزء من المجتمع؟ ماذا أنجزت مما ينفع البشرية ويساهم في إعمار الأرض؟ أحسبت أن مقتضيات وجودك بالدنيا تقف عند الأكل والارتواء والكسوة لتعيش وحسب؟ فتقدم عبادتك للخالق وتنسى أن عبادتك الأولى أن تكون صاحب أثر ايجابي لبني جنسك ومجتمعك ووطنك، صغر في قيمته أو كبر.. هي الحياة تغرق الانسان في زحمة متطلباتها ومسؤولياتها لتقيم أمام عينيه جداراً أصم يحول بينه وبين الرؤية الأعمق، فينسى ما عليه من واجب نحو غيره لقول الله سبحانه وتعالى " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى".. " ولسوف يعطيك ربك فترضى"
ولقول رسول الله عليه الصلاة والسلام " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وهنا معنى الأهل لا يقف على الأسرة والعشيرة، فالأهل مجتمع بأكمله يحتاج التكاثف والتعاضد والدعم بالجود والعطاء.. فاجعل الحياة أجمل لكل من يحيط بك فتبادلها خيراً بخير، ويسرا بيسر، توقف مع نفسك وحاسبها ماذا فعلت اليوم من أعمال لها أثر عميق وخيرها عام.. محاسبة الذات لا تجعل الحياة تسرقك بلا مقابل لأن البحث عن إجابة سيضعك في موقف الحزم مع الذات، والعطاء باب مشرع للجميع، سهل يسير، متوفر دوماً... ابتسامة، زيارة مريض أو محارم، كلمة طيبة، دعاء في ظهر الغيب، نفقة، دواء، دعم طالب علم.. والولوج في باب العطاء يصل كل صاحب حاجة
" فقط استعن بالهمة ولا تعجز"، العجز يثبط الهمة، ويضعف الاقبال، ويحطم الطموح، ويسوغ العجز بأسباب واهية وحجج ساهية.. فيقول النبي عليه الصلاة والسلام " اللهم إني أعوذ بك من العجز" لأنه سبب الاخفاق
وما أحوجنا اليوم لنكسب عمرنا بالعطاء والبلاد تعاني التشتت وتكتوي بلظى الحروب والفتن ويتمدد الفقر مستشريا كأنه الهشيم، فادفع الشر بالخير.. "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية